تؤكد تجربة المؤتمر الوطنيى في بحثه من خلال الحوار الي حل الازمة الوطنية التي تجتاح بلادنا الي ان فجوة عميقة بينه وبين الفكر والواقع في الحياة السياسية السودانية، وقد قادت هذه الفجوة الي شبكة او سلسلة اخري من الشبكات او الانفصال، وذلك في ظل ما قلناه في المقالات السابقة عن غياب الاطار المرجعي النظري الديمقراطي المشترك: انفصال وفجوات بين قادة الانقاذيين انفسهم، بينهم وبين الجماهير، بينهم وبينهم وبين السلطة والجماهير. غير اننا في سبيل فهم اشمل واعم، لنأخذ هذه الفجوات واحدة تلو الاخري في محاولة للفهم وسنجد في نهاية المطاف ان هذه الفجوات يجمعها عامل مشترك واحد: هو اساسها، الا وهو غياب الارضية المشتركة بينهم وبين الاطار المرجعي الواحد: "الديمقراطية". او بكلمات اخري تهميش الشعب عن المعركة الوطنية وحصرها في نطاق نخبة الدولة، فضلاً عن تجريده اليومي عن حق القرار السياسي وتسليط سيف الخنق علي حريته في التعبير والتنظيم ومصادرة فعالياته الاجتماعية، الي الدرجة التي تشل فيها ارادة المقاومة لديه. هل يعني هذا ان الديمقراطية كانت ستحمي نفسها لو كانت عقيدة سياسية عند القوي السياسية التي جردتها الانقاذ من ممارستها؟. ليس مؤكداً هذا لكن المؤكد هو انها كانت ستوفر الحماية للقوي المدافعة عنها في المجتمع من النتائج المدمرة التي حاقت بالوطن، وستكبح جماح التفكك والتفتت واليأس والحروب الاهلية والانفصال فيه. وهذا يعنيفي المقام الاول ان تجذير الديمقراطية في المجتمع ليس فقط بالمزيد منها، وانما اتاحة الفرصة لشعب السودان في التعلم من ممارستها يوماً بعد يوم. ان الديمقراطية بهذا هي الفرض، والانقلابات عليها هي النافلة واذا كان هناك من درس سياسي لكل الانقلابين فهو الا بديل عن الخيار (الحرية / الديمقراطية). فالحرية والديمقراطية صنوان وكلاهما طريق طبيعي للاخر. اما الفصل المسطنع بينهما بأدعاء الحوار، فلا يعدوا ان يكون ثمرة للاخفاق: ذلك ان الحوار الذي يفتقد المحتوي الديمقراطي يسهل علي نفسه بنفسه، وتندفع توجهات العنف والاكراه القسري الي فرض شرعية الانفراد والسيطرة القهرية. الناس عموماً لايقادون الي الجنة بالسلاسل.