(الجزء الأول) جاء في الأخبار الأثنين 2 مايو 2016 خبر مقتضب لصفقة بين إتصالات الإمارات و زين الكويت : ( ~أبوظبي - مباشر: اتفقت مجموعة الإمارات للاتصالات على بيع حصتها، التي تبلغ 92.3% في شركة كنار السودانية للاتصالات، وذلك مقابل 349.6 مليون درهم (95.2 مليون دولار) لشركة زين الكويتية . وأوضح بيان ل"اتصالات"، اليوم الاثنين، أن الصفقة مشروطة بالحصول على موافقة الجهات التنظيمية في السودان. وقالت زين الكويت في بيانها إن هذه الصفقة سوف تمكنها من التحوط من آية مخاطر في تقلب صرف العملات؛ حيث سيتم تمويل الصفقة من المبالغ النقدية لدى زين السودان ~ ) انتهى . يحمل نص الخبر العديد من الدلالات و الإشارات التي يجب النظر إليها بعين فاحصة خصوصا الوضع القانوني للصفقة و طريقة تمويلها . و الخبر في مجمله يحمل الكثير من المؤشرات علي حال و مستقبل الإستثمارات الأجنبية بالسودان عامة و في قطاع خدمات الإتصالات بصورة أدق ، إذ تطل أسئلة من شاكلة لماذا تتخلى شركة مثل إتصالات الإمارات عن سوق الاتصالات السوداني ؟ لو كان البيع لجهة خارجية ترى فائدة مرجوة في سوق السودان لكانت الدلالة موجبة لكن الدلالة الحالية سالبة. من الناحية القانونية إحتاط الإعلان برهن الصفقة بموافقة الجهات المنظمة في السودان ، و ربما تبادر إلى أذهان البعض أن الأمر إجرائي و لا يعدو كونه محض مكاتبات إدارية بروتوكولية . إذ أن الموضوع يخضع لمناخ الإستثمار المتشعب و المتداخل مع السياسة و تدخلات أذرع جهاز الأمن السوداني و إستثماراته. عليه فإن العبارة شديدة التفخيخ و يمكن لأطراف كثيرة تعمل في المجال الولوج من خلالها لأي أهداف محتملة . تنظيميا فإن ما يهم الهيئة القومية للإتصالات هو : أولا: مبدأ فصل الحسابات، بإعتبار أن زين و كنار جسمان منفصلان بغض النظر عن ملكية زين لكنار من عدمها مع ضمان عدم تأثير ذلك علي المبالغ المجباة لصالح الهيئة من الجهتين. و ثانيا: ضمان عدالة أسعار الخدمات المقدمة من كنار لبقية المشغلين (إم تي إن تحديدا) في ما يعرف ب (فض إرتباط العروة المحلية Local Loop Unbundling ) حتي لا تتأثر المنافسة و حرصا على الإستخدام الأمثل للبنية التحتية في الإتصالات و خصوصاً كوابل الألياف الضوئية العابرة للمدن . ما يلفت النظر في نص الخبر أيضا تصريح زين بأن الصفقة (تقلل من مخاطر تقلب سعر صرف العملات الأجنبية، حيث سيتم تمويل الصفقة من المبالغ النقدية الموجودة لدى زين السودان) و تحت هذا القول الكثير المثير عن طريقة التمويل، فهنا تنفتح التكهنات على مصراعيها، مثلا هل يتم حساب قيمة الصفقة بالمقابل السوداني؟ و لو كان كذلك فهل يُعتمد سعر صرف بنك السودان؟ أم متوسط سعر البنوك التجارية؟ أم ما يعرف ب (سعر الفريق) الذي يتحدد عادة من إدارة زين العليا بالسودان؟ كما يمكن أن تكون الأموال في شكل نسب منها ماهو بالدولار و ما هو بالجنيه، و ربما تضمنت طريقة للدفع تعتمد شطب مستحقات و ديون بالعملات المختلفة في مقاصة بين حسابات الطرفين. لكن التساؤل الكبير: لماذا تباع كنار من الأساس؟؟ و لمحاولة فهم التساؤل وجب فهم قصة كنار نفسها. كنار قصة تفاؤل، و ركود على أمل، و من ثم فقدان الأمل. و ليس بعد فقدان الأمل من حرج في أيه خطوة يقدم عليها المالك. مرحلة التفاؤل جاءت محمولة على سمعة إتصالات الإمارات و نجاحها في المنطقة بالتوازي مع موبايلي و إتصالات مصر. لكن كنار لم تقدر السوق السوداني حق قدره، إذ كان يتوقع السودانيون سرعات إنترنت فائقة مع جودة خدمة تنافس و تتفوق على سوداتل كونها خدمات لاسلكية. لكنها فشلت أن تقدم خدمة تمتاز على ما كان موجود سلفا. ثم كان الأمل أن تحصل على رخصة للهاتف النقال و لكن ذلك أصطدم بعقبات إدارية من جهة الهيئة القومية للإتصالات، و ضغط أصحاب المصلحة لمنع ما يعرف بالرخصة المزدوجة ( ثابت و موبايل ) لكل الشركات، فعاشت ردحا من الزمن على هذا الأمل إلى أن جاءت الطامة بإنحدار قيمة الجنيه السوداني بعد إنفصال جنوب السودان و الصعوبات التي صاحبت تحويل الأرباح - على قلتها - إلي عملة حرة خارج السودان. عندها بدأ التفكير جديا في بدائل منها الدخول في شراكات بتبادل الأسهم مع شركات الهاتف السيار و لكن شركات الهاتف إستعصمت و طرحت فقط خيار الإستحواذ الكامل. ثم أصطدم هذا الإستحواذ بعقبة ماهية العملة ( دولار أم جنيه سوداني ) التي يتم بها الشراء . ثم جاءت مرحلة فقدان الأمل بتبدد أحلام الرخصة المزدوجة و كذلك فقدان الميزات التنافسية بعد حصول زين على رخصة المخارج الدولية و بنيان زين لكوابل الالياف الضوئية في الخرطوم و غرب السودان تحديدا، المنطقة التي تخلو من وجود لكنار . و كذلك فقدان الرخصة في جنوب السودان بعد الإنفصال لعدم وجود فعلي لكنار هناك ليجعل لها الحق في الإستمرار في الجنوب الشئ الذي قلل من قيمتها المستقبلية . ثم دخلت كنار في إتفاقيات تجارية تبدو في شكل شراكة إستراتيجية في ما يعرف بعمليات المبادلة ( Swap Deals ) لكنها كانت عمليات مدمرة للميزات التنافسية لكنار نفسها على المدى الطويل. و هذا ما يفسر السعر المتدني لقيمة صفقة كنار الحالية ( 95.2 ) مليون دولار. جدير بالذكر ايضا فعالية الخطوات الإستراتيجية التي إتبعتها سوداتل في التعامل مع زين لإضعاف كنار و الإبقاء علىها في موقعها دون التقدم لخطف المزيد من الصفقات مع زين. كما أن زين - و من واقع أنها المشتري الأكبر لخدمات سوداتل و كنار - و تحكمها في رفع و خفض المشتروات من كليهما تمكنت من إضعاف القيمة التنافسية لكليهما. هذا من جانب كنار، و لكن ما هي الصورة من جانب زين؟ أي ماذا تعني كنار بالنسبة لزين السودان ؟ نواصل في الجزء الثاني من المقال.