فتحت صحيفة التيار معركة مبكرة جداً حول الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2020 عبر مانشيت عريض في صفحتها الأولي ، تقديري أن الصحيفة استخدمت حاسة التحليل الصحفي للوضع السياسي الراهن وعلي ضوء ذلك كتبت هذا المانشيت المثير للانتباه، او ان الصحيفة مدفوعة من جهات حريصة علي فتح هذا الملف المرهق في هذا التوقيت قبل ان تتوه الخيوط السياسية في مقبل الأيام . سبق الحديث عن هذه التعديلات الدستورية التي تتيح للرئيس دورة رئاسية جديدة إقتراح منسوب الي القصر الرئاسي يتحدث عن انتخابات مبكرة رئاسية وبرلمانية يطوي بها القصر صفحة مقلقة من المواجهات السياسية حول من يخلف الرئيس وسيناريوهات المرحلة القادمة ، لكن يبدو ان هذا المقترح لم يجد المسوغات السياسية والدستورية الكافية والموضوعية ولعل ما يترتب عليه من أثار كارثية علي جدار الأمل الذي شيده الحوار الوطني جعل الذين نادوا به يعيدون النظر في الحسابات السياسية المعقدة ، قد لا ينتبه الناس كثيراً في هذه الأيام الي أي حديث عن الحوار الوطني الذي جعلت منه الحكومة مثله ومثل أي فوطة قذرة استهلكت في نظافة الأوساخ ولكن علي أي حال يجب ان لا يغيب عن الذاكرة ان الأصول والأهداف التي قام عليها الحوار الوطني أنه يؤسس لمرحلة جديدة يعبر بها الوطن الي عهد جديد بخطاب جديد ورموز جديدة . وسبق ذلك ايضاً حديث حول كتابة الدستور الثابت او الدائم والدوام لله وحده ، و كما يعلم الناس ان مخرجات الحوار الوطني نصت علي دستور ثابت تكتبه جمعية منتخبة بعد إنقضاء الفترة الإنتقالية الحالية ولكن يبدو ان العقل السياسي للقصر الرئاسي يريد ان يلتف علي هذا النص في المخرجات بحيلة ساذجة عنوانها إنتخابات مبكرة يعقبها دستور ثابت ولعل في هذا خطل سياسي وهدم لجدار من المصداقية والثقة ، ولعل من سوء الحظ أنه اصلاً بني علي رمال متحركة . قرائن الأحوال قبل أكثر من عام كانت تشير الي ان معركة الرئاسة القادمة ومن يخلف الرئيس الحالي قد حسمت مبكراً وان المؤسسة العسكرية قد كسبت المعركة يومها ، لكن مسيرة الأشهر القليلة في حكومة الوفاق الوطني والعجز الذي يحيط بها جعلت من ملف معركة الرئاسة القادمة يعود الي ذات المربع الأول ، لم تحكم المؤسسة العسكرية قبضتها علي مقاليد الأمور بشكل جيد وفتحت الباب لرسم جديد في المعركة الرئاسية المقبلة . واحدة من الخيارات في معركة الرئاسة القادمة هي إستمرار الرئيس الحالي وهو خيار سهل وميسور يكفي فقط بعض التعديلات علي بعض الوريقات ثم تتعالي أصوات التكبير والتهليل و التصفيق وليس في الأمر أي استغراب فقد تعود الناس علي هذه الأشياء وكما يقول دستوفيسكي لن تدهش احداً في سجن سيبريا ، ولا اعتقد ان الرئيس يمانع في ذلك مدفوعاً بهواجس من أطراف لها مصلحة في بقائه فوق الكرسي الأنيق وهو يعلم أنه في بزته الرئاسية والعسكرية أشبه باله ولكن اذا نزعت منه سيصبح شيئاً مختلفاً ، او ان بعض الأطراف داخل المنظومة الحاكمة تري ان استمراره يؤجل كثير من المعارك الحاسمة تدبراً وتقديراً ان المعركة لن تحسم لصالحها . بعض التفسيرات والتأويلات تذهب الي ان بقاء الرئيس البشير في هذه المرحلة التاريخية يصب في مصلحة وحدة التيار الاسلامي وأنه علي قدر عالي من الوفاء للفكرة الاسلامية وان ذهابه في هذه المرحلة شديدة الحساسية يعيد السيطرة لأطراف اخري ساهمت في شق وحدة الصف الاسلامي وان عودتها تمثل انتكاسة لمشروع الحوار الوطني المسجى في غرفة العناية الخاصة ولعل هذا التفكير لمآلات معركة الرئاسة القادمة يتوافق مع مدرسة داخل صفوف المؤتمر الشعبي هي أكثر كاثوليكية من البابا نفسه . علي أي حال هذه المعركة حول الانتخابات الرئاسية قد تكون هي أخر المعارك للتيارات المتصارعة حول من يخلف الرئيس البشير ، ولكن الذي لا شك فيه ان استمرار الرئيس البشير لمرحلة جديدة سيوقظ كثير من الأحاسيس التي ماتت في الجسد السياسي السوداني وسيفتح الباب لصراع جديد لا يعلم سوي الله اين يصل منتهاه . [email protected]