القوات المسلحة تنفي علاقة منسوبيها بفيديو التمثيل بجثمان أحد القتلى    لماذا دائماً نصعد الطائرة من الجهة اليسرى؟    مصر تدين العملية العسكرية في رفح وتعتبرها تهديدا خطيرا    إيلون ماسك: لا نبغي تعليم الذكاء الاصطناعي الكذب    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    دبابيس ودالشريف    نحن قبيل شن قلنا ماقلنا الطير بياكلنا!!؟؟    شاهد بالفيديو.. الفنانة نانسي عجاج تشعل حفل غنائي حاشد بالإمارات حضره جمهور غفير من السودانيين    شاهد بالفيديو.. سوداني يفاجئ زوجته في يوم عيد ميلادها بهدية "رومانسية" داخل محل سوداني بالقاهرة وساخرون: (تاني ما نسمع زول يقول أب جيقة ما رومانسي)    شاهد بالصور.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبهر متابعيها بإطلالة ساحرة و"اللوايشة" يتغزلون: (ملكة جمال الكوكب)    شاهد بالصورة والفيديو.. تفاعلت مع أغنيات أميرة الطرب.. حسناء سودانية تخطف الأضواء خلال حفل الفنانة نانسي عجاج بالإمارات والجمهور يتغزل: (انتي نازحة من السودان ولا جاية من الجنة)    البرهان يشارك في القمة العربية العادية التي تستضيفها البحرين    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    الخارجية السودانية ترفض ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية    الدعم السريع يقتل 4 مواطنين في حوادث متفرقة بالحصاحيصا    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    قرار من "فيفا" يُشعل نهائي الأهلي والترجي| مفاجأة تحدث لأول مرة.. تفاصيل    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    الأحمر يتدرب بجدية وابراهومة يركز على التهديف    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    ردًا على "تهديدات" غربية لموسكو.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية    لحظة فارقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شركات توزيع المحروقات تضغط علي الحكومة لزيادة أسعار المحروقات.. فشل سياسة السوق المفتوحة يفضح و يكشف فشل سياسات عبد الرحيم حمدي.. وزير العدل يمارس ضغطاً مبطناً علي ضحايا سوق المواسير.
نشر في الراكوبة يوم 11 - 06 - 2011

وزير العدل يمارس ضغطاً مبطناً علي ضحايا سوق المواسير بقبول تسويات مجحفة
معدل التضخم في ولاية جنوب كردفان لوحدها يصل إلي 31.9%
شركات توزيع المحروقات يضغطون علي الحكومة لزيادة أسعار المحروقات
كبار الشركاء في هذه الشركات من بينهم مسئولين كبار علي قمة السلطة.
شركة سكر كنانة علي سبيل أصبحت دولة داخل دولة.
فشل سياسة السوق المفتوحة يفضح و يكشف فشل سياسات عبد الرحيم حمدي
فقاعة صكوك الإستثمار الحكومية، شهامة، شمم، صرح، شهاب و ما نحوها ،،، الحلقة (8)
الهادي هباني
[email protected]
أحد أهم خلية من خلايا شبكة السوق المفتوحة السرطانية المتضخمة التي بدأنا الحديث عنها في الحلقة السابقة بجانب شركة السودان للخدمات المالية ممثلة للحكومة (بنك السودان و وزارة المالية)، و شركات الوساطة التي تضخم عددها إلي 37 شركة هي سوق الخرطوم للأوراق المالية نفسها.
فسياسة التحكم في السيولة عبر عمليات السوق المفتوحة تتطلب بالضرورة وجود سوق للأوراق المالية يتم من خلالها تداول هذه الصكوك و هو الأمر الذي يجيزه فقه المعاملات الإسلامية و تشجع عليه الكثير من المجامع الفقهية و الهيئات الشرعية العاملة في العديد من المصارف و المؤسسات المالية و لكن وفقاً لضوابط شرعية منصوص عليها في المعيار الشرعي رقم (21) الخاص بالأوراق المالية الصادر عن هيئة المحاسبة و المراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية و التي لا تنطبق علي حالة سوق الخرطوم للأوراق المالية (راجع: هيئة المحاسبة و المراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية – المعايير الشرعية 1428ه – 2007م – المعيار رقم (21) – الأوراق المالية (الأسهم و السندات) – صفحات (351 إلي 368). فبدون وجود آلية تضمن لحملة الصكوك الإسلامية أو السندات التي تصدرها البنوك المركزية إمكانية تداول و تسييل هذه الصكوك لسد احتياجاتهم من السيولة متي ما شاءوا فلن يقدموا علي الإكتتاب في هذه الصكوك أو السندات و بالتالي ستفشل سياسة السوق المفتوحة.
كما تتعارض فكرة السوق الثانوي للأوراق المالية مع مفهوم سوق المال كسوق دوره الرئيسي الحصول على الأموال من الوحدات ذات الفائض (Surplus units) و توفيرها للوحدات ذات العجز (Deficit units) و التي تنقسم بدورها إلى سوق رأس المال قصير الأجل و يطلق عليها "سوق النقد" و تتمثل في البنوك التجارية، و سوق رأس المال طويلة الأجل و تتمثل في السوق الأولية أو سوق إصدارات الأسهم و السندات (و الصكوك). فالسوق الثانوي للأسهم و الصكوك و السندات و التى يطلق عليها عرفا بالبورصة أو سوق الأوراق المالية هي سوق ثانوية قصيرة الأجل يتم فيها السماح بتداول الأسهم و الصكوك و السندات التى تم إصدارها في السوق الأولية و التى لا تذهب فيها قيم التبادل اليومية للجهة الأولية المصدرة للأسهم أو الصكوك و السندات و إنما لمالكيها بهدف توفير السيولة لمالكي هذه الأوراق متى ما احتاجوا لها و حجة مدرسة الاقتصاد الحر هنا هي أن المستثمرين لن يقدموا على الاكتتاب في أسهم أو صكوك أو سندات لا يتاح تداولها و تحويلها إلى نقد سائل في المدى القصير كما أسلفنا (راجع: (Frank K. Reilly & Keith C. Brown – Organization and Functioning of Securities Markets – CFA Institute – Equity and Fixed Income level “1" 2007 – Page 12)- ) فالفكرة في الأصل قائمة علي ترسيخ روح المضاربة علي المدي القصير و الربح السريع كبديل للإستثمار المباشر طويل الأجل الذي هو في حقيقة الأمر عصب الاقتصاد و الذي يسهم في تنمية الدخل القومي و الناتج المحلى الإجمالي بشكل فعال و مباشر بينما في السوق الثانوية يتم تبادل أموال ضخمة لا تستفيد منها الشركات و الاستثمارات التى يتم تبادل أسهمها أو الحكومات التي يتم تداول الصكوك و السندات التي تصدرها و التى هي في الأصل قائمة على هامشها. فهذه الأموال في حد ذاتها (كنتاج مباشر للمضاربات اليومية في الأسهم و الصكوك و السندات) تظل دائما خارج نطاق دورة تدفق الدخل القومي (Income Flow Cycle) و تعتبر سحباً منها (Withdraw) أي خارج نطاق الإقتصاد الحقيقي و ليس لديها قاعدة أو أصول مادية تستند عليها و في السودان يتم تبديد مواردها النقدية بالكامل في الصرف علي الأمن و الحرب و بذخ أجهزة الدولة و أجهزة السوق المفتوحة و العاملين فيها. إنها فقط مجرد صكوك و أوراق مالية مغطاة بأصول وهمية بعيدة المنال و ليس لدي حامليها يد عليها و كل ما بحوزتهم مجرد أوراق لا تساوي في نهاية الأمر ثمن الحبر الذي كتبت به.
فهي إذن (أي سوق الخرطوم للأوراق المالية) فقاعة كبري في حد ذاتها و من السهولة أن تكون مكانا خصبا لتوالد المزيد من الفقاعات و يوما ما سيكتشف المستثمرين في الصكوك التي يتم تداولها فيها أنها فقط مجرد صكوك غير قابلة للتحصيل (تماما كما حدث لحملة الشيكات الآجلة و إيصالات الأمانة في سوق المواسير بالفاشر فقد تبددت مدخراتهم في واحدة من أبرز الفقاعات في بلادنا هكذا بكل بساطة و أصبح أمر إستردادها معلقاً في كف القدر خاصة بعد تصريح وزير العدل أمام البرلمان الذي قال فيه ما نصه (أنه سيتوجه لدارفور خلال الأيام المقبلة للوقوف على الأمر بنفسه وللانطلاق لمرحلة المعالجات التي قال أنها إما أن تكون عبر المحاكم التي تمتد لسنيين أو بمعالجات أخرى قانونية مع الأطراف) و هو بذلك يمارس ضغطاً مبطناً علي ضحايا هذه الفقاعة و لا يضع أمامهم غير خيار واحد هو قبول التسويات و المعالجات الأخري مع الأطراف التي أشار إليها في حديثه و التي هي في الغالب ستكون عبارة عن تسويات يتم فيها سداد جزء من مستحقاتهم مقابل تنازلهم عن المتبقي منها. و سيكون جزاء من يرفض التسوية الإنتظار لسنوات طويلة يين دهاليز المحاكم و روتينها القاتل (راجع: الصحافة العدد 6427 بتاريخ 8/06/2011م). و لن يختلف مصير حملة الصكوك الحكومية كثيرا عن مصير ضحايا سوق المواسير و سينتهي بهم الأمر لتسويات مجحفة غير عادلة و غير مرضية بعد سنوات طويلة بين دهاليز وزارة العدل. و ستصبح قصتهم في نهاية الأمر (و بالذات صغار المستثمرين) أشبه بما جاء في منظورات آلان وودز عن الإقتصاد الأمريكي عند إنفجار فقاعة سندات الرهن العقاري بأن (الاقتصاد الأمريكي كان يتحدى قانون الجاذبية مثل شخصية الرسوم المتحركة رود رانر (Roadrunner) الذي يتجاوز حافة الجرف ويواصل الجري في الهواء ثم ينظر تحت قدميه ويحك رأسه وبعد ذلك يسقط في الهاوية عندما يدرك أنه لا يوجد أي شيء تحت قدميه. إنها نفس حالة حاملي صكوك و شهادات الإستثمار الحكومية التي تصدرها حكومة السودان الآن. لا يوجد أي شيء حقيقي تحت أقدامهم، مجرد صكوك وهمية للديون المعدومة.
إنتهاج بنك السودان لسياسة السوق المفتوحة و التركيز عليها كآلية وحيدة للتحكم في عرض النقد دون سواها من الآليات الأخري المجربة عبر تجارب ممتدة لسنوات طويلة في السودان و في كل بلدان العالم (مثل آلية الإحتياطي الإلزامي و آلية سعر الخصم و التي أصبحت من الآليات المهملة التي لا يركز عليها بنك السودان و لا يوليها إهتماماً كبيراً)، و في ظل سياسة السوق المفتوحة و وجود سوق الأوراق المالية و الشبكة السرطانية المتضخمة المحيطة بها تمخضت عنه كثير من النتائج السلبية الملموسة و المعاشة علي القطاع المصرفي و علي الإقتصاد ككل نذكر منها علي سبيل المثال و ليس الحصر ما يلي:
وجود سوق الخرطوم للأوراق المالية كسوق ثانوية على هامش الإقتصاد الحقيقي يجعلها مستفيدة من متغيرات السوق الأولية و لكنها لا تقدم فائدة ملموسة لها، تماما كالكائن الطفيلي، فكلما كان هنالك إصداراً جديداً في السوق الأولية من هذه الصكوك كلما زادت الكتلة النقدية المتداولة في السوق و كلما استفاد بالتالي كبار المضاربون في هذه السوق و كلما إزدادت الشبكة المحيطة بها تضخما و كلما أفرزت الكثير من الكيانات التى تستفيد من السوق و هي تمارس نشاطاً هامشياً لا يضيف للاقتصاد الحقيقي شيئاً مثل شركات الوساطة و ترهل الإدارت المختلفة القائمة علي إدارة هذه السوق. ففي فقاعة الرهن العقاري في أمريكا على سبيل المثال استفادت السوق الثانوية من طرح سندات ديون الرهن العقاري للتداول في جميع أسواق و بورصات الأوراق المالية في العالم بكميات ضخمة و استفادت شركات الإستثمار و الوساطة لكن في المقابل انهار الاقتصاد الأمريكي و دخل في مرحلة الركود التام و إنعكست آثاره لكل بلدان العالم.
كما أن تضافر الرغبة في الكسب السريع مع حداثة التجربة و عدم توافر الخبرة و الدراية الكافية لقطاعات واسعة من العاملين و غير العاملين و المتعاملين و غير المتعاملين في هذه السوق الثانوية فضلا عن إنعدام أجهزة الرقابة عليها و إفتقار الأجهزة القائمة منها علي المعايير و الأسس التي تقوم عليها أصول الرقابة و الحوكمة لمثل هذه الأسواق جعلها معقلا للفساد و غسيل الأموال و صناع السوق و المتاجرة بالمعلومات و تضخيم الشركات الفاشلة و الصكوك الحكومية و عرضها بأسعار وهمية مبالغ فيها لا تتناسب مع قيمها العادلة، و هيمنة الأيدي الخفية التي تتحكم في الأسعار و في حجم التداول.
و إذا كانت هنالك ضرورة لوجود بورصة في بلادنا فيجب أن تكون مختصة بتداول المحاصيل و السلع و المنتجات وفق آليات و قوانين تستمد قوتها و روحها من موروث شعبنا و تجاربه في أسواق المحاصيل في القضارف، الأبيض، النهود، نيالا، برام و غيرها علي إمتداد بلادنا و التي راكمها من خلال عملية معقدة من التطور الإقتصادي الطبيعي عبر حقب و سنوات طويلة و بالتالي نضمن إرتباط البورصة بالإقتصاد السلعي الحقيقي المرتبط بالإنتاج الحقيقي و نضمن قدرتها و أهليتها لخلق مستوي رفيع من المنافسة المقننة بلوائح واضحة و مفهومة للكل و مقبولة قبولا عاما لأنها نابعة من تجارب الناس أنفسهم. و هذا من شأنه أن يشجع علي الإنتاج و يضمن وجود أسواق و منافذ واضحة و مقننة لقطاعات الزراعة، الصناعة، الثروة الحيوانية و غيرها من القطاعات المنتجة يتحدد فيها السعر العادل عبر قوانين و آليات واضحة تمنع الإحتكار و الهيمنة.
و المتتبع لتاريخ البورصات في العالم يجد أن أسواق الأوراق المالية أو الأسواق الثانوية التي تقوم علي هامش سوق الإصدارات الأولية هي المسئولة بشكل مباشر عن تفجر أشهر و أكبر الأزمات المالية التي ضربت العالم و ترتبت عنها آثاراً كارثية علي الإقتصاد العالمي ككل إبتداءاً من أزمة "الكساد الكبير عام 1929م، مروراً بأزمة الطاقة الأولي (1973/1974م)، أزمة يوم الإثنين الأسود في أكتوبر 1987م، أزمة النمور الأسيوية 1997م، أزمة "فقاعة شركات الإنترنت" (2000/2001م)، و إنتهاءاً بالأزمة المالية العالمية الراهنة التي لا زالت ممتدة منذ عام 2008م. في الوقت الذي لم تتعرض فيه بورصات السلع و المعادن لأي أزمات مماثلة لأنها بورصات مرتبطة إرتباط مباشر بالإقتصاد السلعي.
فشل سياسة السوق المفتوحة في تحقيق هدفها الرئيسي و هو التحكم في عرض النقد من أجل كبح جماح التضخم و إبقائه في مستويات مقبولة في حدود 12% في المتوسط كما هو محدد في سياسة بنك السودان المركزي النقدية و التمويلية للعام 2011م (راجع: موقع بنك السودان المركزي الإلكتروني – السياسة النقدية و التمويلية للعام 2011م). فها هو معدل التضخم بعد مرور أكثر من عشرة سنوات من بدء هذه السياسة يحقق إرتفاعا متواصلا و تقف الحكومة عاجزة تماما عن معالجته و بدلاً عن ذلك تعمل علي دفع إتجاهه التصاعدي و ذلك بعزمها علي زيادة أسعار المحروقات و السكر خلال الفترة القليلة القادمة (تحت مظلة رفع الدعم الحكومي) الأمر الذي سيؤدي حتما لزيادات مماثلة في كل السلع و الخدمات الأخري. فقد أعلن الجهاز المركزي للإحصاء إرتفاع معدل التضخم (المرتفع أصلا) في شهر مايو الماضي بنسبة 3% ليبلغ 16.8% و عزا ذلك لإرتفاع الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك من 159.5 في شهر أبريل إلي 162.2 في مايو مبيناً أن مجموعة الأغذية والمشروبات ارتفعت أسعارها بنسبة 4.2% مقارنة بشهر أبريل و أن المجموعات السلعية الأخري سجلت إرتفاعاً طفيفاً في مايو مقارنة بأبريل الماضي و أن التضخم في ولاية جنوب كردفان لوحدها ظل يسجل إرتفاع متواصل و غير مسبوق طوال الأربعة أشهر الماضية ليصل في نهاية شهر مايو الماضي إلي 31.9% و هو ما يعتبر وضعا كارثياً ستتمخض عنه حتما نتائج كارثية (راجع: الصحافة العدد 6427 بتاريخ 8/06/2011م - مرجع سبق ذكره).
كما تجدر الإشارة إلي أن التضخم الحادث في السودان، و الناتج بشكل رئيسي عن سياسات السوق المفتوحة و التوسع في إصدارات السندات و الصكوك و المعبر عن فشلها، يفضح و يكشف خواء و فشل أفكار عبد الرحيم حمدي المستمدة أصلا من أفكار مدرسة النقد أو مدرسة شيكاغو (التي يجمع غالبية الإقتصاديين في العالم اليوم أنها المسئولة بجدارة عن إنفجار الأزمة المالية العالمية عام 2008م و التي لا يزال العالم يعاني آثارها و تبعاتها و يجد صعوبة للفكاك منها) التي أعاد منظريها و علي رأسهم ملتون فردمان فرضيات النظرية الكمية للنقود و لكن بشكل (مغاير لمنطقها الكلاسيكي) لا يري وجود علاقة على المدى الطويل بين التضخّم والبطالة، و يري أن التضخّم في الأساس ظاهرة نقديّة بحتة ترجع إلى نمو النقود بكمية أكبر من نمو كمية الإنتاج، أي أن حالة التضخّم ترجع إلى زيادة متوسط نصيب وحدة الإنتاج من كمية النقود المتداولة و أنه (أي التضخم) يمكن التحكم فيه بآليات تدخل ضمن السياسة النقدية (التي عادة يكون مسئول عن وضعها و تنفيذها البنك المركزي و ليس ضمن السياسة المالية و التي عادة تكون مسئولة عنها وزارة المالية) و تأتي سياسة السوق المفتوحة من الأولويات التي يفضلها و يدعو لها منظري مدرسة النقد أو مدرسة عبد الرحيم حمدي.
فبدلا من أن تتحكم سياسة السوق المفتوحة أو سياسة حمدي في عرض النقد و تعالج التضخم أفرزت نوعا من أخطر و أكثر أنواع التضخم تعقيداً و هو التضخم الركودي (Stagflation) الذي تعيشه و تعاني منه بلادنا اليوم بشكل خطير من ركود تام، إنخفاض كبير في الطلب الفعال، تدهور في مستوى تشغيل الجهاز الإنتاجي، تزايد غير مسبوق في معدلات البطالة، و في نفس الوقت إرتفاع حاد و كبير في الأسعار و في معدلات التضخم نتيجة سيطرة و هيمنة عدد محدود من الشركات المتنفذة علي مفاصل الإقتصاد و إحتكارها علي حركة تداول و تجارة السلع الرئسية مثل السكر، البنزين، الجازولين، الغاز، القمح، دقيق الخبز، الذرة و تقف الدولة عاجزة أمامها تماماً لأنها ،أي الحكومة نفسها، ببساطة جزءاً أصيلا لا يتجزأ من منظومة هذه الشركات. فأصحاب شركات توزيع المحروقات (بنزين، جازولين، غاز) يضغطون علي الحكومة لزيادة أسعار المحروقات لأن كبار الشركاء في هذه الشركات هم أنفسهم أصحاب القرار في الدولة و من بينهم مسئولين كبار علي قمة السلطة. و لنفس الأسباب لن تستطيع الدولة مواجهة أصحاب المطاحن و كبار مستوردي القمح و الدقيق و وشركات المخابز الكبري. و شركة سكر كنانة لوحدها أصبحت دولة داخل دولة.
و التضخم الركودي هو النوع الوحيد من أنواع التضخم الذي تتحول فيه طبيعة العلاقة العكسية بين التضخم و البطالة (أي كلما زادت معدلات التضخم كلما إنخفضت معدلات البطالة) إلي علاقة طردية (أي كلما زادت معدلات التضخم كلما زادت معدلات البطالة) و هذا هو ما يحدث حالياً في السودان بكل بساطة و ستكون له حتما نتائج لا يحمد عقباها علي المدي القصير و المتوسط و الطويل.
و من أبز النتائج و الآثار السالبة لسياسة السوق المفتوحة و تشجيع سوق الأوراق المالية و دعمها و العمل علي توسيع نطاقها لتشمل شركات و مؤسسات حكومية يتم الإعداد حاليا لخصخصتها كانت من نصيب الجهاز المصرفي نفسه. فمن المعروف أن العلاقة بين سعر الإيداع في البنوك التجارية و مستوي رواج سوق الأوراق المالية علاقة عكسية فكلما إنخفض سعر الإيداع أو نسبة الأرباح التي توزعها البنوك للمودعين نظير ودائعهم لأجل كلما دفع بهم ذلك للإتجاه للبحث عن مجالات إستثمار أخري غالبا ما تكون أكثر مخاطرة و لكنها تحقق لهم عائدا أكبر و من أهم هذه المجالات سوق الأوراق المالية. و بالتالي كلما شهدت سوق الأوراق المالية رواجا كلما أعطت عوائداً مرتفعة خاصةً إذا وجدت دعما و تشجيعا من الدولة كما في حالة سوق الخرطوم للأوراق المالية و كلما أدي ذلك بالتالي لهروب الودائع لأجل من البنوك لسوق الأوراق المالية بهدف تحقيق عوائد أعلي من العوائد التي تمنحها لهم البنوك علي ودائعهم لأجل.
و هذا ما حدث بالفعل في السودان فتوسع الدولة في السوق المفتوحة و تشجيعها للمضاربة في سوق الأوراق المالية و توزيعها لأرباح كبيرة علي الصكوك و الشهادات الإستثمارية التي تطرحها و التي وصلت خلال العشرة سنوات السابقة إلي 19% في المتوسط كما أسلفنا في الحلقة الأولي و هي نسبة تفوق بدرجة كبيرة النسبة التي توزعها البنوك علي حملة الودائع و التي بلغت أعلي نسب لها 10% علي الودائع بالعملة المحلية و 7% علي الودائع بالعملة الأجنبية تم توزيعها من قبل بنك فيصل الإسلامي مؤخراً (راجع: موقع سونا الإلكتروني الإثنين 30/05/2011م). و لا تستطيع البنوك منح سعر إيداع أعلي من 10% بل أن ما قام بتوزيعه بنك فيصل الإسلامي هو في الحقيقة محل تساؤل كبير حيث أن البنك المركزي في سياسته النقدية المعتمدة للعام 2011م و المنشورة علي موقعه الإلكتروني يحدد هامش المرابحة بحوالي 12% (كمؤشر) و قد بلغ نفس هذا الهامش حوالي 9.4% في المتوسط في يونيو 2010م (راجع: بنك السودان المركزي – إدارة الإحصاء – العرض الإقتصادي و المالي – أبريل /يونيو 2010م – جدول رقم "20") و حتي تلتزم البنوك بهذا المعدل يجب ألا تزيد تكلفة الأموال لديها عن 6% كحد أقصي (كسعر إيداع) مضافا إليه تكلفة تشغيل في حدود 2% لتحقق عائداً صافياً بالكاد يتراوح ما بين (1.4% إلي 2%).
و للتدليل علي هذا التأثير السلبي لسياسة السوق المفتوحة و إرتفاع متوسط الأرباح التي تمنحها الحكومة علي الصكوك التي تصدرها و يتم تداولها في سوق الخرطوم للأوراق المالية بتتبع حركة ودائع البنوك خلال الفترة ديسمبر 2006م إلي يونيو 2010م (و هي الفترة التي شهدت توسعا في إصدار الصكوك الحكومية و إرتفاعاً في عائداتها) يجد أنها كانت ضعيفة جدا و تنمو أيضا بمعدلات ضعيفة جدا بالذات في ودائع الإدخار و ودائع الإستثمار و أن النمو الأكبر نسبيا جاء متركزا علي الودائع تحت الطلب (المرجع السابق ذكره – جدول رقم “17A") و ذلك مقارنة بحجم الإصدارات من شهادات شهامة لوحدها و التي تتجاوز ال 3 مليار جنيه خلال السنة الواحدة علما بأن 30% من هذه الودائع الإستثمارية و ودائع الإدخار موظفة أصلا من قبل البنوك في شراء الصكوك الحكومية نفسها كما أسلفنا في الحلقة السابقة. أما واقع حال الودائع بالعملة الأجنبية بأشكالها المختلفة (تحت الطلب، إدخار، إستثمار) يغني عن أي سؤآل. حيث سجلت ودائع الإدخار أعلي رصيد لها خلال الفترة المذكورة بالعملة الأجنبية ما يعادل 30 مليون جنيه فقط في سبتمبر 2009م، وسجلت ودائع الإستثمار بالعملة الأجنبية ما يعادل 1.7 مليار جنيه في يونيو 2010م، و سجلت الودائع تحت الطلب بالعملة الأجنبية ما يعادل 1.8 مليار جنيه (راجع: المرجع السابق ذكره – جدول رقم “17B").
هذا الوضع الكارثي لحجم الودائع في البنوك أضعف قدرة الجهاز المصرفي علي تمويل القطاعات الإنتاجية فعلي سبيل المثال تراوح حجم التمويل الممنوح لقطاع الزراعة خلال فترة الخمسة سنوات المذكورة سابقا ما بين 994 مليون جنيه بالعملة المحلية و ما يعادل مليون جنيه فقط بالعملة الأجنبية في ديسمبر 2006م و بين 2.1 مليار جنيه (كأعلي رصيد) بالعملة المحلية و ما يعادل 15 مليون جنيه بالعملة الأجنبية في يناير 2010م و لم تتجاوز نسبة تمويل القطاع الزراعي 11.6% من إجمالي حجم التمويل الممنوح لكل القطاعات بالعملة المحلية البالغ 16.3 مليار جنيه في يونيو 2010م و هي نسبة ضعيفة جدا و تبين حجم التدهور الذي وصل إليه واقع القطاع المصرفي (راجع: المرجع السابق ذكره – جدول رقم “19A" و “19B").
و تراوح حجم التمويل الممنوح لقطاع الصناعة ما بين 776 مليون جنيه بالعملة المحلية و ما يعادل مليون جنيه فقط بالعملة الأجنبية في ديسمبر 2006م و بين 1.5 مليار جنيه (كأعلي رصيد) بالعملة المحلية في يونيو 2010م و ما يعادل 595 مليون جنيه بالعملة الأجنبية (كأعلي رصيد) في يوليو 2009م و لم تتجاوز نسبة تمويل القطاع الصناعي 9.3% من إجمالي حجم التمويل الممنوح لكل القطاعات بالعملة المحلية البالغ 16.3 مليار جنيه في يونيو 2010م (راجع: المرجع السابق ذكره – جدول رقم “19A" و “19B").
بينما تركز التمويل بمبالغ و نسب عالية فقط علي قطاع التجارة المحلية بمتوسط في حدود 2.5 مليار جنيه تقريبا بالعملة المحلية و بنسبة 15.3% من إجمالي حجم التمويل الممنوح لكل القطاعات، و القطاعات المصنفة تحت تصنيف القطاعات الأخري و هو تصنيف مبهم و لم تشتمل نشرة العرض الإقتصادي التي يصدرها البنك المركزي علي إيضاحات بشأنه (و التي هي بالضرورة ليست قطاعات إنتاجية و تشتمل بالتأكيد علي تمويل شراء الصكوك الحكومية نفسها كما بينا في الحلقة السابقة) و الذي كان له نصيب الأسد حيث بلغ أعلي رصيد تمويل له بالعملة المحلية ما قيمته 8.5 مليار جنيه في يونيو 2010م تمثل ما نسبته 52% من إجمالي حجم التمويل الممنوح لكل القطاعات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.