هناك جماعة من تجار العملة والسماسرة والكيزان ، وبعضٌ عابِرٌ مِمَّن حضر .. بيصلُّوا جماعة في أتنيه .وأنا لما يبدأوا في اجراءاتم ، بمشي بقعد جنب إشراقة تحت اللبخة ، وانتظرهم .نعم .. انتظر لأنو هم بينتهوا من صلاتهم ، وبيخلُّوا الأباريق مجدعة هنا وهناك ، والمفارش يغمرها التراب ويشيلها الهواء ويطأها الناس بأحذيتهم .ف بجي ألملم الأباريق وأفرِّغها من الموية، وأنفض المفارش وأطويها ، وأخُتَّها ليهم بنظام في مكتب موريس .وهكذا كل يوم، وكل صلاة ظهر وعصر . وكثيراً ، ما الشباب يقولوا لي: ياخ مالَك ومالهم .. انتَ قاعد تصلي معاهم .?! .وصلاتهم دي ذاتها ، هنا ما دايرنَّها نحنَ . روى أبو هُرَيْرَة ، وأخْرَجَ البخاري أنَّ أعرابِيَّاً نزلَ بساحة المسجد ، والنبيُّ هناك .فصلَّى ، ثُمَّ دعا اللهَ ،قال: ( اللهُمَّ ارْحَمْني ومُحَمَّداً ، ولا ترحم معنا أحداً .) .فقالَ مُحَمَّد ;( لقد حَجَّرْتَ واسِعاً ، يا هذا .). إِذَنْ ، هذا هُوَ المبدأ .وهُوَ ردِّي على الرفاق الأماجد, لِمَ نُضَيِّق واسِعاً .?. ففي رأيي ، وفي إمكانهم أن يصلُّوا صلاتَهُم ، وفي امكاني أن ألملم الأباريق ، وأنفض المفارش وأطويها ، وأحفظها لهم إلى حين صلاةٍ لهم قادِمة . ثُمَّ ما لَبِثَ الأعرابي أن بالَ في المسجد . :( .فقامَ إليه الصحابة يهِمُّون أن يقعوا فيه ، ويفتكوا به. فقالَ لهم النَبِيُّ : ( دَعُوهُ ، واهْرِيقُوا على بولِه سَجْلاً من ماء. ). إِذَنْ , هذا أيضاً مبدأ .مبدأ سلوك المسلك الأقصر ،المستقيم المُباشِر، وبأقل ما يُقَال ويُفْعَل ،فلا تنبهم المسالك ، ولا يَضِل السالِك . ولو سلكَ محمود محمد طه، الطريق المستقيم الأقصر ، وخرجَ من الصندوق لَوَصَل ، ولكانَ بالإمكان تعدادَهُ مُفَكِّراً في جملة المفكرين .ولكنَّهُ آثَرَ أن يكون مُبَشِّراً من المُبَشِّرين ، وجعلَ يَلِف ويدور ويفرفر داخل الصندوق يَحْسَبُ أنَّ هناك تحت القُبَّة فكي :( .وهذا ما فضحَ عُوَارَه ، وبَيَّنَ ضَعْفَه ، وجعلَهُ – في نظري على الأقل – إمَّا متخاذِلاً جباناً ، أو ضعيفاً أصلاً في أصل موهبته ، وبنيته العقلية والنفسية ، فقامت الآلة الإعلامية بسد الثغرات ، وحجب مكامن الضعف والعوار بالنفخ والتضخيم . كانَ بإمكان محمود النفاذ مباشرةً إلى فكرة الوحي ، وإلي الأسباب التاريخية – في أشراطها الاقتصادية وأبعادها الاجتماعية – والتي جعلت ضروريَّاً خلْق الإله الديني، وتأليف الأديان ، وابتكار الرسالات ، واختراع الجن والشياطين والملائكة .هذا بدلاً من أن يقول ردَّاً على سائل ;( وأنْتَ تسأل ، كيف أعرف شريعتي التي أوتاها من اللهِ بلا واسِطة .?.. والجوابُ ; أنَّك لن تعرف ، قبل أن تبلغ مشارف الفردانية ، بتفريد التوحيد .). طيب ، جميل ..لكن كيف للعوام أن يفردوا التوحيد، أو يبلغوا مشارف الفردية ورؤوسهم مليئة بالخُرافات ، ومُتْخَمة بالأساطير ..?!! . نعم. هنالك إله ، هناك عقلٌ حكيم وراء هذا الكون ويُدَبِّر الأمر .لكن ما غفلَ عنه محمود هو أنَّ المسألة الجوهرية هي أن نُكَوِّن عن هذا الإله وعن جلالِه فكرة صحيحة لائقة به ، ونقدمها كشكل صحيح للتقوى لا يلجأ إلى الخرافة والذبائح والعرَّافين والملائكة والشياطين والأنبياء الكذبة. بل تصوُّر يقوم بأن نملك عن الإله المعرفة التي تعترف لهُ بالكمال ،وتبعد عنه الضعف والشهوات والغضب ، والرغبة في أن يُعْبَد. إنَّ الخالق الذي يطلب من المخاليق أن يعبدوه ليسَ إلهاً .من المؤسف أن يكون محمود اقتربَ من هذا المعنى ، ولكنَّهُ جَبُن ، وكانَ الأساس خاطِئاً .. فقد كتب ;( حقيقةٌ دقيقة يقوم عليها التوحيد ، وهي أنَّ الخلق ليسوا غير الخالق ، ولا هُم إيَّاهُ ، وإنَّما هُم وجهُ الحكمة العمليَّة ، عليهِ دلائل ، وإليهِ رموز .).