سبتمبر.. وقبل أن تحل الذكرى بأيام، السُلطات توجه بتعويض أسر الضحايا، نعم هكذا بكل بساطة التعويض، وكأن هؤلاء الضحايا لقوا حتفهم في واحدة من الكوارث الطبيعية.. رغم لجان التحقيق التي جاء في الأخبار أنها تشكلت منذ بعد تفجر الأوضاع، إلا أن الحديث الأخير الذي اكتفى بالتعويض أوصد الباب الذي هو موصد بالنسبة للكثيرين، بل قبل ذلك بكثير حينما وقف وكيل وزارة العدل السابق عصام عبد القادر أمام البرلمان، وكشف للناس أن لجان التحقيق التي تشكلت تخص الممتلكات وليس الأرواح كما كنتم تعتقدون، رغم حديث وزارة العدل الذي ظلت تؤكده حيث إنها شكلت لجنة وأنها في انتظار ما تسفر عنه التحقيقات إلى أن انكشف أمر العدل برمته، وواضح أنها كانت تمارس الخداع حتى على الخبير المستقل لحقوق الإنسان الخاص بالسودان. هذا الحديث رغم مراراته إلا أنه لم يكن صادماً على قدر الحدث، لأن في الأصل أن كان هناك قيمة لتلك الأرواح لما قٌتلت هواناً هكذا. لكن، كيف يُنتظر تحقيقاً بينما أعلى قيادات الدولة كانت توجه بالضرب بيد من حديد لكل من يتظاهر، فالذي يوجه بالقتل المباشر لا يُنتظر منه أن يُحقق في من قتل، بل يُنتظر منه المزيد من سفك الدماء. إن كان ثمة شيء يرجى فعله فهو المواصلة في طريق سبتمبر حتى بلوغه غاياته، تذكروا هؤلاء الصبية الذين ماتوا لأجلنا، بينما خندقت المعارضة في دُورها في أكبر عملية خذلان لا تليق، اليافعون يموتون في الشوارع بينما الكهول محاطون بمريديهم، إنها لبئس القيادة. غير أن المطلوب علمه وتثبيته وضرورة التذكير به على الدوام هو أن السلطة لا فرق لديها بين أعزل في الخرطوم وحامل سلاح في أقاصي دارفور، جميعهم أعداء يُقاتلون.. سبتمبر وإن زهقت فيها أرواح لم تنل التغيير الذي تنشده ولم نفعل لهذه الأسر المكلومة سوى الدعاء، إلا أنها ثبتت هذه الحقيقة المهمة والتي على أساسها ينبغي أن يكون كيف التعامل في مسألة الحقوق والواجبات، الجميع أمام السُلطة أعداء، من حمل السلاح قهراً ومن خرج إلى الشارع غبناً، ما جنته سبتمبر رغم خذلان المعارضة الكبير أنها استطاعت أن تتجاوز القيادة التقليدية المعتاد عليها، تجاوزتها بل وتقدمت عليها، وهو ما يؤكد أنه ورغم الصورة القاتمة التي أمام أعيننا إلا أن وعي بدأ يتشكل بين جيل ظل مفهوم عنه أنه بعيد عن الفعل الإيجابي، بل بعيد حتى من الفعل غض النظر كان إيجابيا أم سلبيا، هذه الأجيال التي فاجأت الشيوخ سوف تفعلها ثانية وثالثة وسوف تتجاوز كل هذا التقليد. التيار