ممارسات فاسدة ومفسدة في الخدمة المدنية للنظام البائد.. إحداهن بملفها شهادة من قيادة قوات الدفاع الشعبي بأنها كانت مجاهدة في مناطق العمليات… الميدان: قرشي عوض كشف تقرير صادر من ديوان شؤون الخدمة يتعلق بنتيجة فحص الهيكل الوظيفي بوزارة المالية، عن مظاهر التدني الوظيفي وإهدار المال العام والتمكين الحزبي وعسكرة الخدمة المدنية، ووجود لكتائب عسكرية مثل كتيبة بدر الدين محمود دفعة خزائن الأرض. كما عثرت لجنة تفكيك التمكين بالوزارة على مخزن للسلاح وملابس عسكرية تم تسليمها لوزارة الداخلية عن طريق ممثلها في اللجنة. تجاوز شروط الخدمة: ويتضح من خلال التقرير تجاوز الوزارة لشروط الخدمة في التعيين والترقي، حتى وصلت بمنسوبي النظام إلى الدرجات القيادية دون مؤهلات أكاديمية. ونتج عن ذلك وجود مدراء إدارات مهمة تحصلوا على شهادات ثانوية وأخرى متوسطة وبها نسبة كبيرة من الرسوب والإكمال دون الجلوس للامتحان. اخترنا بعضها، مع أن حملتها يمثلون 15% من الهيكل الوظيفي لوزارة المالية. مثل هذه الشهادة الصغرى والتي حصل عليها حاملها في عام 1976،ثم حصل على شهادة ثانوية (رسوب) في 1979. لكنه رغم ذلك ترقى حتى وصل الدرجة الخامسة القيادية بعد خمسة ترقيات حصل عليها بعد 46 سنة قضاها في الخدمة. وموظفة لا توجد شهادة ميلاد أو تسنين في سجل خدمتها، ولكنها حاصلة على شهادة سودانية (رسوب) بتاريخ أبريل 1976. وترقت في الخدمة حتى وصلت الدرجة الخامسة القيادية في 13/12/2013. وفق منشور شئون الخدمة رقم 4 /4 /2014. أما الحالة الثالثة فقد اعتبرها فحص ديوان شؤون الخدمة نموذج على تغيير الوضع الوظيفي، فهي قد أكملت المرحلة الثانوية دون أن تحصل على شهادة سواء أن كان رسوب أو نجاح، ولكن هذه الشهادة على علاتها غير موجودة في سجل خدمتها. ثم حصلت وهي في الخدمة على شهادة ثانوية نجاح في مارس 1991 بعد 15 سنة قضتها في العمل بلا شهادة. ونالت بكالوريوس الاقتصاد من جامعة النيلين عام 2003، والدبلوم العالي في الاقتصاد الإسلامي من نفس الجامعة عام 2005 ونالت 6 ترقيات حتى وصلت الدرجة الرابعة. وذلك في الفترة من 1986 2014. وموظفة أخرى تشغل مدير إدارة العلاقات بين القطاع العام والخاص وتم تعيينها بالشهادة الثانوية نجاح. وحصلت على البكالوريوس بعد 4 سنوات في عام 1987 من جامعة القاهرةبالخرطوم، ولكنه كان في اللغة العربية ولا علاقة له بالوظيفة التي تشغلها. كما أنها نالت ترقية للدرجة الثانية عشر اعتباراً من تاريخ 1 /1 /1998، ولكن التصديق غير موجود بملف خدمتها. وغيرها تم تعيينها بالشهادة الثانوية (رسوب)، في عام 1978.ولكنها ترقت حتى وصلت الدرجة السابعة في عام 2012. وموظفة أخرى تمثل حالة فريدة بحسب التقرير. وتبدأ مخالفاتها من عدم وجود شهادة ميلاد أو تسنين في ملف خدمتها. وإنها حاصلة على الشهادة الثانوية (رسوب) 1974. وقد تم تعيينها في الدرجة الخامسة عشر بتاريخ 22 /6 /1976. وحصلت على خمسة ترقيات أوصلتها الدرجة الخامسة في 13/12/2013. مع أن ملف خدمتها الذي تم فحصه يشير إلى إنها لم تعمل كثيراً في الوظيفة لأنها مشغولة بمهام تنظيمية ودعوية، وإنها قد تمت تجاوزات من أجلها دون أن تحس الجهة التي قامت بها بتناقضها. فتاريخ الميلاد المدون بسجل الخدمة، وهو 1 /1 /1958 لا يتسق منطقياً مع تاريخ جلوسها لامتحان الشهادة الثانوية في 1974. ويرجح الفحص أنها مولودة في أو قبل 1955 وبالتالي تبلغ سن التقاعد بالمعاش الاجباري في أو قبل 2020م. لكن هذا التناقض لا يمكن أن نجد له حلاً إلا إذا عرفنا أنها قد تم استدعاء لها من قيادة قوات الدفاع الشعبي، بتاريخ 13/3/1999 بواسطة وزير المالية الاتحادي لقوافل الجهاد لمدة ثلاثة أشهر مع الاحتفاظ بالحق في الوظيفة والمرتبات والعلاوات والترقيات والامتيازات الأخرى وفق قانون قوات الدفاع الشعبي. وتوجد بملفها شهادة من قيادة قوات الدفاع الشعبي بأنها كانت مجاهدة في مناطق العمليات منطقة جنوب كردفان ضمن لواء قافلة دعوية. وخطاب من أمينة اتحاد المرأة بمحافظة أم درمان معنون إلى وكيل وزارة المالية طالباً تفرغها بصفتها أمينة قطاع الملازمين للمساهمة في العمل السياسي والدعوي وفق ما هو مطلوب. وأشار التقرير إلى أن بؤس مؤهلاتها وتفرغها للعمل التنظيمي في خدمة النظام المخلوع يؤكدان أنها خصم على الوظيفة ولا يرجي منها شيء تضيفه. أما الآخر والذي يشغل حالياً رئيس لجنة التسيير لاستعادة نقابة وزارة المالية فإن مؤهلاته شهادة ثانوي رسوب، نالها في مارس 1990، وتم تعينه في الخدمة في عام 1976 ونال عدة ترقيات انتهت به في الدرجة السابعة. ويلاحظ التقرير أن الشهادة الثانوية رسوب التي نالها تأتي بعد 14 عاماً من تعيينه في الدرجة الخامسة عشر عام 1976 مما يعني أن تعيينه تم بشهادة أخرى وفي تاريخ سابق لتاريخ التعيين وهي بالضرورة دون الثانوي. ونموذج آخر يرصده التقرير لموظفة حاصلة على شهادة ثانوية إكمال، ولكنها غير موجودة بملف خدمتها. وهي في الدرجة السابعة وتشغل مديرة الإدارة العامة للدين والأصول الحكومية. وموظفة أخرى أكملت الثانوي بشهادة غير موجودة في الملف ومع ذلك فهي الآن مديرة الإدارة العامة للشؤون المالية والإدارية بالوزارة وفي الدرجة السابعة. والتمكين وتبديد المال العام: وكشف تقرير ديوان شؤون الخدمة اأيضاً عن ممارسة النظام للتمكين لمنسوبيه وتبديد المال عليهم بلا ضوابط. فقد تم ابتعاث موظف حاصل على بكالوريوس علوم الحاسوب من كلية كمبيوترمان، إلى إنجلترا لنيل درجة الماجستير في إدارة نظم المعلومات خلال الفترة من 7/7/2008 حتى 22/9/2009. مع التصديق له بالآتي خصماً على اعتمادات الخطة القومية للتدريب للعام المالي 2008: – علاوة موحدة قدرها 2000 دولار شهرياً. من تاريخ بداية البعثة. – الرسوم الدراسية، وقدرها (14150) جنيه إسترليني. – الترحيل جواً على الدرجة السياحية. – يستمر في البعثة لمدة لا تتجاوز العامين وفق العقد المبرم مع حكومة السودان. – تدفع الحكومة كل مصروفات سفره ذهاباً واياباً. وجميع مصروفات التعليم ونفقات المعيشة أثناء فترة الدراسة. لكن ماذا حدث؟ اتضح إن المبعوث لا يجيد اللغة الإنجليزية. وبناءً على خطاب من سفارة السودان بلندن يطلب تعديل بداية الدراسة لتكون ابتداءً من 27/9/2010 لأن المذكور سيخضع لكورس اللغة الإنجليزية لمدة عام، أفاد الأمين العام للمجلس القومي للتدريب في خطابه لوكيل وزارة المالية والاقتصاد الوطني بتعديل بداية الدراسة لتكون اعتباراً من 2/3/2009. تم تمديد البعثة بخطاب الأمين العام للمجلس القومي للتدريب لتستمر حتى سبتمبر 2011 مع مواصلة صرف كافة المصروفات والمخصصات خصماً على بند التدريب والبعثات للعام المالي 2010 وإدراجها بكشف البعثات للعام 2011. قرر المجلس القومي للتدريب في خطابه بتاريخ 28/1/2010 ضرورة عودة المبعوث للبلاد حتى يتمكن من إجادة اللغة الإنجليزية، ثم يتم النظر في أمر عودته لمواصلة الدراسة. أي بعد ثلاثة سنوات وشهرين لم ينجز الهدف الذي من أجله ابتعث. لكن رغم ذلك عاد المذكور بتاريخ 4/9/2011 (تاريخ نهاية التمديد). وأشار تقرير ديوان شؤون الخدمة إلى أن هذه الحالة تفضح هيمنة ورموز منسوبي نظام الإنقاذ وممارساتهم الفاسدة والمفسدة التي أطاحت بمبادئ العدالة والمنافسة الشريفة وتساوي الفرص في التعيين والترقي والنقل والندب والإعارة والابتعاث والتدريب… الخ. كما أنها بددت المال العام بالعملات الصعبة (الدولار والإسترليني) بمنحه لمن لا يستحق. وحرمت أشخاص مؤهلين وقادرين من الذهاب لإنجاز الهدف من البعثة بالشكل المثالي وفي زمن وجيز وبتكلفة أقل وتشريف أنفسهم وبلادهم. وداست على مبادئ العدالة وتساوي الفرص. وأشاعت روح الاحباط بين العاملين الذين لم تشفع لهم قدراتهم في نيل ما يستحقون في ظل عدم انتمائهم للنظام الحاكم. وشكلت بيئة طاردة لمن ينشد التطور والإبداع. وساعدت في انحطاط الخدمة علمياً وفنياً وأخلاقياً. وأعطت المذكور مزايا غير مستحقة يمكن أن تدخل في دائرة الثراء الحرام. وغضت النظر عن اخفاقه وضعف مقدراته وهو يتمادى في البقاء طيلة هذه المدة. وأساءت لسمعة وكرامة الوطن لأن مكانة البلد الباعث من مكانة مبعوثيه. وكرست للظلم واحتكار السلطة والثروة والموارد والمزايا بين تابعي النظام وتهميش الآخرين غير الموالين له. وأوضح التقرير أن بقاء هذا العامل في وظيفته هو اهدار لقيمة الوظيفة واحتقار للخدمة وطالب بالتحقيق في هذه الواقعة ومعرفة كل المتورطين فيها. وكشف الحالات المشابهة لها وهي دون شك ليست قليلة. وتتعلق الحالة التالية بابتعاث آخر للصين بناءً على الطلب المقدم منه لوكيل وزارة المالية والاقتصاد الوطني بواسطة مدير مكتب وزير الدولة بتاريخ 11 /8 /2008. وقد تم ابتعاثه للصين لنيل درجة الدكتوراة في الاحصاء خلال الفترة من 1 /9 /2008 وحتى 7 /9 /2012 (أربعة سنوات). كما صادق الأمين العام للمجلس القومي للتدريب على تمديد بعثته لتسعة أشهر. وتم التصديق له بمبلغ (450) دولار شهرياً اعتباراً من يوم 1 /9 /2012 باعتباره أعزب، أي أنه تمتع بمبلغ (4050) دولار عن الأشهر التسعة. وبعد عودته من الصين تم الحاقه بالمكتب التنفيذي لوزير المالية في 12/ 8 /2013. ويصف التقرير هذه الحالة بأنها تجسيد للممارسات التمكينية لاتباع نظام الثلاثين من يونيو، وتكريس احتكار السلطة والثروة وإقصاء وحرمان الآخرين. والجشع والولوغ في المال العام وإهداره لمصالحهم الشخصية. وممارسة تمكينية أخرى صاحبها حاصل على دبلوم عالي. وأشار التقرير إلى أن شهادة تقدير العمر التي تم تعينه بموجبها غير موجودة بالملف. وهناك شهادتان بالملف صادرتين بتواريخ مختلفة. ومن تاريخ نيله للدبلوم العالي في 20 /6 /2009 يفترض أنه حاصل على البكالوريوس في تاريخ سابق لهذا التاريخ بما لا يقل عن عام أو عامين بينما تاريخ نيل البكالوريوس هو 4 /10 /2016 أي أنه نال المؤهل الجامعي بعد سبع سنوات وأربعة أشهر من نيل المؤهل فوق الجامعي. وهذه مغالطة لا يحل تناقضها إلا وجود بكالوريوس آخر سابق للشهادتين يزيل الغموض ويبرر تعيينه قبل سبع سنوات ونصف من نيل البكالوريوس الذي بملف خدمته. وأوصى التقرير بفحص الشهادتين للتأكد من مدى صحتهما. كما وردت في التقرير مفارقات أخرى من على شاكلة أن مديرة إدارة التنمية القطاعية والمشروعات حاصلة على بكالوريوس آداب لغة فرنسية ولغويات من جامعة الخرطوم. وأن مديرة إدارة الشراكة بين القطاع العام والخاص تحمل بكالوريوس في علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية من جامعة أم درمان الإسلامية وشهادة خبرة من مكتب الأراضي والتخطيط العمراني بمقاطعة الرنك تفيد أنها كانت تعمل في وظيفة مفتش حسابات بالدرجة الثامنة. ومثال آخر لموظف من جنوب السودان تم تعيينه بموازنات سياسية وانهيت خدمته بدواع سياسية عقب انفصال الجنوب. ثم اعيد للخدمة بمسوغات سياسية. ويشير التقرير الي إنه ان كان من ابناء الجنوب فعودته للعمل باطلة. وإن كان غير ذلك، فتعيينه أصلاً على الوظائف المخصصة لأبناء الجنوب غير مشروع. وأيضاً توجد حالة لموظفة تم ابتعاثها إلى اليابان لمدة ثلاثة سنوات لنيل درجة الماجستير في العلاقات الدولية، ولكن لا توجد في ملف خدمتها شهادة الماجستير تلك. وغيرها تعمل في إدارة الخزنة ولكنها حاصلة بكالوريوس في التربية من جامعة جوبا. عسكرة الخدمة والمدنية وكتائب الظل: رصد التقرير وجود لقوات عسكرية بوزارة المالية اسمها كتيبة بدر الدين محمود وزير المالية الأسبق، دفعة (خزائن الارض). وتلقت هذه الدفعة تدريباً عسكرياً مدته ستة أشهر بمركز عوض خوجلي لتدريب الشرطة. ويصف التقرير هذا الأمر بالغريب في الخدمة. ولات تفسير له إلا إذا كان تعيينهم لمآرب أخرى. ويؤيد ذلك حفل التخريج الضخم الذي أقيم في 13 /5 /2015 بقاعة الصداقة احتفالاً بتخريج هذه الدفعة (مرفق الصور)، برعاية الفريق ركن حسن صالح تحت شعار: (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم). ويشير التقرير إلى أن هناك عدد كبير من هذه الدفعة أبرز شهادات خبرة بغض النظر عن صحتها مطالباً بتقديم هذه الخبرات ومنحه درجات وظيفية أعلى. ولكن شؤون العاملين آنذاك لم تستجب لمطالبهم المفضوحة.