ما أن سيطرت طالبان على كابول طفحت في الأسافير بيانات عديدة لكيانات النظام البائد، تؤيد وتساند الاجتياح الطالباني، فبرغم اختلاف حيثيات وصول التنظيمين للحكم في البلدين الا أن الجماعة البائدة في السودان اتخذت من الحدث زخماً اعلامياً لتطمين النفس، وعنصراً من عناصر السلوك التعويضي المضمد لجراحات مأساة فقدان السلطة، دون أن تعقد ادنى مقارنة بين التنظيمين، فطالبان مع تطرفها واعتمادها على مصادر تشريع ديني لا يمت الى نهج النبي عليه افضل الصلوات واتم التسليم بصلة، الا أنها لم تداهن ولم تحابي المستعمرين، ولم تذهب اليهم طالبة للحماية كما فعل الدكتاتور الاسلاموي في تلك الضاحية الروسية مع فلاديمير بوتين، وطالبان لم ترسل رئيس جهاز مخابراتها للولايات المتحدةالأمريكية لتُسّلِّم البنتاقون كل الملفات المتعلقة بالرفاق، فضلاً عن أنها لم ترمي بالسلاح ارضاً ولم تركن لحياة الدعة والراحة اتّكالاً على اموال السحت المُجنّبة، كما استكان اخوة غندور ومندور وفرفور، والأهم من كل ما سبق هو أن طالبان لم تسقطها ثورة شعبية داخلية، وانما خرجت من كابول لعدم تكافوء القوة بينها وبين الغزاة. فوجئنا ببيان صادر من حزب المؤتمر الشعبي يثمّن فيه العودة (الميمونة) لجماعة طالبان للحكم، هذا البيان يجب أن يكون دليل اثبات تجاه الجماعات الاسلاموية بالسودان، وشاهد على عملها غير الطيب ضد مشروع التغيير، وبمثابة اعتراف صريح بأن كلب الجبهة الاسلامية لا يمكن أن يترك عادة (قُعاد أُم قنقوز) – مثل بقّاري، أي أن الولاءات العالمية والقُطرية لمجموعات احزاب النظام البائد لا يمكن أن تكون جزءاً من الانتقال الديموقراطي، وأن دعاة المصالحة مع هؤلاء المتطرفين الذين هم على شاكلة مني اركو مناوي حاكم اقليم دارفور، لا يمكن أن يكونوا جسراً لوصول قافلة الانتقال لبر آمن، وهذا البيان يجب أن يكون مؤشر واضح على اساءة الأدب من قبل الجماعة البائدة التي أمنت العقاب، ولا يمكن أن يمر السودان فوق جسر العبور الذي دشّنته ثورة ديسمبر المجيدة، بينما مايزال يوجد بيننا من هم مطمئنون لعدم طائلة يد القانون لهم، فليعلم القائمون على مسؤولية تحقيق الانتقال أن اكبر تحديات المرحلة وجود مناصرين لعهد الظلام بيننا، فالحل في (البل) كما اوصانا شباب المقاومة، اولئك الوطنيون الشرفاء الذين لم يتلوثوا بداء الشقاق والنفاق. المستفاد من درس الحملة التعاطفية المثارة من بقايا التجمعات الاسلاموية مع طالبان، هو أن المواطن السوداني عليه أن يعي حقيقة واحدة فاضحة مكشوفة ومنظورة امام عينيه، وهي أن جميع الرافعين لشعار الدولة الاسلاموية المزعومة بالسودان ليسوا سوى اشخاص موالين لمشروع الدولة الخيالية العالمية والقُطرية، التي شعارها (دينه لنا وطن)، دون أن يضع هؤلاء ادنى اعتبار لمبدأ المواطنة، وفي هذا الخصوص حُق للقائد عبد العزيز آدم الحلو أن يتمسك بمبدأ العلمانية مادام موجودٌ بالبلاد من ما يزال يرى في طالبان قدوة، ومن عجيب الاخبار أن من أوائل الدول المستقبلة للمدنيين الهاربين من جحيم الدولة الطالبانية الارهابية المستجدة (كوفيد 19 الستجد)، هي دولة يوغندا قلب افريقيا النابض بالحب والحياة والتسامح وقبول الآخر، انها ارض البحيرات التي تشير كل الوثائق العلمية والآثارية والحمض نووية على أنها اصل ومنبت الانسان الأول، تخيّل يا عزيزي القاريء فسحة الأمل وسماحة الانسانية في هذه اللوحة اليوغندية البديعة!!، حضن وسط افريقيا يستقبل المذعورين من تطرف ذوي القربى القادمين من اواسط آسيا!!! للمستلبين الطالبانيين نهدي بيت شعر الاعرابي المنتمي للعرق النبوي العبّاسي، عمرو بن الاهتم التميمي: لعمرك ما ضاقت بلادٌ بأهلها … ولكن صدور الرجال تضيق، من يُخبّر عنّي طالبان بأن السعة في الصدور لا في القصور ولا في القبور، فمن عجائب الدهور والعصور أن احفاد نبي الرحمة يبنون جسور العبور نحو الملة الابراهيمية الحنيفية، بينما الممسكون باطراف الخيط ما يزالون في غيّهم يعمهون، لقد قالها احد وزراء خارجية احدى بلدان جزيرة العرب، عندما اخذت المُرسُيّون العزة بالأثم وارادوا أن يغزوا ارض مهبط الوحي الذي يتنخذونه منهجاً: (كيف لنا أن نتقبل فكرة أن هنالك احد من افريقيا يعمل على تبشيرنا بما بشّرنا به جدُّنا الأول؟!!)، على الكيزان وطالبان أن يسعيان لتحقيق طموح شعبيهما بعيداً عن صراعات بني أمية وبني العبّاس، لم يعد في الوقت متسع غير أن يبحث القادة عن رفاهية شعوبهم، فطالبان والكيزان لن يفلحا في فرض أي قانون لم يتسق مع موجهات منبعي الحضارتين الأفغاينة والسودانية. [email protected]