السودان وتشاد.. كيف عكرت الحرب صفو العلاقات بين الخرطوم ونجامينا؟    الحرس الثوري الإيراني "يخترق" خط الاستواء    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    فيتش تعدل نظرتها المستقبلية لمصر    عالم فلك يفجّر مفاجأة عن الكائنات الفضائية    السيد القائد العام … أبا محمد    اتصال حميدتي (الافتراضى) بالوزير السعودي أثبت لي مجددا وفاته أو (عجزه التام الغامض)    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    هيفاء وهبي تثير الجدل بسبب إطلالتها الجريئة في حفل البحرين    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    والى الخرطوم ينعى نجل رئيس مجلس السيادة    قبل قمة الأحد.. كلوب يتحدث عن تطورات مشكلته مع صلاح    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    وفاة محمد عبدالفتاح البرهان نجل القائد العام للجيش السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. فنانة سودانية تحيي حفل غنائي ساهر ب(البجامة) وتعرض نفسها لسخرية الجمهور: (النوعية دي ثقتهم في نفسهم عالية جداً.. ياربي يكونوا هم الصاح ونحنا الغلط؟)    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تسخر من الشباب الذين يتعاطون "التمباك" وأصحاب "الكيف" يردون عليها بسخرية أقوى بقطع صورتها وهي تحاول تقليدهم في طريقة وضع "السفة"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيطان التفاصيل!
نشر في الراكوبة يوم 05 - 04 - 2021

جرت عبارة (الشيطان يكمن في التفاصيل) The devil in the details على ألسنة الفِرِنجة كقول مأثور لا يحمل بُعداً دينياً كما يتراءى لبعض الناظرين، بقدر ما هو عبارة عن فذلكة ذات أبعاد فلسفية. وقد استخدمه كثير من (الفلاسفة الوجوديين) أمثال فردريك نيتشة وجون بول سارتر والبير كامو وآخرون. ثمَّ أصبح فيما بعد كثير المداورة بين الناس يتداولونه كيفما اتفق. ويقال للتعبير عن شيء يبدو بسيطاً وجاذباً في مظهره، لكنه ينطوي على غموض وأمور مُعقدة في مخبره. مثل لجوء طرفين أو أكثر لمفاوضات يمكن أن تكون طويلة ومُضنية أو العكس. أذكر أن الراحل دكتور جون قرنق دي مابيور كان قد استدعاه للذاكرة في المشهد السياسي السوداني عقب توقيع اتفاقية نيفاشا أو ما سُمي (اتفاقية السلام) حينما سُئل عنها، وكلنا يعلم أن الشيطان الحقيقي الكامن في تفاصيلها هم الطغمة التي كانت حاكمة، والذين اتخذوا الاتفاقية هُزُواً ولعباً لارتكاب أكبر جريمة في حق الوطن، فقاموا بفصله كما يفصل القصَّاب الرأس من الجسد. بل أن طواغيت الحركة الإسلامية كانوا على استعداد ليس لفصل الجنوب وحده، وإنما للتخلي عن أعز ما يملك الإنسان في سبيل البقاء على سُدَّة السلطة!
(2)
كان الأحد الموافق 28 مارس 2021م يوماً مشهوداً في حقبة الفترة الانتقالية الماثلة، حيث وقَّع الجنرال عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة، والفريق عبد العزيز آدم الحلو رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، إعلان مبادئ Declaration of Principles نصَّ على قضايا تاريخية هامة، كانت وما تزال مثار جدل مستمر في الساحة السودانية. ويهدف الإعلان لأن يكون منصة انطلاق لمناقشة تلك القضايا والتحاور حولها. وعلى الرُغم من كثرتها إلا أن التركيز على مسألة الدين والدولة استحوذ على اهتمام الناس، لا سيَّما وأنها تعرضت لكثير من المزايدات من جماعة الهوس الديني واتخذوها وسيلة لتحقيق مآرب أُخر، أدخلت البلاد في حروب عبثية أهدرت الأنفس والموارد. ونسبة للتعهير الذي أصاب مصطلح العلمانية فقد تحاشى الإعلان الإشارة اللفظية لها – في النصين العربي والإنجليزي – مع الاحتفاظ بمضامينها المعروفة. بل يمكن القول إن شوكتها قويت أكثر في الفقرة التي أكدت أن تلك المعاني ستُصبح جزءاً من الدستور الدائم في نهاية الفترة الانتقالية.
(3)
من قبل الدخول في الحوارات التي تقرِّب وجهات النظر، وجد الإعلان بصفة عامة ردود أفعال إيجابية كثيرة من شرائح متعددة في المجتمع وبخاصة في القضية مصدر الجدل، الأمر الذي يعد استفتاءً عليها بعد أن ملَّ الناس شنشنة يعرفونها من خفافيش الظلام. والذين ظلوا يزايدون بها حيناً من الدهر، فلا أهل مكة عرفوا شعابها ولا أصحاب الكهف استيقظوا من نومهم العميق. وقد زادت هذه القناعة في العهد الغيهب بعد أن تطاولت سنوات الأباليس. ومثلما كانوا بالأمس يفعلون، اصطفوا ليعيدوا ترديد أسطوانة مشروخة دأب الناس على سماع صريرها كلما رأوا الحبل يشتد حول رقابهم. ومن عجب هي ذات الوجوه التي سفكت الدماء وعاثت في الأرض فساد. إذ استباحوا منابر المساجد بذات اللغة الخشبية التي تبتز مشاعر البسطاء بحديث بائس، هو كالمُنبَت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.
(4)
لم تكن قضية الدين في السودان ذات طبيعة إشكالية، إلا بعد ظهور جرثومة الأباليس وحشرهم القضية في مزايدات سياسية، فاضطربت أوصال المجتمع الذي جُبل على الإسلام بالفطرة وتعايش في توادد وتراحم جنباً إلى جنب مع أصحاب الديانات والأعراف الأخرى. بل طافت عليهم أزمنة كانوا فيها كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، الدين فيه لله والوطن للجميع. أما أصحاب الرَّسّ فتاريخهم المخزي محفوظ في كتاب مسطور يدل على نفاقهم ومتاجرتهم بالدين. فالعلمانية التي ينبذونها اليوم قبلوها وهم صاغرون في مبادرة الإيغاد عام 1997م بعد أن تمنعوا عنها عام 1994م وهم يرددون (لا للسلطة ولا للجاه) لكن ذلك لا يثير دهشتي باعتبارهم محض ظاهرة صوتية كما تعلمون، ولكن عجبي يزداد إزاء الذين يستجيبون لترهاتهم. فقضية الدين والدولة يفترض أنها حُسمت في أجندة القوى الوطنية والديمقراطية منذ أمد بعيد!
(5)
فللنظر كيف عولجت بنصوص مستقيمة لا يغشاها الباطل مطلقاً. جاء ذلك في مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية (يونيو1995م) تحت بند (قرار حول الدين والسياسة):
1. كل المبادئ والمعايير المعنية بحقوق الإنسان والمضمنة في المواثيق والعهود الإقليمية والدولية لحقوق الإنسان تشكل جزءاً لا يتجزأ من دستور السودان وأي قانون أو مرسوم أو قرار أو إجراء مخالف لذلك يعتبر باطلاً وغير دستوري.
2. يكفل القانون المساواة الكاملة بين المواطنين تأسيساً على حق المواطنة واحترام المعتقدات والتقاليد وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو الثقافة ويبطل أي قانون يصدر مخالفاً لذلك ويعتبر غير دستوري.
3. لا يجوز لأي حزب سياسي أن يؤسس على أساس ديني.
4. تعترف الدولة وتحترم تعدد الأديان وكريم المعتقدات وتلزم نفسها بالعمل على تحقيق التعايش والتفاعل السلمي والمساواة والتسامح بين الأديان وكريم المعتقدات وتسمح بحرية الدعوة السلمية للأديان وتمنع الإكراه أو أي فعل أو إجراء يحرض على إثارة النعرات الدينية أو الكراهية العنصرية في أي مكان أم منبر أو موقع في السودان.
5. يلتزم التجمع الوطني الديمقراطي بصيانة كرامة المرأة السودانية ويؤكد على دورها في الحركة الوطنية السودانية، ويعترف لها بكل الحقوق والواجبات المضمنة في المواثيق والعهود الدولية بما لا يتعارض مع الأديان. (ملحوظة: سبق للكاتب انتقاد هذا البند في كتابه المُسمى/ سقوط الأقنعة – سنوات الأمل والخيبة/ أنظر ص 291)
6. تؤسس البرامج الإعلامية والتعليمية والثقافية القومية على الالتزام بمواثيق وعهود حقوق الإنسان الإقليمية والدولية.

(6)
يعد النص أعلاه توأماً لما جاء في إعلان المبادئ تحت مُسمى (الدين والدولة) والتسمية هي الاختلاف الوحيد وإن لم تكن بذي بال:
1. السودان بلد متعدد الأعراق والديانات والثقافات لذلك يجب الاعتراف بهذا التنوع وإدارته ومعالجة مسألة الهوية الوطنية
2. وإذ نؤكد حق شعب السودان في المناطق المختلفة في إدارة شئونهم من خلال الحكم اللامركزي أو الفيدرالي.
3. تأسيس دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية في السودان تضمن حرية الدين والممارسات الدينية والعبادة لكل الشعب السوداني وذلك بفصل الهويات الثقافية والإثنية والدينية والجهوية عن الدولة وأن لا تفرض الدولة ديناً على أي شخص ولا تتبنى ديناً رسمياً، وتكون الدولة غير منحازة فيما يخص الشئون الدينية وشئون المُعتقد والضمير كما تكفل الدولة وتحمي حرية الدين والممارسات الدينية، على أن تضمن هذه المبادئ في الدستور.
4. يجب أن تستند قوانين الأحوال الشخصية على الدين والعرف والمعتقدات بطريقة لا تتعارض مع الحقوق الأساسية.
(7)
في تقديري تعد مقررات مؤتمر أسمرا من أفضل ما أنتج الفكر السياسي السوداني في القضايا مثار الاهتمام، وقد وقَّع عليها آنذاك: الحزب الاتحادي وحزب الأمة والحركة الشعبية والحزب الشيوعي وقوات التحالف وتجمع الأحزاب الجنوبية والقيادة الشرعية ومؤتمر البجا والنقابات وشخصيات وطنية، أي بإجماع الأمة السودانية حينها عدا الطغمة الحاكمة. ولا أظن أن المؤتمر الدستوري سيأتي بنص يعلو على هذا بعد أن ذهب الشيطان الأكبر إلى مزبلة التاريخ!
آخر الكلام: لابد من المحاسبة والديمقراطية وإن طال السفر!!
[email protected]
الديمقراطي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.