عندما قال الفيلسوف والشاعر الألماني شيلر أن مهمة الفن هي القضاء على حالة الإغتراب، شعرت مبدعتنا أن ذلك الفيلسوف يوجه حروفه تلك إليها، فجاءت من بلاد الخليج تبحث عن الجزور بداخلها، عن الملامح التي افتقدتها ردحا من السنين، جاءت تحمل ألق الوانها، وبعض أشواق متراكمة، وكل تداعيات التوهج، فأختلجت لوحاتها بصوت انتمائها لتراب هذا الوطن، فأنطلقت بنا الى عوالم بصرية جمالية سودانية بعيون خليجية التربية، فرأينا الاشراق جليا في الوانها، والتكوين اللامتناهي في أفق أعمالها، انه البحث عن ماهية إبداع صادق، فأهتمت بالواقع تقريرا في الرسم والتلوين، حبا في الرجوع الى الملامح السودانية، نستطيعُ أن نشمَّ رائحةَ المكان والزمان والأشياءِ ونثرياتها النفّاذة والحارّة، بل إننا في أحيان كثيرة نوَدُّ لو نُربّت فوق ظهر الكلمات، عَلّنا َنتَحسَّس مَلمسَها الغَضّ، وإيقاعَها السهل، والنفاذ في الأشياء واضطرام الأحداث أو نصوصها، لإبرازها في صورة لافتة، وهي تعتبر إمتداد لسلسلة الإشعاع التشكيلي السوداني المتفرد، انها الفنانة التشكيلية إيثار عبد العزيز، اقتربنا منها ببعض الاسئلة، فدلتنا حروف ملونة، اذا فلنقرأ افاداتها. ٭ المشاهدات الأولى فى حياة إيثار ودورها فى تشكيل لوحتها الداخلية؟ - فأنا نشأت وترعرعت في سلطنة عمان، هذا يعني إن مجموعة مشاهداتي البصرية كانت تنحصر في القلاع و الحصون الموجودة بكثرة في سلطنة عمان، وأشجار النخيل والتمر، وبعض الحيوانات مثل الإبل بالإضافة الى مظاهر الرفاهية الموجودة في الخليج، والى أشياء قريبة من ذلك، فمن البديهي أن تجئ لوحاتي الأولي متضمنة تلك المواضيع، ولكن بعد أن عدت الى السودان للدراسة بكلية الفنون، ترامت أمامي الخيارات والمواضيع، فبدأت بالإشتغال على الفلكلور السوداني، لما به من ثراء وتنوع، وجماليات أخآذة. ٭ الانتقال من بيئة الى اخري دائما ما يكون مصحوباً بالكثير من الصعاب، كيف تغلبتي على هذا الامر؟ - هذا حقيقة، ففي بداية فترتي الدراسية بالسودان واجهت صعاب لا حصر لها، أصغرها كانت مشكلة اللهجة، ولكن مع مرور الوقت، وتعاون الزملاء والاصدقاء بالكلية والاهل والاقارب والاحتكاك، تعرفت على الكثير من العادات السودانية، واذكر إن د. أحمد عبد العال قد سألني مرة عن اي أنواع الشعر الذي أفضل أن اسمعه؟ فكانت إجابتي الشعر النبطي، فقال لي لماذا لا تحاولين سماع الشعر السوداني؟ وقام بعد ذلك بتوجيهي الى بعض المكتبات وأعطاني عناوين عدة كتب سودانية، فبدأت أتسودن من الصفر وأذكر انني في رحلات الكلية، كنت حريصة على الجلوس مع الحبوبات، وعلى التعرف بتفاصيل الحياة السودانية عن قرب، وكنت حريصة على شراء الاكسسوارات الشعبية والحلي، وأن اتعرف على اسمائها، فتعرفت على البخسة، الودع، طبق الفاشر، الفروة، السوليت، المسكت، حبل الرخيمي والكثير من الاشياء الجميلة، كذلك كنت احاول أن اجمع واحفظ أكبر قدر ممكن من الأمثال السودانية. ٭ إذا عدنا إلى لوحتك الأولى كيف تبدو لكي الأن؟ -- بالرغم من انني انسانة كثيرة الرسم، الا انني لا أتذكر تفاصيل لوحتي الاولى، ولكنني أتذكر جيدا أول بروتريه رسمته كان للفنان السعودي عبد المجيد عبد الله، وكنت قد رسمته في غلاف إحدي كراساتي المدرسية. ٭ تسمية اللوحة، هل هي ضرورة ؟ -- في رأي تسمية اللوحة المباشرة غير ضروري، لأنها تحمل اسمها من خلال نوع العمل او الموضوع المنفذة عنه، مثلا لوحة لمنطقة معينة او لشارع ما، او لوحة لاي مكان طبيعي، كل هذه الموضوعات في اعتقادي لا تحتاج الى اسم، لانها تكون معروفة بالضرورة ومعرّفة، اما اللوحات التي يمكن أن تحمل اسم معين، هي اللوحات التجريدية او السريالية، التكعيبة ...إلخ ال(abstract art) عموماً ٭ الأمكنة وبريقها تحتل جزء كبير من ذاكرة المبدعين، فماذا عن سلطة عمان؟ -- سلطنة عمان هي وطني الثاني، عشت فيها كل فترة طفولتي، ودرست كل المراحل الدراسية بها، وهي تمثل لي الكثير، وحتي في بداية فترة الجامعة هنا بالسودان، كنت متعلقة بعمان بصورة كبيرة جدا، وكنت أنتظر فترة إجازة السميستر بفارق الصبر، لأعود الى عمان، ولكن وفاة الوالد وانا في المستوي الثالث بالكلية، شكل لي نقطة تحول في حياتي، واصبحت اتجنب الحديث عن سلطنة عمان، لأنها تذكرني بشخص عزيز لدي فقدته فيها، وبعد ذلك تأقلمت على الحياة السودانية، وذلك بفضل الاسرة والاصدقاء، ولكن لا أزال أحتفظ بالعديد من الصداقات والعلاقات الجميلة في سلطنة عمان وهي ممتدة الى الان. ٭ ما هو دور المشاهدات البصرية والمخزون النفسي في اثراء اللوحة عند إيثار؟ -- تلعب الزخيرة البصرية دورا كبيرا في تشكيل اللوحة، فهو الاساس الذي يقوم عليه العمل الفني، ولا بد من مشاهدات واقعية، ومن مخزون فكري ومعرفي ومعاناة تجاه هذا المخزون، أي يجب أن يكون لديك تجارب تعتمد عليها لطرح مكنونات أفكارك ورؤاك، فالإبداع الحقيقي هو أن تعطي ما يجول بخاطرك ودواخلك لا أن تنقل الواقع كما هو، فتقديم الواقع كما هو لا يعطي شيئاً جديداً، لكن أن نبدعه بما تراه أرواحنا، أعتقد أن هذا هو الفن، فالواقع يقدم مطبوعاً بذاتية. ٭ الانماط التشكيلية بصورة عامة، هل تنتمي إيثار الى نمط تشكيلي معين؟ -- أنا لا أحبذ أن احصر تجربتي في نمط وأسلوب تشكيلي معين، وبالرغم من أن الكلية تقدم محاضرات ودروس بالإضافة الى الاشتغال على أغلب أنواع المدارس الفنية، الا أن حرية التنقل بين تلك الاساليب يعود للتشكيلي، لأن فكرة التمييز على هذا النحو تضيّق من فرص التجريب المفتوح على خيارات واحتمالات لا نهائية، فألاسلوب الخاص هو في النهاية احتمال في مسار الاكتشافات التي يحققها الفنان، والتحلل من قيده يفتح الباب امام اساليب متنوعة. ٭ هل من الضروري أن يشرح الفنان التشكيلي عمله الفني لشخص من عامة الناس؟ -- أرى انه من المهم أن تقرأ لوحتك لشخص لعامة الناس، لكي يعرف ماذا في هذه اللوحة، وماذا تعني، والا كيف سيتعرف على العمل او اي عمل اخر، وهنا يأتي دور الفنان في طريفة إيصال مفرداته و مضمون العمل الفني بجميع أبعاده للمتلقي بصورة سلسة. ٭ خامات تفضلها إيثار في تنفيذ لوحاتها الفنية؟ -- أنا استخدمت أغلب انواع الخامات في تنفيذ لوحاتي واعمالي الفنية، لكن تستهويني الالوان الزيتية، والوان الاكليرك. ٭ هل يستطيع الفنان أن يعيش من أعماله؟ -- بالتأكيد لا يستطيع، وخصوصا في السودان، وأبسط مثال على ذلك، اذا اعطيت اي شخص تذكرتين احداهما لمعرض تشكيلي والاخر لحفل غنائي لفنان مغمور، فأنه غالباً يفضل الذهاب الى الحفل الغنائي على المعرض، فالانسان السوداني ذائقته البصرية متأخرة عن ذائقته السمعية. ٭ إذن لماذا كل هذه الامية البصرية؟ -- إذا اعتبرنا أن الامية البصرية هي عدم القدرة على التمييز ما بين ما هو مرتب وما هو غير ذلك، وما هو جميل وما هو قبيح، وما هو متناسق وما هو غير ذلك، وما هو أصيل وما هو عشوائي، في اعتقادي البسيط ترجع الامية البصرية عندنا الى عدم الاطلاع، وعدم تدريب العين على تذوق الجمال، هذا لا يعني بالضرورة أن السوداني لا يتحسس مواطن الجمال، لكنه لا يتذوقها ولا يقف عندها. ٭ ماذا عن تجربة التدريس في مركز راشد دياب للفنون؟ -- تجربة التدريس هي من التجارب التي أعتز بها في مسيرتي الفنية حتى الآن، وأول لقاء لي مع الدكتور راشد دياب كان في ورشة عن مرض الايدز بمركزه بالجريف، وحينها كنت في المستوي الثالث في كلية الفنون، وفي ذلك الوقت رأي عملي في الورشة وشجعني على الاستمرار، وبعد ثلاثة شهور من التخريج اقمت معرض لأعمالي، وكأن ان رأها دكتور راشد، فدعاني وعهد لي بتدريس مادة الرسم والتلوين وأعمال يدوية فنية وتعليم فن الكولاج للاطفال بمركزه ضمن دورات الكورس الصيفي للمركز تحت عنوان « لغة الالوان » في مايو 2009م، وكذلك في مايو 2010م وكذلك قدمت ودرست للاطفال اللاجئين محاضرات نظرية وعملية في الرسم والتلوين وعن معنى الأمان والوطن والبيت لصالح الاممالمتحدة (UN) وبإشراف الاستاذة ساره أبو، وذلك بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للاجئ، وبصورة عامة إستفدت الكثير ٭ الى اي مدي تمنحين التجريب حريته في إكتشاف اللغة التشكيلية التي تصوغ عملك الفني؟ -- التجريب في العمل الفني أمر لابد منه، والا لأصبح ما نقوم بعمله من لوحات هي مجرد تكرار وإستنساخ وعلي الفنان أن يجترح طريقه بجرأة، لأكتشاف عوالم لونية جديدة، اما عن علاقتي بالتجريب، فهي قد بدأت منذ السنة الاولي بكلية الفنون، في ذلك الوقت أحببت فن الكولاج، وأتخذته كمشروع للتخرج، وفيه استعنت باشياء بسيطة من بيئتنا التقليدية، مثل الشعر، الحلق، السكسك و الاقمشة، وهي اشياء متوفرة، من خلال تجربة الكولاج لمست النتيجة من الناس وزوار معرض التخريج، لأنها رسالة بسيطة تخاطب شرائح متباينة من الناس، فيها المتعلم، الجاهل، المزارع البسيط والتاجر ....الخ، فأنا أرسم للجميع واخاطب الكل، وأريد أن يجد كل شخص شئ يحبه في لوحاتي، شئ يلمس مواضع الجمال فيه و يحركه، وهذا من أبسط ادوار الفنون تجاه المجتمع، بألأضافة الى تنمية التذوق البصري. ٭ إلى اى مدى استطاع الفن التشكيلي أهميته مد جسور التعارف بين الشعوب والتعريف بحضاراتها؟ -- الفن التشكيلي من ضرورات المجتمع لبناء فضاء الجماعة البشرية، بكل احتياجاتها الحسية والفكرية، وحاجة من احتياجات الفرد، فهو موجود فينا، فما بين الحاجة الى التعبير عن وانفعالات حياتية، والحاجة الى البحث والتفكر أو البناء والتركيب، نجد الفن التشكيلي حاضراً يجمع الجانبين «الحسي والفكري» في آن واحد، ثم لا ننسى الجوانب العملية في الصياغة واستخدام الخامات، وأخيراً الجانب الفني الاقتصادي، كل هذه الأمور تدخل في حساب الممارسة التشكيلية، وما يطرحه التشكيل من مفاهيم. فيما يتعلق بالتعارف وتقارب الشعوب، يلعب الفن التشكيلي دورا بارزا ونشطا في تعزيز القيم الإنسانية على الصعيد العالمي، بوصفه النشاط القادر على تفعيل التواصل والتقارب بين شعوب العالم قاطبة، وتبادل الرؤى والثقافات والمعلومات والمعارف، عندما خلق نوعا من التعاطي والحوار، وبات يشكل معولا هاما في كسر الحواجز وتخطي العقبات وإزالة الحدود، ويأتي بروز هذا الدور بوصفه لغة قادرة على التخاطب والوصول إلى الوجدان، فلقد رسم الإنسان قبل أن يتكلم، وأصبحت اللوحة الفنية وسيطا للتفاهم والتفاعل، بلغة قادرة على الفهم والإدراك. ٭ كيف تنظري للمسابقات التشكيلية في الفعاليات الثقافية؟ -- المسابقات التشكيلية هي في اعتقادي نشاط يحرك الساحة التشكيلية مما يدفع روح المنافسة ويعمل على خلق نوع من التحدي بين التشكيلين، مما يساهم في إنتاج لوحات تشكيلية في مستوي عالي من الجودة، وانا لدي تجارب جيدة في هذه المسابقات، اذ سبق أن نلت المركز الأول في ورشة بيت التشكيليين بالرياض بعنوان «رسالة إلى مغترب» برئاسة الفنان التشكيلي الاستاذ. محمد محمد صالح في العام 2007م وكذلك فزت بالمركز الثالث في مسابقة التدخين «ضمن احتفالات اليوم العالمي لمكافحة المخدرات» وكان التكريم بدار الرياضة ام درمان برعاية سعادة اللواء الدكتور. أحمد عوض الجمل رئيس لجنة مكافحة المخدرات وكان ذلك في أغسطس 2009م وايضا نلت المركز الثاني من بين التشكيلين المحترفين في ورشة الايدز التي نظمتها منظمة إيداز بجامعة الاحفاد في سبتمبر2009م، كما توجد لي لوحتين في مجلس الوزراء أقتناهما السيد الوزير كمال عبد اللطيف. ٭ توقير وصال ضياء الدين، مركز راشد دياب، ديوان أحمد عبد العال، صالة فتحي محمد عثمان، واخيرا رأينا قبل مدة ليست بالطويلة مركز عزيز غاليري ايثار؟ مركز عزيز غاليري للفنون هو حلم حياتي، وسميته مركز عزيز غاليري تيمناً بوالدي عبد العزيز، أنشأته في 1 يونيو 2010م، وهو مركز خاص ومشترك مع الفنان الدرامي معتصم مصطفى و بالتعاون مع الفنان النحات بكري الفل وفنانين آخرين شباب، ويحتوي المركز على ثلاثة اقسام، قسم الرسم والتلوين والتصميم، قسم الاعلام والبرامج الترفيهية قسم النحت والديكور وأعمال الجبص. فالمركز يقوم بأستضافة وتنفيذ المعارض التشكيلية، كما يوجد به قسم لتصميم البوسترات وأغلقة الكتب وتصميم كتب الاطفال والقصص الكرتونية، وتنقيذ واعداد مهرجانات الاطفال والتخاريج. لوحة الختام. أشكر كل من علمني حرفا، وكل من وقف مع في مسيرتي الفنية الى الان، واخص منهم على سبيل المثال لا الحصر، الدكتور المرحوم حمد عبد العال، راشد دياب، الاستاذ شرحبيل أحمد، الاستاذ سيف اللعوتة، الاستاذ عمر درمة، وكل الاساتذة و الزملاء في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية، ولا انسي الاسرة الكريمة والاصدقاء، كما أشكر صحيفة «الصحافة» على هذه السانحة الجميلة وأتمني لها دوام الازدهار. ٭ قالوا عن ايثار هي فنانة قديرة، تختار مواضيعها بوعي وتعطي لوحاتها صورة ناطقة عندما تضيف اليها مواد مثل الشعر والقماش وغيره، انها مميزة جدا جد. الكاريكاتيرست سامي المك ٭ لوحات إيثار كانت هنا: معرض شخصي في المرحلة الثانوية بمباني مدرسة الوادي الكبير الثانوية بنات .. يونيو 2003م بسلطنة عمان. معرض شخصي ضم عدد«26» لوحه باكبر مجمع تجاري بالسلطنة «مجمع الحارثي» . في الفترة 6/7/2004م 2004م بسلطنة عمان . ٭ معرض فردي لصالح عمادة جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا .. في العام 2005م معرض فردي تحت عنوان «معرض استقبال القافلة المصرية» في العام 2006م معرض فردي ضمن فعاليات « يوم المرأة » بكلية كمبيوتر مان .. في العام 2007م معرض فردي ببورتسودان ولاية البحر الاحمر ضمن فعاليات معرض زهور الثغر باشراف الاستاذ/ نصرالدين شلقامي .. في الفترة 29/12/2008م - 3/1/2009م .. وبرعاية وزارة السياحة . معرض فردي بقسم التلوين ضمن معارض تخرج الدفعة 62 بكالريوس كلية الفنون الجميلة والتطبيقية في الفترة 11/1/2009م 17/1/2009م . o معرض فردي بنادي السجانة افتتاح معالي الوزير السيد/ محمد يوسف .. وزير الشباب والثقافة والرياضة .. فبراير 2009م . o معرض فردي بقاعة الصداقة افتتاح رئيس الجمهورية المشير/ عمر البشير بمناسبة ختام الدورة الخامسة لإتحاد الشباب السوداني .. 17 سبتمبر 2009م