كنا قد ساهمنا قبل التوقيع برأى ضد التوقيع تماما ، ولكنا تحفظنا على انه ربما يكون من المفيد للحركة النضالية ضد النظام لوتمكن نداء السودان من الزام الوساطة رفيعة المستوى من تضمين تحفظاتهم التى هى نفس ماتسميه قوى الاجماع متطلبات وضع الاسس لحوار منتج . وكانت قوى نداء السودان قد حاولت اقناع جماهير الشعب السودانى بان مندوب امبيكى الموفد للقائهم بباريس والمبعوث الامريكى قد اكدا التزامهم بتضمين متطلبات النداء. غير انه اتضح بعد التوقيع ان الوعد كان هوائيا وان الحكومة مصرة على انه لن تتم اضافات على الخريطة ولن يكون هناك اجتماع تحضيرى ، حسب قول المساعد الاول الاستاذ كمال عمر . كذلك قد اتضح من اللقاء الاول بين الحركة الشعبية والحكومة بان ماكان يخشاه الاستاذ ياسر عرمان من ان يكون وفد الحكومة كائن فى مكانه السابق هو بالفعل ماحدث . ولحسن الحظ تمكنت الوساطة من انقاذ الموقف فى اللحظات الاخيرة ! فهل لنا ان نتوقع نجاحا لتفاوض بدء هكذا ؟ وفى الحقيقة فانا اعتقد ان الاحتمالات يجب الاتبنى على مثل هذه الاسس الهشة ، بل ويجب ان نحلل الاسس الحقيقية للمساهمين فى هذه القضية . أولاً : الحكومة السودانية ، هذه التى حكمت السودان نصف عمر الحكومة الاستعمارية لتكمل تخريب مااسسه الحكم الاستعمارى ، فقد قضت على كل مظاهر التقدم فى البلاد : الصناعة والزراعة الحديثة – التعليم فى كل مستوياته – الاقتصاد – الخدمة المدنية – الجيش – الشرطة – المجتمع وعاداته وتقاليده – احياء القبلية – فصل جنوب السودان – جعل الفساد وسيلة كسب العيش الاولى فى السودان . هذه الحكومة التى خربت كل علاقات السودان الخارجية واصبح رئيسها مطاردا من المحكمة الجنائية الدولية ولا يمنعه – ولو مؤقتا – من الوقوف امامها غير الاستمرا فى وظيفته الرئاسية . هذه الحكومة التى بدأ كثير من اصحابها الاوائل القفز من مركبها الموشكة على الغرق . ..الخ هل نتوقع من مثل هذه الحكومة التنازل عن السلطة التى هى الاداة الوحيدة الباقية لاحتفاظ الحكومة وانصارها بمانهبوا وتبعدهم ولو مؤقتا عن يوم الحساب . كذلك لايتوقع عاقل ان توافق الحكومة ولواستمرت المحاولات الى يوم الدين بحضور الاجتماع التحضيرى . ولو كنت مكانهم فلن احضر مثل هذا الاجتماع الذى سيؤدى حتما الى حوار منتج . اذ ان الانتاج المتوقع من حوار يحدد كل ممثلى الشعب اجندته ورئاسته ويكون هناك ضمان لتنفيذ مخرجاته لن يكون غير نهاية هذا النظام ! المحاولات التى حدثت حتى اليوم للاتفاق مع هذا النظام باءت بالفشل للاسباب الاساسية المذكورة اعلاه والتى لم تتغير بل ازدادت ضراوة . ثانياً : المجتمع الدولى : قلنا فى مقالات سابقة ان المجتمع الدولى له مصالحه التى يعمل على تنفيذها بكافة الاساليب. وانه عندما يتحدث عن حقوق الانسان وغير ذلك من حديث السياسة فانما ليغطى على نواياه الحقيقية . ثم هناك الحقيقة الثابتة بانه فى السياسة ليس هناك مواقف ثابتة وانما هناك مصالح ثابتة . واذا ضربنا مثلا نموذجيا حدث اخيرا ، فاننا سنورد ماحدث من تغير فى المواقف نتيجة لتغير المصالح بين تركيا من جهة وروسياوالولاياتالمتحدة من ناحية اخرى . تركيا صاحبة العلاقة التاريخية بامريكا وممثلة الحلف العسكرى الغربى بالمنطقة ، والتى توترت علاقتها بروسيا نتيجة المواقف المتباعدة من الصراع القائم فى سوريا والمنطقة باكملها لدرجة قيام تركيا باسقاط طائرة حربية روسية ، جعلت الحرب قاب قوسين . غير ان موقف الولاياتالمتحدة والغرب عموما من الانقلاب التركى الاخير من ناحية ، وموقف الغرب من روسيا بعد قضايا اواكرانيا والقرم ، هى التى جعلت اردوغان يتجه الى روسيا لاعادة العلاقات التجارية وغيرها . ولابد انه سيكون لذلك أثره على مجمل القضايا السياسية التى تجمع هذه الاطراف وتفرقها حسب المصالح . وفى حالة السودان ليس اوضح من الموقف الاخير للمبعوث الامريكى الذى قابل مناديب لاجئى المعسكرات كنوع من الاعمال الخداعية ، ثم ليذهب بعد ذلك لاجتماعات اديس ويترك من اجتمع بها لزبانية الامن . وقبل كل هذا اين مواقف المجتمع الدولى من القتل بالطائرات والاغتصاب اليومى فى دارفور وغيرها من مناطق الحرب حتى اثناء اجتماعات اديس الاخيرة لتوقيع الخارطة دون ايفاء بالعهود التى قطعوها لنداء السودان ؟ والسؤال هنا ايضا : هل كان لنا ان نتوقع من المجتمع الدولى غير هذا ؟ والاجابة هى بسؤال : اين هى مصالح المجتمع الدولى فى اطار القضية السودانية ؟ ان المجتمع الدولى ، كمااتضح من ماحدث من تعاون مع الحكومة فى مجالات مكافحة الارهاب والهجرة غير الشرعية ، لايهمه مايحدث فى دارفور وجبال النوبة والنيل الازرق بل وفى الشمالية والخرطوم من انتهاكات وقتل وسلب ونهب ، طالما ان النظام الموجود هو الذى يلبى طلباته مختارا ومجبرا.وهو لايضمن بذهابه ان تاتى حكومة حسب الطلب . ولذلك فان افضل الممكن هو ترقيعه بافضل الموجودين لاستمرار خدمة المصالح الدولية . ثالثاً : القوى السياسة فى الساحة السودانية : - الحركات المسلحة : على الرغم من تباين تركيبة واهداف وقيادات هذه الحركات الا ان لااحد يشك فى ان محركها الرئيس هو التهميش الذى تعانى منه المناطق التى يمثلونها ، هذا لان وصول المنتمين لهذه الحركات للتضحية بالنفس لايمكن ان يكون الا لغرض عام . طبعا هناك من نكصوا وينكصون لسبب او آخر ولكن هناك ايضا من تقوى شكيمتهم ويتغير اتجاههم نتيجة التجارب التى يخوضونها حربا وتفاوضا . غير ان الجانب السلبى الذى يحدث لبعضها بسبب الحاجة للعون على مواصلة النضال المسلح قد يدفع هذا البعض الى الوقوع فى براثن المجتمع الدولى ، الذى هو جاهز بطبيعة اهدافه ووسائله لان يوقعها فى هذه البراثن ، أو للانكسار وطلب المناصب بزعم ان مالم يمكن تحقيقه بالسلاح قد يمكن تحقيقه بجزء من السلطة . غير ان التجارب المتكررة قد اثبتت ان هذا الزعم لايحقق غير طلبات المنكسر ! - الاحزاب السياسية : هناك الاحزاب المنسلخة من حزب الحكومة وهذه بسبب مشاركتها بدرجة أو أخرى فى وقت أو آخر فى السلطة ، وبالتالى مشاركتها ايضا فى ماتم من فساد وافساد بالاضافة الى اصولها الاسلاموية التى تجعلها محتفظة ببعض الترهات الايديولوجية أو الكبر الذى يمنعها من الاعتراف الكامل بسوء ماحدث والاعتذار عنه الا فى بعض الحالات النادرة والاجبارية ، مثل الحديث عند الموت اوبعده ! فان مواقفها تكون متذبذبة فى أفضل الحالات او مائلة الى الحلول الوسط التى لا تاتى بتغيير جذرى ، وهى فى هذا تلتقى مع استراتيجيات المجتمع الدولى والحزب الحاكم بدرجة أو اخرى. - الاحزاب المشاركة فى السلطة او فى حوار الوثبة : هذه بطبيعة الحال موقفها هو موقف الحكومة لانها اما فى السلطة بالفعل وأما "هم يطمعون "! وهؤلاء احيانا يكونون اترك من التركى ، لوصح التعبير . - الاحزاب التى تعارض ولكنها جاهزة لان تقرص من نفس الجحر عشرين مرة ، وهذا اما بحسن نية ابله أو برغبة فى الحصول على جزء من الكيكة بعد ان طال السفر . - الاحزاب المنتمية الى قوى الاجماع : هذه موقفها واضح من النظام وتري انه لاسبيل لاصلاح الحال الابزواله غير ان انشغال بعضها بالرد على مايحدث فى الساحة من أمور تخالف نظرتها وموقفها ، بالاضافة الى ضعف نفوذها الجماهيرى لاسباب ذاتية واسباب مفروضة عليها قانونا وامنا ،يضعف أثرها. كذلك فان هذه الاحزاب وهى تواجه نظاما لا نظير له فى التاريخ السياسى السودانى ، وقد ازعم والدولى ايضا ، لم تبتكر حتى الآن من الوسائل المناسبة لمنازلته . وحتى وسائل النضال التقليدية والمجربة سودانيا لم تفلح هذه الاحزاب فى استخدامها . ان من اهم أسباب عزوف كثير من الجماهير عن المشاركة المعارضة ،هو انهم مثلا غير متأكدين من استرتيجية وتكتيكات مؤسسات المعارضة المستخدمة فى مجابهة النظام،و ايضا لا يعلمون عن خطط هذه الاحزاب فى حالة زوال النظام : وهل سيعود الامر الى ماكان عليه من تنازع فى الديموقراطيات الماضية حتى الاخيرة والذى كان من اسبابه مجئ هذه الطامة الكبرى ؟! هذا الوضع المعقد ربما يكون هو الدافع لبعض الجهات المعارضة لاتخاذ مواقف قد تبدو غير منطقية او حتى شائنة ، غير اننا لانرى فى ماحدث من توقيع لخارطة الطريق من بعض فصائل المعارضة الحقيقية ما يمكن ان يوصف بمثل هذه الاوصاف. فهو ، على أى حال اجتهاد قد حدث ، وبالتالى بالرغم من اختلاف التقديرات لدوره الموجب او السالب ، يجب ان ينظر اليه كواقع تحاول قوى المعارضة مجتمعة ان تجد فيه مايمكن ان يدفع بنضالها الى الامام .فماذا نرى من جانبنا فى هذا الامر الذى وقع؟ أولا : لابد من رد الضغط بضغط قل او كبر على المجتمع الدولى وممثليه من وساطة رفيعة المستوى ومبعوثين دوليين . اين وعودهم بادراج طلبات النداء فى خارطة الطريق لتصبح على الاقل قادرة على وضع المعارضة فى موقف مماثل لموقف الحكومة فى الحوار المقترح . وفى هذا يمكن الاشارة الى ماجاء فى مقدمة اتفاق نيفاشا من ضرورة التأسيس لنظام ديموقراطى يمنح القوى السياسة فرصا متماثلة للتنافس . وعلى الرغم من ان المجتمع الدولى وقتها كان يريد منح تلك الهدية للحركة الشعبية حتى يمكن الوصول الى الهدف الدولى ، الا اننى كنت ومازلت اعتقد ان التجمع الوطنى بمافيه الحركة الشعبية كان يمكنه الاستفادة من تلك الهدية لفرض نظام ديموقراطى حقيقى ،الا ان سوء الادارة السياسية للتجمع وخصوصا فى قمته بالاضافة الى بعض الاحداث القدرية التى جعلت قيادة الحركة الشعبية بعد موت زعيمها الفذ تستقل بمواقفها عما تبقى من التجمع الوطنى ، هى التى جعلت الامور تسير فى الاتجاه الذى ذهبت اليه : ً ثانيا : اذا كان مايقوله الموقعون صحيحا عن اهدافهم الحقيقية من قبول التوقيع على الخارطة، واعتقد انه كذلك بالنسبة لاغلبيتهم ، فان الاصرار على تنفيذ ماتعهدت به الوساطة رفيعة المستوى والمجتمع الدولى هو السلاح الاول والامضى فى المعركة . وفى هذا فانى اعتقد ان حديث السيد الصادق يصيب كبد الحقيقة ، حيث قال ان التوقيع فى صالح قضية الشعب السودانى اذ انه يهيئ المناخ للعمل السياسى المفتوح . ونحن فى هذه المرحلة يمكننا ان نكتفى بهذا ، لان تهيأة المناخ تجعل الحشاش يملأ شبكته . وبالطبع لايمكن الاقتناع بان متطلبات تهيئة المناخ من ما يتفاوض عليه . هذه المتطلبات هى حق طبيعى فى كل الدنيا . كيف تريد الحكومة ومن معها من الناس ان يقول المعارضون رأيهم الحقيقى وافواههم مغلقة .؟كيف تريد الحكومة اتفاق على وقف اطلاق النار وهى تلقى حمم الانتنوف على المدنيين فى وقت التقائها بممثليهم؟ كيف ترفض الحكومة الاتفاق الاطاري الذى تم معها فى الجولات السابقة واتفق الآن على ان يكون رفيقا لخارطة الطريق التى وافق نداء السودان للتوقيع عليها دون حتى الاخذ بمطالبه الاضافية نتيجة للضغوط ولابداء حسن النية. ولكن حسن النية مع من ؟ لقد اتضح فى اليومين اللاحقين على التوقيع ان حكومة الانقاذ مصرة على نفس الاساليب القديمة , وفى الحقيقة لوفعلت غير ذلك فلن تكون حكومة الانقاذ الموصوفة اعلاه. انسحبت من الجلسة الاولى احتجاجا على البدء من حيث انتهت المناقشات الماضية ، أى من الاتفاق الاطارى الذى هو حصيلة كل المناقشات السابقة بين الطرفين . وهل فى هذا ما يستغرب : الم يلغ الرئيس بجرة قلم ماعرف باتفاق نافع عقار ؟ كذلك ظهر فى كواليس المفاوضات من سموا ممثلى اصحاب المصلحة الحقيقية من مناطق الحرب ، ليشككوا فى احقية الحركة الشعبية فى تمثيل تلك المناطق ؟! ولاأدرى ماهو دليلهم هم على انهم الاحق بذلك التمثيل ؟! والسؤال الاعظم : هل تمثل الانقاذ بقية أهل السودان ؟! الهدف واضح من هذه التمثيليات وهو ليس تكتيكا جديدا : الدخول فى مجادلات بيزنطية تتيح مزيدا من الوقت عسى ان تحدث معجزة لانقاذ الانقاذ . والحقيقة فان المعجزة تتحقق جزئيا عن طريق المواقف المتغيرة لمايسمى بالمجتمع الدولى واللاعبين الآخرين وهم جميعا يلعبون " لصالح ورقهم !" وبرغم كل هذا الدال على ان ماتم لن يقدم قضية المعارضة خطوة واحدة الى الامام ، الا انه لأن ماحدث قد حدث ، فلابد من مجابهته كواقع لايمكن الفرار منه ،مع محاولة الاستفادة القصوى منه لدفع القضية الى الامام ، فكيف يحدث ذلك ؟ باختصار لابد من : - ايقاف عملية شراء الوقت التى قامت وتقوم بها الحكومة بشكل راتب وبامتياز وبقبول ممل من جانب بعض اطراف المعارضة . - عدم الرضوخ للضغوط الاضافية من مايسمى بالمجتمع الدولى ومطالبته بتحقيق ماوعد به من اضافة ملحق المطالب قبل اى طلب جديد من النداء . ولو استطاع المجتمع الدولى ان يحقق ذلك المطلب فيكفى كماذكرنا سابقا .اما اذا رفض فيكون من حق النداء نفض يده من هذه الطبخة ، وفى هذه الحالة يعود النداء الى الخطة "ب" بالرجوع الى الاعداد للانتفاضة وسيجد قوى الاجماع فى انتظاره . - الحذر من الاغراءات التى قد تؤدى الى تشتيت النداء . وفى هذا الاتجاه أذكر الاصدقاء فى النداء بالتوصية الخبيثة ضمن توصيات حوار الوثبة بخلق منصب رئيس الوزراء . - واخيرا ، رجائى عندما ينفض سامر اللقاءات بخير ان شاء الله ، ان يتبرع المحتشدون من المعارضين بمايتبقى من ميزانية العملية لانشاء قناة فضائية ازعم انها ستضيف الكثير ! والله المستعان . [email protected]