تقدم الشاعرة الكويتية غنيمة زيد الحرب في مجموعتها "امرأة الشعر" قصائد يحفل معظمها بتجارب مؤثرة، تقدم فيها التقاطا للحظات هنيئة في الحياة وتصور لنا فعل الزمن فيها بإيحاء ودفء. وترسم الشاعرة فعل الزمن من خلال لحظات او مشاهد محددة، تنطلق منها من الحسي المحدود الى الانساني الواسع بل الشامل، وتغور احيانا في لحظات من الحياة تلتقط من خلالها لحظات هنيئة وانعكاسات في النفس ازاء احداث تبدو لنا بسيطة عادة، قبل ان تلتقطها الشاعرة وتحولها الى حالات نفسية عميقة وإلى نظرات عميقة في الحياة. جاءت المجموعة في 159 صفحة من الورق الصقيل المتوسط القطع وقد وزعت مع كتاب من إصدار (عالم المعرفة) في الكويت. وقد نال الديوان جائزة الدولة التقديرية والتشجيعية للشعر بالكويت. تقدم غنيمة زيد الحرب لمجموعتها بقصيدة قصيرة تلتقط فيها التحول الذي يصيب الانسان فينقله من حالة توتر شعري وجداني الى عالم الواقع العملي الذي يبدو بعيدا عن الشعر. انها النفس البشرية التي تجعلها امور وحالات مختلفة تتأرجح بين وضع وآخر، وقد يبدو الوضعان مختلفين بل متناقضين احيانا. في قصيدة "امرأة الشعر" التي اعطت اسمها للمجموعة تقول الشاعرة "تبتعد امرأة الشعر/ لتقبل امرأة اخرى/ ما بين الشعر وعينيها/ سنوات - غياب – ضوئية". وقصائد المجموعة موزونة مع تعدد في الاوزان والقوافي على غرار ما عرف باسم الشعر الحديث قبل ان تدخل في هذه التسمية قصيدة النثر. وفي قسم من قصيدة "حكاية عروس البحر" تقول الشاعرة "تفيق عروس الرياحين من سكرة العرس/ تبحث عن فارس الامس/ لا شيء في صدر هذا الصباح/ سوى سكتة الشمس/ لا شيء في رأس هذا الصباح سوى موتة الحس/ لا شيء في ذهن هذا الصباح/ سوى هلوسات الظنون/ وقلب ترأس وفد الجراح. وينتفض البحر في ساعد الاسر/ يسأل عن حبه البكر/ لا شيء في كف هذا المساء/ سوى رعشة الغدر/ لا شيء في فك هذا المساء/ سوى لكنة الخمر/ لا شيء في ثغر هذا المساء/ سوى ثرثرات المجون/ تصيد من البحر انشودة الكبرياء". وفي قصيدة "بين الشفاه وبين المطر" نشيج مؤثر يفيض بحزن ذي عبق يقتحم النفس بهدوء. تقول "يطول الزمان الذي/ حال بين الشفاه/ وبين المطر/ آه لو تمطرين/ تعج المسافات باللغط الغث/ والهمهمات/ وتطوى بقعقعة الاغنية.../ تغلغلت كي ابعث الضوء/ في الياسمين/ آه لو تبعثين". وتصور الشاعرة في قصيدة "موتى احياء وأحياء موتى" عالما من الرحيل والاسى في رمزية وصور يقوم فيها العاطفي بإذابة الفكري ودمجه في عالمه. تقول "يساقون نحو الغياب/ كشمس على شفة الهاوية/ تقاوم حينا/ وحينا تموت/ وأما قناديل ايامهم/ فتبقى تضاء/ وقد لا تضاء/ فمن ذا الذي يقرأ الراحلين". وتختم في تصوير جميل على ما فيه من حزن لحياة كأنها تستمر على عاديتها في انتظار الموت. تقول "تململ ليل الارق/ بموتى لهم سحنة من فراغ/ يروحون يغدون/ يعتركون/ يغوصون في غسق الموت/ لكنهم يأكلون/ ويبنون ايامهم/ من دخان/ ويمضون/ لا شيء في جيب اكفانهم/ سوى حفنة من ذنوب". تحملنا غنيمة زيد الحرب في رحلة داخلية الى اعماق النفس.. الى ذلك الكهف العميق لكنه عند الشاعرة عالم من السلام والطمأنينة. تقول "أخذتني/ وكان النهار على وشك الارتحال/ جذبتني الى مدخل الكهف/ قالت تعالي/ فأسلمت للريح كفي/ دخلت/ هبطت السلالم/ كانت مذهبة/ فشاهدت شمسا بقاع المكان/ وللشمس رائحة/ مزيج من التبن والاقحوان/ وللشمس بوح السنابل /دوزنت اوتار قلبي.. عزفت/ تماهيت بالنغم المعطر غبت/ وعدت كما ولدتني الطبيعة/ لا شيء في الصدر/ غير السلام". ففي قصيدة "المظلة" قصيدة صغيرة جميلة تلتقط فيها الشاعرة بعض لحظات الحياة الهنيئة. في الهامش شرح جاء فيه انها كانت وزوجها في احدى المدن الاوروبية حين هطل المطر. انها تحول حدثا عاديا الى هنيهات من السعادة تقول "اتذكر ذات مطر؟/ وكنت اخبئ تحت المظلة رأسي/ خطفت المظلة طرت/ فطرت وراءك خوف الغرق/ ولكننا غرقنا سويا/ ببحر من الضحكات". وفي "الدمية" تصوير لتغير العالم حولنا واكتشافنا المؤلم ان ما كنا عليه تغير. عالم يتغير وزمن يسبقنا ونفاجأ ونحزن عندما نكتشف ذلك. تقول "تركت ذات يوم/ دميتي هناك/ واليوم فجأة/ رأيتها/ لكنها قد انكرت ملامحي/ تأبطت ذراع طفلة غيري وأدبرت". وفي قصيدة "الحافلة" تصوير لسعي الانسان الذي قد لا يصل الى هدفه بل قد يجد انه عمليا اضاع طريقه، ولم يعد يعرف الى اين تأخذه الدروب. قالت غنيمة زيد الحرب "كنت في الحافلة/ وحين الطريق ترنح من تحتها/فمالت يمينا/ ومالت شمالا/ ومادت بها الارض/ حتى استوت/ وحين استقرت/ وألقت بأثقالها/ هبطت.. ولكنني/ اضعت المحطة/ عبر الطريق". أما في قصيدة "الشارع" فيتحول الشارع الى رمز للزمن الذي يبتلع كل شيء مع مطره المتساقط كما تبتلع امواج البحر خطوات المحبين في قصيدة جاك بريفير التي يغنيها ايف مونتان. تقول "ايها الشارع/ يا نهرا من الاسفلت يجري/ سوف تنسى وقع اقدامي/ وتمحو .. اثري الامطار/ اذ تهمي عليك". ميدل ايست أونلاين