شاهد بالصورة والفيديو.. تفاعلت مع أغنيات أميرة الطرب.. حسناء سودانية تخطف الأضواء خلال حفل الفنانة نانسي عجاج بالإمارات والجمهور يتغزل: (انتي نازحة من السودان ولا جاية من الجنة)    شاهد بالصورة والفيديو.. تفاعلت مع أغنيات أميرة الطرب.. حسناء سودانية تخطف الأضواء خلال حفل الفنانة نانسي عجاج بالإمارات والجمهور يتغزل: (انتي نازحة من السودان ولا جاية من الجنة)    البرهان يشارك في القمة العربية العادية التي تستضيفها البحرين    شاهد بالفيديو.. خلال حفل خاص بالإمارات.. الفنانة قسمة تغني للحسناء تسابيح دياب وتتغزل فيها والأخيرة تتجاوب معها بوصلة رقص وتقبلها وساخرون: (الفنانة عاوزة منك نقطة ما عاوزة قبلة)    شاهد بالفيديو.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تعود لإثارة الجدل بوصلة رقص مثيرة وتهز بجسمها على أنغام أغنية مصرية    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    الخارجية السودانية ترفض ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية    قرار من "فيفا" يُشعل نهائي الأهلي والترجي| مفاجأة تحدث لأول مرة.. تفاصيل    الرئيس التركي يستقبل رئيس مجلس السيادة    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    الدعم السريع يقتل 4 مواطنين في حوادث متفرقة بالحصاحيصا    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    الكتلة الديمقراطية تقبل عضوية تنظيمات جديدة    الأحمر يتدرب بجدية وابراهومة يركز على التهديف    عملية منظار لكردمان وإصابة لجبريل    بيانٌ من الاتحاد السودانى لكرة القدم    ردًا على "تهديدات" غربية لموسكو.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية    «غوغل» توقف تطبيق بودكاستس 23 يونيو    لحظة فارقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فقاعة صكوك الإستثمار الحكومية، شهامة، شمم، صرح، شهاب و ما نحوها ،،، الحلقة (7)اا
نشر في الراكوبة يوم 04 - 06 - 2011

شركة السودان للخدمات المالية محاطة بقدر عالي من الغموض و السرية و لا يعلم المستثمرين شيئا عنها
شركات الوساطة وصل عددها ل 37 شركة منها 11 شركة تابعة لبنوك محلية و أجنبية و وضعها أقرب للفوضي
حامل الصك يمنح الحكومة فائدة تتراوح بين 5% إلي 8% غير الرسوم و عمولات شركات الوساطة
الصكوك حولت وزارة المالية و البنك المركزي لمضاربين و تجار لا يختلفون عن أي تاجر آخر في السوق
16 عام محافظا؟ صابر محمد الحسن هي أطول فترة قضاها أيٌ من ال 13 شخصية التي شغلت المنصب في الخمسة عقود الماضية
فقاعة صكوك الإستثمار الحكومية، شهامة، شمم، صرح، شهاب و ما نحوها ،،، الحلقة (7)
الهادي هباني
[email protected]
قلنا في حلقات سابقة أن السندات الحكومية عبارة عن أدوات دين تصدرها الحكومات (و تعرف بالسندات الحكومية أو السيادية) لتمويل عجز الموازنة العامة و الإنفاق علي مشاريعها الإنتاجية و الخدمية و هي بذلك تختلف عن الصكوك الإسلامية (التكييف الشرعي لها) و التي هي عبارة عن أدوات ملكية في أصول قائمة تصدر وفقاً لقواعد و أحكام فقه المعاملات الإسلامية (و قد بينا تلك القواعد و الأحكام في الحلقات السابقة) و بينا أيضا مخالفة الصكوك التي تصدرها حكومة السودان لبعض أهم هذه الأحكام.
هذه المخالفات الشرعية لهذه التجربة الشائهة في تكييف آلية السندات الحكومية تكييفا شرعيا يتماشي مع مقاصد فقه المعاملات الإسلامية و يلتقي مع مصالح الناس و ينعكس إيجابا علي حياتهم اليومية) قد خلق عدة مفارقات جوهرية فرضت كثير من الأعباء علي الناس و علي الإقتصاد القومي ككل من أهمها:
المفارقة الأولي: من المعروف أن السندات كما بينا في الحلقة الثالثة تمنح فائدة معلومة و محددة سلفا للمستثمر، حسب نوع السندات نفسها من حيث مدتها و قيمتها الإسمية و تصنيفها الإئتماني و درجة مخاطرها، تتراوح ما بين 2.5% إلي 7% (و يمكن أن تزيد عن ذلك في كثير من الأحيان بل أنها في بعض أنواع السندات تمنح عوائد شهرية لحملتها) و لا يتحمل المستثمر أي مصروفات أو عمولات إضافية في سبيل الإكتتاب فيها فيما عدا رسوم إكتتاب عادية لا تتعدي ال 3 دولار (علي أقصي تقدير) تدفع مرة واحدة فضلا عن أن مخاطرها منخفضة و مقبولة لأنها مضمونة من الحكومة و عادة ما يتم إصدارها في فترات متباعدة و لآجال طويلة. و هذا هو الوضع الطبيعي حيث أن الممول (المستثمر في هذه الحالة) هو الذي يحصل علي سعر الفائدة أو الربح و ليس الحكومة (أي طالب التمويل). إلا أنه في حالة الصكوك الإسلامية (البديل الشرعي لهذه السندات) يحدث العكس تماما حيث أن المستثمرون هذه المرة هم الذين يدفعون ربحاً أو عمولةً للحكومة تتراوح ما بين 5% إلي 8% ففي صكوك الإستثمار الحكومية "صرح" (و هي صكوك مضاربة) يتم توزيع الأرباح علي أساس 92% للمستثمر و 8% للمضارب (الحكومة)، أما في شهادات إجارة بنك السودان "شهاب" (و هي صكوك إجارة تدار من خلال وسيط أو وكيل أيضاً هو شركة السودان للخدمات المالية (الحكومة) بموجب عقد وكالة غير مكتوب) يوزع فيه العائد من الإجارة على أساس 95% لحملة الصكوك (المؤجرين) و 5% للشركة كوكيل و هذا وضع مختل غير طبيعي فالممول (المستثمر في هذه الحالة) هو الذي يمنح الربح أو سعر الفائدة للجهة طالبة التمويل (الحكومة) فسعر الفائدة (أو الربح في حالة الصيرفة الإسلامية) يمثل العائد الذي يتوقعه المستثمر علي رأس المال الذي إستثمره. و حتي إذا كان ذلك جائزا من الناحية الشرعية وفق آليات تمويل إسلامية معينة، كالمضاربة مثلا، إلا أنه يجب أن يكون محصورا في عمليات الإئتمان التي تقدمها البنوك التجارية و البنوك المتخصصة لعملائها من القطاعات المختلفة. أما تطبيق ذلك علي الأوراق المالية التي تصدرها الحكومة عن طريق البنك المركزي فهذا أمر له عواقبه الكارثية علي الإقتصاد الوطني حيث تتحول الحكومة ممثلة في وزارة المالية و البنك المركزي لمضاربين و تجار لا يختلفون عن أي تاجر آخر في السوق و بالتالي يتحول البنك المركزي لصانع كبير للسوق و هذا يتعارض مع طبيعة دوره و أهدافه فعندما يصبح البنك المركزي جزءاً من السوق (و هو الجهة الرقابية العليا المنوط بها الإشراف و الرقابة علي سوق النقد برمته) فمن الذي يشرف و يراقب إذاً علي الجهاز المصرفي و المالي و علي البنك المركزي نفسه في هذه الحالة؟؟؟ فالبنك المركزي هو مؤسسة تشغل مكانا رئيسيا في النظام المصرفي، و ليس من بين سياساته أو أهدافه تحقيق الأرباح بل خدمة المصالح الاقتصادية والنقدية العامة لذلك يجب أن يكون مستقلا عن السلطات الحكومية التنفيذية لضمان إستقلالية إدارته للسياسة النقدية و إستقلالية القطاع المصرفي و المالي برمته. وترتبط إستقلالية البنك المركزي بطبيعة أهداف السياسة النقدية و إستقلاليتها عن السياسة المالية إلا فيما يتعلق فقط بالمساهمة في تحقيق أحد أهم أهدافها و هو التشغيل الكامل للموارد البشرية و ذلك بزيادة عرض النقود في حالة البطالة و الكساد لتزيد من الطلب الكلي فيزداد الإستثمار والتشغيل في الإقتصاد القومي و تنخفض بالتالي نسبة البطالة. و يتمثل الهدف من سعي الحكومة للسيطرة علي البنك المركزي في حاجتها لتوجيه السياسة النقدية بما يخدم سياستها المالية والاقتصادية، بصفة عامة، و دائما ما تصل السيطرة حد فرض تطبيق بعض السياسات النقدية التي تخدم الموازنة العامة عن طريق رفع نسبة التضخم بوسائل مختلفة (كالإصدار النقدي بدون مقابل). و لا يختلف إثنان حول تبعية البنك المركزي في السودان للحكومة و السلطة الحاكمة بالذات خلال فترة صابر محمد الحسن التي تجاوزت ال ستة عشر عاما قضاها محافظاً للبنك المركزي و هي أطول فترة قضاها أيٌ من الثلاثة عشر شخصية التي شغلت المنصب خلال الخمسة عقود الماضية. و من المعروف أن طول مدة تعيين المحافظ و مدى قابليتها للتجديد تعتبر من أهم مؤشرات قياس درجة استقلالية البنك المركزي في أي بلد من البلدان إضافة إلي مؤشرات أخري من بينها (الجهة التي تقوم بتعيين المحافظ، و مدى مساهمة البنك المركزي في إعداد الموازنة العامة) حيث تقتضي معايير الرقابة و الحوكمة أهمية الفصل بين الأشخاص الذين يديرون السياسة النقدية و الأشخاص الذين يساهمون في إعداد الموازنة العامة و التصرف في أوجه إنفاقها. و تعتبر البلدان التي تطول فيها فترة تعيين محافظ البنك المركزي هي الأكثر عرضة للفقاعات و إنتشار الفساد المالي و ما يحدث في السودان خير دليل علي ذلك. و ما حدث في أمريكا التي شغل فيها "آلان جرينسبان" منصب رئيس مجلس الإحتياط الفيدرالي لأكثر من 22 عاما خلال الفترة (1987-2009م) و التي تعاقب فيها علي رئاسة أمريكا أربعة رؤساء (ريجان، بوش الأب، كلينتون، و بوش الابن) و شهد خلالها العالم إنفجار ستة أزمات مالية عالمية كانت سياسات مجلس الإحتياط الفدرالي قاسما مشتركا فيها هي (أزمة الإثنين الأسود 1987، أزمة المكسيك 1994، أزمة النمور الأسيوية 1997، أزمة الأرجنتين 1998، أزمة شركات الإنترنت أو الدوت كوم 2000، الأزمة المالية العالمية الراهنة 2008م و التي لا يزال الإقتصاد الأمريكي و العالمي يعاني منها حتي الآن و يجد صعوبة بالغة في الفكاك منها).
و بالتالي يمكننا القول بأن التكييف الشرعي للسندات وفقا لتجربة السودان قد فشل فشلاً جليا في إستصحاب أي ميزة نسبية تجعله متفوقا علي السندات من حيث قيمة و آلية تكلفة الأموال (سعر الفائدة أو نسبة الأرباح) أو علي الأقل أن يكون مساويا لها و في نفس الوقت يظل متفقا مع مقاصد فقه المعاملات الإسلامية و يلبي مصالح الناس. و علي العكس تماماً قد فرضت أعباءً إضافية لا طائل لها أثقلت كاهل صغار المستثمرين بمزيد من العمولات و الرسوم التي تشكل عبئاً ثقيلا علي مدخراتهم (تحويشة عمرهم) الصغيرة التي لن تتحمل الصدمات و لن تستطيع الصمود أمام التقلبات السلبية التي يمكن أن تحدث نتيجة لهذه السياسات الخاطئة. و إذا كان هذا الأمر يعتبر تحديا للصيرفة الإسلامية فيمكن الجزم بأنها قد فشلت فشلا بيناً في هذا التحدي حتي الآن علي الأقل.
المفارقة الثانية: علي الرغم من أن المعيار الشرعي رقم (17) الخاص بصكوك الإستثمار الصادر عن هيئة المحاسبة و المراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية لا يلزم مُصدِر الصكوك الإسلامية بتأسيس شركة مستقلة لتقوم بدور الوكيل عنه في إصدار السندات و تسويقها و إدارتها و أنه إكتفي فقط بالنص عليها كخيار غير ملزم (راجع: هيئة المحاسبة و المراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية – المعايير الشرعية 1428ه – 2007م – المعيار رقم (17) – صكوك الإستثمار – صفحات (285 إلي 304). إلا أن التكييف الشرعي للسندات في السودان قد جاء مكلفاً و مستصحباً معه (بالضرورة) أعباءً لا تطاق علي مستوي المستثمرين و علي مستوي الإقتصاد القومي ككل خاصة مع تركيز الدولة و توسعها في عمليات السوق المفتوحة (Open Market Operations) كمنهج رئيسي لإدارة السيولة على مستوي الإقتصاد الكلي و التي تعني قيام البنك المركزي بشراء وبيع الصكوك الحكومية للبنوك و المؤسسات و الأفراد بهدف التأثير على حجم الكتلة النقدية المتداولة كما هو معلن في موقع شركة السودان للخدمات المالية، أي أن البنك المركزي في عمليات السوق المفتوحة يقوم بعرض أوراق مالية حكومية (الصكوك) لبيعها للمصارف والمؤسسات المالية و الأفراد عندما تكون هنالك حاجة لسحب نقود لتقليل المعروض منها و يعرف ذلك بالسياسة الانكماشية الهادفة للحد من الإتجاهات التضخمية (راجع: موقع البنك المركزي-أدوات السوق المفتوحة). ويحدث العكس عندما تبرز الحاجة لضخ نقود حيث يقوم البنك المركزي بشراء الأوراق المالية (الصكوك) من المصارف والمؤسسات المالية و الأفراد و يعرف ذلك بالسياسة التوسعية الهادفة لزيادة المعروض من النقود في حالة الكساد بهدف زيادة حجم الطلب الكلي لإنعاش الإقتصاد. و تتجلي تلك التكلفة الباهظة لهذا التكييف الشرعي في عملية تأسيس (ليس فقط شركة مستقلة واحدة لإصدار و إدارة هذه الصكوك) و إنما شبكة سرطانية ممتدة من المؤسسات الإقتصادية الطفيلية غير المنتجة (التي لا داعي لها) ممثلة في:
1- شركة السودان للخدمات المالية: و هي شركة كما أسلفنا ذات مسئولية محدودة بين بنك السودان بنسبة 99% و وزارة المالية بنسبة 1% تم تأسيسها بهدف إصدار و إدارة و تسويق صكوك الإستثمار الحكومية المختلفة نيابة عن بنك السودان و هو دور من المفترض أن يقوم به البنك المركزي مباشرة بدون وسيط كما كان يحدث في السابق قبل عام 1990م بالنسبة للسندات خاصةً و لا يوجد في أي معيار شرعي أو فتوي صادرة عن أي مجمع فقهي ما يلزم البنوك المركزية بتأسيس شركات تتولي إصدار الصكوك الإسلامية نيابة عنها برغم أنه لم يحرٍم ذلك. كما أن إصدارها و إدارتها و تسويقها سيوفر علي الدولة و الشعب الأموال التي تم صرفها في تأسيس هذه الشركة و يتم صرفها حاليا في تشغيلها و هي محاطة بقدر كبير من الغموض و السرية و لا يعلم أحداً من جمهور المستثمرين شيئا عن وضعها المالي و عن عدد العاملين بها و عن مستوي الرواتب و المخصصات المالية و غير المالية للعاملين بها و عن عدم وجود أية معلومات عن مجلس إدارتها و إجتماعاته الدورية و الطارئة و كيف يتخذ قراراته و عن بياناتها المالية و حساباتها الختامية و تقاريرها السنوية علي الرغم من أنها تعمل برأس مال ضخم بلغ 15 مليون دينار تم تخصيصه من إيرادات الموازنة العامة من الضرائب و الزكاة و من إيرادات القطاعات الإنتاجية الأخري علي شحها (و التي يغني واقع حالها عن السؤال) (راجع: وزارة المالية و الإقتصاد الوطني – الإستثمار و التنمية - نسبة مساهمة الحكومة في رأس مال شركات القطاع المشترك خلال العام 2004م – جدول رقم "7-3"). و أنها تتعامل بمبالغ ضخمة تتجاوز ال 700 مليون جنيه (راجع: تصريح أزهري الطيب الفكي المدير العام لشركة السودان للخدمات المالية لجريدة الصحافة العدد 6394 بتاريخ 6 مايو 2011م) و أن هذه الأموال الضخمة التي تتعامل بها و تقوم بتجميعها من داخل السودان و خارجه هي مدخرات و إستثمارات تخص المواطنين و بعض البنوك و المؤسسات المالية و غير المالية الأمر الذي يتطلب أن تخضع لرقابة صارمة و دورية لا تقل عن أربع مرات في السنة من قبل المراجع العام و من قبل مدقق حسابات مستقل و أن تنشر بياناتها المالية في الصحف اليومية أربعة مرات في السنة و أن يتم نشر بياناتها المالية الشهرية في موقعها علي الإنترنت و علي موقع بنك السودان و وزارة المالية و موقع سوق الخرطوم للأوراق المالية و أن تخضع عملية تعيين مديريها و موظفيها لدرجة عالية من الشفافية و وفقا للمعايير المتعارف عليها.
2- شركات الوساطة: و هي الشركات المحيطة بسوق الخرطوم للأوراق المالية و المعتمدة من قبله و التي لا يتم تداول الأوراق المالية إلا بواسطتها و قد وصل عددها حتي اليوم 37 شركة تعيش فقط علي الإستقطاع من مدخرات الناس و في نفس الوقت لا تقدم شيئا ملموسا للإقتصاد و بدلا عن ذلك تبث في الناس روح المضاربة و تلهب فيهم حمي الرغبة في الثراء و الربح السريع. فهي تقوم فقط بتنفيذ طلبات عملائها بالشراء و البيع مقابل عمولة في حالة الشراء و عمولة أخري في حالة البيع بالإضافة لرسوم الدمغة. و في نفس الوقت تقوم بتسويق شهادات الإستثمار بالوكالة عن شركة السودان للخدمات المالية كما هو معلن في موقعها علي الإنترنت و في هذا مخالفة كبيرة لمبادئ الحوكمة و الشفافية و للمعايير المتعارف عليها في نشاط شركات الوساطة عموما. فلا يجوز أن تمارس شركات الوساطة أي نوع من أنواع الإصدار سواءً كان ذلك أصالة عن نفسها أو نيابة عن جهة أخري فالشركة التي تقوم بتسويق أي من الأوراق المالية القابلة للتداول في سوق الأوراق المالية لا يجوز لها أن تلعب دور الوسيط في عملية تداول هذه الأوراق المالية حتي لا تؤثر علي سعرها و حجم تداولها و تتحول أو تكون قابلة للتحول لشركة صانعة للسوق، أو مطية و ذراع لكبار المضاربين و المتنفذين من صناع السوق الذين يعملون خلف هذا الستار المقنن الممتد.
كما يلاحظ في قائمة شركات الوساطة المعتمدة المنشورة علي موقع بنك السودان أن هنالك 11 شركة مملوكة بالكامل أو تشارك فيها بعض البنوك المحلية و الأجنبية منها بنك الإستثمار المالي و هو يعمل أصالة عن نفسه كوسيط بنسبة 100%، الإماراتية للمعاملات المالية التابعة لبنك الخرطوم بنسبة 100%، الشركة القومية للمعاملات المالية المحدودة المملوكة لبنك الخرطوم بنسبة 99.99%، المال المتحد للأوراق المالية المملوكة لبنك المال المتحد، التضامن للخدمات المالية المملوكة لبنك التضامن بنسبة 99%، البركة للخدمات المالية المملوكة لبنك البركة بنسبة 99%، الفرنسي للخدمات المالية المملوكة للبنك الفرنسي بنسبة 99%، التكامل للخدمات المالية المحدودة المملوكة للبنك السوداني المصري بنسبة 99%، الفيصل للمعاملات المالية التي يشارك فيها بنك فيصل الإسلامي بنسبة 60%، النيل والمشرق للخدمات المالية التي يشارك فيها بنك المشرق بنسبة 60%، المؤشر للإستثمار المالي المحدودة التي يشارك فيها بنك المزارع التجاري بنسبة 40%. و هذا وضع مختل يتعارض أيضا مع مبادئ و معايير الحوكمة و يجعل العملية كلها معقدة و شائكة و مختلطة و أقرب للفوضي و يضع الجهاز المصرفي برمته علي حافة الإنهيار و يحوله لمجرد نظام خادم و مروج للإقتصاد الطفيلي غير المنتج:
فالبنوك تقوم بتوظيف ودائع الناس و مدخراتهم طرفها في تمويل شراء الصكوك لعملائها من كبار التجار المتنفذين بضمان الصكوك نفسها و التي للأسف الشديد يصنفها البنك المركزي ضمن الضمانات الممتازة و يلزم البنوك بقبولها كضمان. و بالتالي تكون البنوك معرضة لمخاطر تقلبات أسعار هذه الصكوك في سوق الأوراق المالية و الجهة التي تتحمل هذه المخاطر في نهاية الأمر هم أصحاب الودائع طرف هذه البنوك.
و في نفس الوقت تقوم البنوك أيضا بشراء هذه الصكوك و الإحتفاظ بها لصالحها ضمن سقف الإستثمارات المصرح به من قبل البنك المركزي و الذي يجب ألا تزيد نسبته عن 25% من محفظة التمويل القائم (راجع: موقع بنك السودان – سياسة بنك السودان المركزي لسنة 2011 - (أولا) السياسة النقدية – (أ) إدارة السيولة – بند (2) السيولة الداخلية). و قد تم زيادتها إلي 30% بموجب منشور البنك المركزي رقم (6/2011) بتاريخ 11 أبريل 2011. بل و يمنحها البنك المركزي حوافز و إمتيازات من ضمنها زيادة نسبة الإحتفاظ بالأوراق المالية كنسبة من محفظة التمويل القائم، إعطاء أسعار تشجيعية عند الدخول في عمليات السوق المفتوحة ( بيعاً و شراءاً) إذا دعمت أولويات البنك المركزي بالذات المشاركة الفاعلة في دعم سياسة السوق المفتوحة. ((راجع: موقع بنك السودان – منشور رقم (1/2011) - الحوافز التي يقدمها البنك المركزي للبنوك التي تتجاوب مع أولوياته - (ثانيا) محور تسهيل الإجراءات – بند (1) و بند (2)). و بالتالي تكون قد ضاعفت المخاطر بعلم البنك المركزي و تشجيعه و بموجب تعليمات صادرة عنه. ففي المرة الأولي هي معرضة لمخاطر عدم السداد من العملاء الذين مولتهم لشراء الصكوك، و في المرة الثانية تتحمل مخاطر تقلبات أسعار الصكوك التي تحتفظ بها و التي تحرص علي زيادة نسبة إستثماراتها فيها للتمتع بحوافز البنك المركزي التشجيعية. و من الملاحظ أيضا أن التعميم الخاص بزيادة النسبة الإشرافية الخاصة بالحد الأقصي لسقف الإستثمارات من 25% إلي 30% و الصادر بتاريخ 11/4/2011م و كذلك التعميم الخاص بالحوافز التي يقدمها البنك المركزي للبنوك التي تتجاوب مع أولوياته و بالذات المتاجرة في الصكوك قد جاءت متزامنة مع تصريحات الطيب الفكي المدير العام لشركة السودان للخدمات المالية (المشار إليها سابقا) و التي كشف فيها عن فشل الشركة في تسويق الإصدار السابق من الصكوك في فبراير 2011. و أنهم باعوا فقط 47% من إصدار جديد بقيمة 765 مليون جنيه في مايو السابق (راجع: تصريح أزهري الطيب الفكي المدير العام لشركة السودان للخدمات المالية لجريدة الصحافة العدد 6394 بتاريخ 6 مايو 2011م) الأمر الذي يكشف أن التعميمان المشار إليهما أعلاه قد تم إصدارهما من قبل البنك المركزي علي خلفية العثرات التي واجهتها الحكومة في تسويق الصكوك المصدرة في فبراير و تواجهه حاليا في تسويق الصكوك المصدرة في مايو 2011 (و الذي كان مخططا سلفا) حتي تجبر البنوك علي شرائها من ناحية و علي خلفية تزايد العجز في الموازنة العامة نتيجة للصرف البذخي علي الأمن و الحرب و علي أجهزة الدولة المترهلة و تدني مساهمة القطاعات الإنتاجية الرئيسية في الناتج المحلي الإجمالي من ناحية أخري.
السماح للبنوك بإمتلاك شركات وساطة أو المشاركة فيها لا يتماشي مع معايير الحوكمة و الشفافية و يؤدي إلي مضاعفة المخاطر فكل بنك سيكون حريصا علي نجاح شركة الوساطة خاصته أو التي يمتلك حصة فيها و بالتالي سيزيد من نشاطه الإئتماني و الإستثماري في الصكوك لتنشيط حركة التداول فيها بهدف دعم نشاط شركة الوساطة التي يملكها أو يشارك فيها الأمر الذي يعرض البنك لمخاطر التركزات الإئتمانية و الإستثمارية علي هذه الصكوك و التي ستكون لها نتائج كارثية عليه في حالة إنفجار فقاعة هذه الصكوك للدرجة التي يمكن أن تؤدي به و ببعض البنوك للإفلاس. و من شأنه أيضا أن يزيد من عدد صناع السوق فكلما كان البنك مسموحا له بالجمع بين نشاط تمويل الصكوك و نشاط الإستثمار لصالحه فيها و في نفس الوقت ممارسة نشاط الوساطة في تداولها كلما كان مرشحا ليصبح صانعا للسوق. و من المعروف أنه كلما ظهر صناع السوق في أي بورصة من البورصات كلما أدي ذلك إلي إنعدام الشفافية و ظهور مراكز القوة و السيطرة التي يمكنها التأثير علي الأسعار و علي حجم التداول لذلك نجد أن كثير من بلدان العالم تحظر صناعة السوق و تنزل بمن تثبت عليه ممارستها عقوبات و جزاءات صارمة.
كما أن هذه السياسة التي يتبعها بنك السودان بتشجيع البنوك للمساهمة الفاعلة في دعم سياسة السوق المفتوحة و مضاعفة حجم تعرضاتها (exposures) الإئتمانية و الإستثمارية في هذه الصكوك يقلل من مقدرة البنوك علي تمويل القطاعات الإنتاجية و هذا هو ما حدث بالفعل طوال العقدين السابقين حيث عانت و لا زالت تعاني قطاعات الزراعة، الصناعة، الثروة الحيوانية، التعدين، البناء و التشييد من مشاكل التمويل. و لم يقتصر ذلك علي البنوك المحلية فقط بل أنه شمل البنوك الأجنبية أيضا و التي سمح لها البنك المركزي بالإمتلاك 100% أو المشاركة بنسبة تصل إلي 99% في شركات الوساطة. و بدلا من توظيف موارد هذه البنوك الأجنبية (و التي هي عبارة عن إستثمار أجنبي بالكامل أو بحصص مشاركة أجنبية كبيرة تتجاوز ال 50%) في تمويل قطاعات الإنتاج و التنمية و البنية التحتية و الصحة و الغذاء و التعليم و غيرها من القطاعات الحيوية المرتبطة مباشرة بحياة الناس، مهد لها بنك السودان و شجعها و دفعها بموجب سياسات و تعليمات صادرة عنه للمضاربة في هذا النشاط الطفيلي غير المنتج. و هو بذلك يساعد البنوك الأجنبية في توظيف ودائع و مدخرات الناس في هذه الأنشطة الطفيلية التي لا تسمن أو تغني عن جوع و مضاعفة أرباحه و تحويل مخاطر كل هذه الفوضي لأصحاب الودائع و المدخرات و الإستفادة في نفس الوقت من بعض الحوافز التي تساعدهم علي تحويل هذه الأرباح للخارج و يقدمها لهم البنك المركزي و التي تتمثل في زيادة الحصة من النقد الأجنبي عند الشراء من البنك المركزي، و رفع النسبة المخصصة من حصيلة مبيعات النقد الأجنبي من الحسابات الخاصة ((راجع: موقع بنك السودان – منشور رقم (1/2011) - الحوافز التي يقدمها البنك المركزي للبنوك التي تتجاوب مع أولوياته - (أولا) محور زيادة الموارد – بند (5) و بند (6)).
نواصل في الحلقة القادمة الحديث عن أهم كيان في هذه الشبكة السرطانية المتضخمة (التي تمثل كل ما إستطاعت أن تقدمه تجربة السودان في الصيرفة الإسلامية حتي الآن و التي ستقود حتما إذا ما إستمرت الأحوال علي ما هي عليه لتدمير القطاع المصرفي و المالي برمته) و هي سوق الخرطوم للأوراق المالية و التي تمثل البؤرة الرئيسية في هذه الشبكة فتابعونا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.