كان الغليان الإجتماعي و السياسي الذي شهدته بلادنا ربع قرن من الزمان لم يعرف له مثيل في تاريخنا و ما يزال. وإلا ما الذي يجعل الطلاب شهداؤهم في إزدياد. رتل من أبنائنا بمعدل شهيد كل عام. الجامعات لم يبدأ تاريخها مع حكم الإنقاذ و لم يتعرض طلابها إلي الضغط المفضي إلي الموت حتي علي أيام الإدارة الإستعمارية. حين أستشهد طالب الطب صلاح بشري في مصر عام 1947, كان ذلك حدثاً مريعاً دفع الطالب أحمد الرفاعي-المحامي فيما بعد-الذي رافق جثمانه من القاهرة علي الطائرة إلي عطبرة علي الهتاف:"يسقط الملك فاروق قاتل صلاح", و كتب صديق مدثر قصيدته في رثاء صلاح بشري و الجثمان خارج من جامع الكيخيا في قلب القاهرة. و كتب جيلي عبدالرحمن راثياً صلاح بشري:"أواه ما ركعت, ما إنحنيت, ما بكيت.. صلاح يا صلاح يا صلاح". و كتب الشاعر الشيوعي المصري كمال حليم:"بين صخر و حديد و أعاصير و سل... و قيود و سدود قد قتلوا منا بطل.. حسبوه سيساوم حينما يدنو المصير وجدوه حراً يقاوم وهو في النزع الأخير". تلك القصيدة حفظها عن ظهر قلب و نغمها و غنتها ثلاثة أجيال إلي أن لحق الشهيد أحمد القرشي طه الذي فجر إستشهاده ثورة أكتوبر 1964. كتب محمد المكي إبراهيم:"و لم يكن في فمه أكثر من هتاف.. و لم يكن في فمه أكثر من حجر.. كان في العشرين لم ير.. ألفاً من الشموس مشرقة فجندلوه بالرصاص دامياً منتفضاً, و قائداً رعيل الشهداء, و رمز إيمان جديد بالفداء و بالوطن", حقاً لقد صدقت نبوؤة ود المكي, فها هم شهداء الطلاب في بلادنا يتدافعون بالمناكب, كل عام شهيد. الشهيد الأخير محمد الصادق ويو لن يكون آخرهم. فجيعة شعبنا فيه كبيرة لكن المرض حال دون مشاركتي و وداعه أو حضور سرادق الحزن الذي شيدته دموع أهله و رفاقه و جيرانه. الفجيعة بفقده ليست نواحية بل تثير فينا روح التحدي إذ يقف شعبنا مروع أمام إسترخاص أرواح الطلاب و هم في عمر الزهور, لأن هناك من يحسب أن الحق في سفر لم يرجع منه, و أن العنف قد تربع علي مائدة نثرت عليها جثث الطلاب. إن الموت الذي أنشب مخالبه في وطننا و إبتلع أبناؤه شهيداً إثر شهيد, لكن الوطن في إنتظارهم.