تعيش بلادنا لحظة مخاض جديد يتمثل في صراع سياسي في الخرطوم ونزعات مطلبية تاخذ شكلا عنيفا في الشرق وكردفان و حروب قبلية متقطعة في دارفور وغلاء طاحن في كل أرجاء السودان. صحيح أن النظام القديم يستثمر في هذه النزاعات لكن الحق يجب أن يقال أن هذه الازمات بعضها من كسب ايدينا وبعضها قضايا حقيقية رفعت الثورة غطاء صندوق (الباندورا) الخاص بها . الأزمة السياسية تظل هي نتاج حقيقي لشراكة عقد قرأنها دون إيمان راسخ بين طرفيها أنها طريق الخروج الذي يقود للانتقال الامن، لذلك ظل كل طرف فيها ينظر للاخر بريبة وبعض الاحيان ازدراء مستبطن، حيث واصل فيها كل طرف سعيه لتسجيل النقاط لصالحه والاهداف في شباك الآخر كلما سهى عن حماية مرماه. وهو ما ظهر بشكل جلي في التصريحات النارية المتبادلة عقب (أحداث 21 سبتمبر) حيث يقول عضو مجلس سيادة في حق زملائه الذين ظل يجتمع معهم لعامين وشهر انهم يخصمون من رصيده بما يعني انه لا يتشرف بالجلوس معهم ، ليقابله وصف ( نشطاء) من قبلهم للاخرين وانهم ايضا لا يتشرفون بالجلوس معهم مع لهجة امتنان غير حميد بانهم من يحمونهم ويوفرون لهم الغطاء وانهم بصدد سحبه منهم. صحيح أن بعض أصحاب نظريات المؤامرة يرون أن أحداث 21 سبتمبر مصنوعة بعناية ليقوم كل طرف بتلميع نفسه بالقدر الكافي الذي يوفر قاعدة للانطلاق لادوار ومرحلة جديدة ، فيما يرى آخرون أن كل طرف حاول استثمار الحدث لمصلحته وأهدافه الأنية والمستقبلية، فمن جهة أرسل العسكريين عدد من الرسائل في بريد الشارع والمجتمع الدولي بانهم من يحمون الانتقال ولولاهم لما صمد هذا الوضع استباقا لأي محاولة لاخراجهم عن المشهد فيما استثمر فيه المدنيين لإعادة الشارع الذي ابتعد عنهم بفعل الاقتصاد أو بفعل عدم تنفيذ مطلوبات الشارع الذي اوصلهم لمواقعهم التنفيذية الحالية ، خاصة وانهم يريدون هذا الشارع الثائر ليخوض معهم معركة المحافظة على امتيازهم السياسي الحالي بجانب معركة انتقال السلطة اليهم. وبعيدا عن معارك شركاء طاولة السلطة بشقيها الوزاري والسيادي وقريبا من النادي السياسي نجد معركة كسر عظم بجهة اعادة التموضع لاحزاب الحرية والتغيير شركاء الثورة خصماء الدولة الحاليين، للحصول على مكاسب تقود لوجود مريح داخل الحكومة ما قاد لأن يكون لدينا تحالفات عديدة : 1. المجلس المركزي للحرية والتغيير ( حزب الأمة وحزب البعث والمؤتمر السوداني وحزب التجمع الاتحادي والحركة الشعبية/عقار و حركة التحرير / الهادي ادريس وبعض القوى مثل حركة حق الخ 2/ اللجنة الفنية وعلى راسها حركة التحرير مناوي وحركة العدل والمساواة وحزب البعث قيادة وداعة /الحسين وبعض القوى مثل تحالف العدالة قيادة اردول والحركة الشعبية قيادة جلاب وبعض القوى التي لا ترى الا بالمجهر السياسي 3/ الحزب الشيوعي وحلفائه من القوى التي افرزتها الثورة مثل تجمع المهنيين و لجان المقاومة والتنظيمات المطلبية 4/ الحركات غير الموقعة على السلام مثل الحركة الشعبية قيادة الحلو وحركة تحرير السودان قيادة عبدالواحد. وبعيدا عن هولاء تجد شركاء الحكومة السابقة مثل الاتحادي الاصل والمؤتمر الشعبي وحركة الإصلاح الآن قيادة غازي صلاح الدين. ولو اعدت البصر كرتبن ستجد أن هذا الواقع شبيه بما كان عليه الحال سنوات ما قبل سقوط البشير ، من جبهتين ثوريتنان وقوى اجماع ونداء السودان ، لكن جميع هذه القوى توحدت عندما بدأ الشارع في التحرك توحدث هذه القوى على ظلال نيران حرق دار حزب المؤتمر الوطني في عطبرة، على الرغم أن كثير من المراقبين كان يرى أن هذه القوى من الصعب أن تتوحد ولكن نجح تجمع المهنيين الذي كان يضم عدد من الديمقراطيين في تحويل مسار طريقه من المطالبة بتحسين الاجور إلى مسار إسقاط النظام برمته. صحيح أن واقع التشرزم شهر ديسمبر قبيل السقوط هو نفسه واقع التشرزم الماثل الآن، لكن تجمع المهنيين ليس هو تجمع المهنيين بعد أن ضربه فايروس الانقسامات، على الرغم أن الواقع يحتاج للوحدة من أجل إكمال خطوات الانتقال في الرقعة السياسية للوصول لخطوة كش ملك وإنهاء القيم بالانتخابات والتي تبقى لها نحو عامين وبدون هذه الوحدة والتوافق على برنامج حد اوسط وليس أدنى من التفاهمات لاكمال الشوط الثاني من مباراة التغيير المصيرية لشعبنا. وهذا الواقع ادعى للعمل نحو إعادة النظر في التحالفات هذه وبناء كتلة انتقال ليس على طريقة(اولاد الاتحاد الاوروبي) ولكن على طريقة (لالوب) بلدنا وهي الفرصة الثانية لبناء تحالف انتقال صلب يحمي الثورة بشكل حقيقي وهو واجب القوى الديمقراطية وفرض عين على كل ديمقراطي قلبه على هذا الانتقال ليصل إلى نهاياته بدلا من أن تذهب القوى الديمقراطية لشراء سمك في بحر الإسقاط بسنارات العمل الدؤوب. يتيح دخول الديمقراطيين في لحظة التشرزم هذه والخلخلة التي وفرتها أحداث 21 سبتمبر الماضي ، فرصة ثانية لتصحيح المسار وهو الاقل كلفة من الذهاب في طريق التغبر الجزري الذي يحتاج لسنوات أن لم تكن عقود ستكون ملئية بالدماء، وتضيع فرصة تغيير مسار الثورة الحالي نحو الانتخابات التي هي الآن في خطر حقيقي. على القوى الديمقراطية الدخول بقوة وبطريقة مبتكرة بجهة اعادة الاصطفاف تحت اسلوقان #انتخابات_بس خاصة وان الانتخابات ومفوضيتها والتعداد السكاني واكمال عملية السلام والمجلس التشريعي و هياكل حماية التحول من المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للنيابة والمجلس الأعلى للقضاء وهي كلها قضايا يمكن أن تجد لها راغبون في الاصطفاف الجديد تحت رايتها ليس من القوى الحزبية أو من لجان المقاومة بل حتى بين المواطنيين غير المسيسين الذين كان لهم القدح المعلى في حراك ثورة ديسمبر. تجاهل هذه الفرصة سيضيع الكثير على بلادنا حال تجاهل هذه الفرصة الأخيرة لانتخابات حرة ونزيهة تضع بلادنا قدميها في طريق التداول السلمي للسلطة. فهل تغير القوى الديمقراطية من خط سيرها ام تواصل في سياسة إهدار الفرص . عمار عوض كاتب صحفي سوداني