يحرس جنود أتراك ضريح سليمان شاه جد عثمان الأول مؤسس الامبراطورية العثمانية، وذلك بموجب معاهدة عقدتها أنقرة عام 1921 مع فرنسا التي كانت سورية واقعة تحت سيطرتها الاستعمارية وقتذاك. إنها رقعة صغيرة من تركيا في عمق سورية الممزقة بأعمال العنف لكنها ضريح مبجل يحرسه جنود اتراك. وظل ضريح سليمان شاه جد عثمان الأول مؤسس الامبراطورية العثمانية محروسا بوحدة من الجنود الاتراك حتى في وقت تتصدر تركيا الإدانات الدولية للنظام السوري بعد اقدامها على غلق سفارتها في دمشق مطالبة بتنحي الرئيس بشار الأسد. وكان قليل من المسافرين والسياح يزورون الضريح حتى قبل حملة البطش التي اطلقها النظام لإخماد الانتفاضة منذ ما يربو على عام. ولكن المرقد الذي ينتصب على نهر الفرات كان موضع اعتزاز كبير عند تركيا التي تعود حقوقها فيه الى معاهدة عقدتها عام 1921 مع فرنسا التي كانت سورية واقعة تحت سيطرتها الاستعمارية وقتذاك. وتجيز المعاهدة التي وقعت بعد انهيار الامبراطورية العثمانية وتقاسم ممتلكاتها بين القوى الكبرى حينذاك، إبقاء جنود اتراك يحرسون الضريح الذي يعتبر ملكية تركية، ورفع العلم التركي عليه، واستمر العمل بالمعاهدة بعد استقلال سورية. ونقلت شبكة «سي بي اس نيوز» عن ضابط تركي طلب عدم ذكر اسمه «ان جنودنا مازالوا هناك وليست هناك مشكلة على الاطلاق». ولكن القضية تتسم بحساسية بالغة الآن إذ تعمل تركيا وحلفاؤها الغربيون والعرب على اسقاط النظام السوري ودفع المعارضة السورية، بما فيها الفصائل المسلحة، الى توحيد صفوفها. وفي حين أن دمشق لم تتدخل في عمل الجنود الاتراك الذين يقدر عددهم باثني عشر جنديا، فإن انعدام الاستقرار المتزايد في سورية يمكن أن يسبب مشاكل لتقليد عريق يتحدى حقائق السياسة بعناد. ولم تطلق سورية أي تصريحات علنية عن الجنود ربما لحسابات مؤداها أن أي اجراء ضدهم وخاصة في موقع زاخر بالدلالات الرمزية الاسلامية لن يحقق لها مكاسب سياسية بل يهدد برد من جارتها القوية، وامتنعت قيادة الجيش التركي عن التعليق لوكالة اسوشيتد برس في مؤشر الى أنها لا تريد وضع الضريح في دائرة الضوء وسط الفوضى السورية. وقال الخبير بالشؤون السورية في المنظمة الدولية للأبحاث الاستراتيجية في انقرة عثمان بهادر دينجر: «إن هذا خطر من نوع ما يواجه تركيا، وإذا اراد أحد حقا أن يجر تركيا الى المشكلة فإنه يستطيع أن يستخدم هؤلاء الجنود من باب الاستفزاز». وما يعنيه دينجر هو وقوع اعتداء أو تحرش بالجنود الذين يحرسون الضريح المسيج على شريط من الأرض ناتئ في ماء الفرات قرب قرية قره كوزاك على بعد 25 كلم من تركيا، وغالبية الذين نزحوا عبر الحدود استخدموا طرقا تقع غرب القرية، ومازالت القنصلية التركية في حلب جنوب غرب قره كوزاك مفتوحة. ويناصب مؤيدو الأسد تركيا عداء شديدا لاسيما أنها لوحت بإقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية إذا تردى الوضع الأمني في المناطق الحدودية، ويأمل بعض الناشطين المناوئين لنظام الأسد أن تتوصل قوى خارجية الى قناعة بضرورة التدخل عسكريا لانهاء الأزمة. وتبين الصور الفوتوغرافية التي التقطت للضريح في السنوات الأخيرة وقوف حراس منتصبي القامة يتنكبون البنادق على باب الضريح، وتخفق الاعلام التركية على المرج الأخضر الأنيق. وتتولى كتيبة تركية تتمركز قرب الحدود السورية تدوير الوحدات التي تحرس الضريح، وليس هناك ما يشير الى أن هذه العملية تعطلت رغم التوتر بين الجانبين. إذ دعت تركيا مواطنيها الى مغادرة سورية وكانت بعثاتها الديبلوماسية هدفا لاحتجاجات غاضبة قام بها متظاهرون مؤيدون للأسد. وكانت تركيا نقلت الضريح المقدس في الوجدان الشعبي التركي الى موقعه الحالي بموجب اتفاقية وقعتها مع سورية في السبعينيات لأن الموقع السابق في قلعة الى الجنوب كانت ستغمره المياه بسبب إنشاء سد جديد. وزار الضريح في العام 2006 سونور كباباتي الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الذي وصف زيارته بالسوريالية. وقال كباباتي إن الأرض المحيطة بالضريح أرض قاحلة ليست فيها بلدات بل قرى مبعثرة هنا وهناك. وتعين عليه أن يبرز جواز سفره لدخول الضريح وكان الملل باديا على وجوه الجنود ولاحظ أن القلائل الذين يوقعون سجل الزيارات هم في الغالب من الاتراك أو مهاجرون ذوو اصول تركية من المانيا واذربيجان والولايات المتحدة وبلدان أخرى. ونقلت شبكة سي بي اس نيوز عن كباباتي وصف الضريح بأنه «معلم سياحي مصغر، كأنه ماض اسطوري ففي هذه الرقعة بدأ كل شيء بالنسبة للاتراك ولتركيا». ويقال إن سليمان شاه غرق في نهر الفرات في القرن الثالث عشر، وان اتباعه توجهوا شمالا الى ما اصبح تركيا حيث اقاموا الامبراطورية العثمانية. ويشك بعض المؤرخين في الروايات الرسمية عن ضريح شاه قائلين إنها ربما لفقت لاحقا لإثراء هوية تركية امبراطورية ثم هوية وطنية. وكان مصطفى اتاتورك مؤسس تركيا الحديثة رفض التراث العثماني وفرض رؤية علمانية ذات توجه غربي مازالت موضع سجال حتى اليوم. وقال كباباتي إن الأهمية الجديدة التي اكتسبها الضريح في بلد يمزقه النزاع تجعله أعمق مغزى من أي وقت مضى منذ نهاية الامبراطورية العثمانية.