جبريل إبراهيم: لا يمكن أن تحتل داري وتقول لي لا تحارب    حركة المستقبل للإصلاح والتنمية: تصريح صحفي    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    برقو الرجل الصالح    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد عمليات تأهيل مطار عطبرة ويوجه بافتتاحه خلال العام    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    هيومن رايتس ووتش: الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وتطهيراً عرقياً ضد المساليت.. وتحمل حميدتي وشقيقه عبد الرحيم وجمعة المسؤولية    لماذا لم يتدخل الVAR لحسم الهدف الجدلي لبايرن ميونخ؟    مصر تكشف أعداد مصابي غزة الذين استقبلتهم منذ 7 أكتوبر    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    توخيل: غدروا بالبايرن.. والحكم الكارثي اعتذر    النموذج الصيني    تكريم مدير الجمارك السابق بالقضارف – صورة    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    مكي المغربي: أفهم يا إبن الجزيرة العاق!    موريانيا خطوة مهمة في الطريق إلى المونديال،،    ضمن معسكره الاعدادي بالاسماعيلية..المريخ يكسب البلدية وفايد ودياً    الطالباب.. رباك سلام...القرية دفعت ثمن حادثة لم تكن طرفاً فيها..!    بأشد عبارات الإدانة !    ثنائية البديل خوسيلو تحرق بايرن ميونيخ وتعبر بريال مدريد لنهائي الأبطال    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل مصري حضره المئات.. شباب مصريون يرددون أغنية الفنان السوداني الراحل خوجلي عثمان والجمهور السوداني يشيد: (كلنا نتفق انكم غنيتوها بطريقة حلوة)    ضياء الدين بلال يكتب: نصيحة.. لحميدتي (التاجر)00!    شاهد بالفيديو.. القيادية في الحرية والتغيير حنان حسن: (حصلت لي حاجات سمحة..أولاد قابلوني في أحد شوارع القاهرة وصوروني من وراء.. وانا قلت ليهم تعالوا صوروني من قدام عشان تحسوا بالانجاز)    شاهد بالصورة.. شاعر سوداني شاب يضع نفسه في "سيلفي" مع المذيعة الحسناء ريان الظاهر باستخدام "الفوتشوب" ويعرض نفسه لسخرية الجمهور    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    الخليفي يهاجم صحفيا بسبب إنريكي    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن و'القاعدة': عندما يختزل بلد جميل ومتجذر في التاريخ بعبارة واحدة 'مهد اجداد بن لادن'
نشر في الراكوبة يوم 26 - 11 - 2012

في كتابين صدرا عن اليمن وجهادييها الاول 'الملجأ الاخير: اليمن، القاعدة والحرب الامريكية في الجزيرة العربي' لغريغوري جونسين، وآخر 'هدف ثمين: مواجهة القاعدة في اليمن' لادموند هال، السفير الامريكي السابق في اليمن، والكتابان يقدمان صورة عن الحرب الامريكية في اليمن ضد القاعدة وعن تطور القاعدة وعلاقة نظام علي عبدالله صالح بها حيث تحولت من حليف له الى عدو.
وقد عرض ملامح ما جاء في الكتابين روبرت وورث في مقال مطول له في مجلة 'نيويورك ريفيو اوف بوك' حيث رأينا تقديم مجمل ما جاء فيه. ذلك ان اليمن كما يقول بلد مهم يمثل تنوعا وغنى في الثقافة والبعد الحضاري الضارب في التاريخ، لكن بالنسبة لغالبية الغربيين لا يمثل سوى كلمة ترمز لمؤمرات غريبة عليهم، خاصة ان تنظيم القاعدة خطط وحاول تنفيذ ثلاث عمليات ضد امريكا من هناك اهمها 'مفجر السروال' عام 2009 الذي حاول تفجير طائرة كانت ستحط في مطار ديترويت. ومنذ تلك العملية فالخوف من مؤامرة جديدة يكون مصدرها اليمن اقلق بال الرئيس باراك اوباما وحرمه النوم. ومن هنا فاليمن بحضارته وثقافته ودوره التاريخي وبسبب تواجد القاعدة وصلة زعيمها اسامة بن لادن به تم اختزاله في الاعلام الغربي بجملة قصيرة ' موطن اجداد بن لادن' مع ان والده ترك اليمن وهو شاب. ويقول وورث ان التركيز على الجهاد مفهوم الا انه اختزالي لان اليمن بلد جميل، جبال مفتوحة على مناظر بديعة وتلال خضراء ومزارع يفلحها المزارعون اليمنيون منذ الاف السنين. الغريب في الامر ان اليمن كان محط رحال الهيبيين والمبشرين الذين كانوا يأتون اليه في اوقات ماضية للتمتع والعربدة في المناطق القبلية البعيدة عن مظاهر الحداثة. وبالمقابل هناك صورة اخرى معقدة عن اليمن بدت اثناء التظاهرات من اجل الاطاحة بالرئيس صالح في عام 2011 حيث بدا ان التظاهرات ستقود الى نهاية له مثل نهاية الرئيس حسني مبارك وزين العابدين بن علي. ولكن صالح كان ذكيا حيث انهارت الثورة الوليدة وتحولت الى فوضى وانتهت بدون ان ترضي اي طرف. فالتظاهرات السلمية التي تعتبر انجازا كبيرا في بلد يعيش تناحرات وثارات قبلية- تحولت الى معارك شوارع داخل النخبة الحاكمة حيث تصارع الرئيس ومنافسوه للسيطرة على العاصمة صنعاء. وعلى الرغم من صمود صالح واحباط محاولات منافسيه بالتهديد والوعيد الا انه اجبر اخيرا على توقيع اتفاق قضى بتسليمه السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي، مخلفا وراءه النظام السابق في مكانه.
من استفاد من الفراغ
كان المستفيد الوحيد من الفوضى وفراغ السلطة في البلاد هي القاعدة حيث تحولت الى قائدة حقيقية لمناطق واسعة في الجنوب، وجاء ذلك بسبب التشوش والمعنويات المتدنية داخل الجيش في هذه المناطق فيما هرب الحكام المدنيون فزعا من القاعدة التي اعلنت إمارة اسلامية في جعار واخذت تحاول كسب تعاطف القرى المجاورة عبر تقديم الماء والغذاء والوقود لهم. وفي الوقت الذي كان فيه الامريكيون يراقبون تطور الاحداث بهلع، هدد الجهاديون بالتقدم نحو مدينة عدن مركز الملاحة الدولية والسيطرة عليها، ولم تكن القوات اليمنية وبدعم امريكي بقادرة على دحرهم واجبارهم على الانسحاب الى الصحراء الا في حزيران (يونيو) الماضي. كان منصور هادي خليفة صالح مفاجأة للمسؤولين الامريكيين الذين كانوا ينظرون الى اليمن عبر منظار مكافحة الارهاب، فيبدو انه اعطى الامريكيين تفويضا مطلقا لاستهداف القاعدة ورجالها بالطائرات الموجهة 'درونز'، ووجده الدبلوماسيون الغربيون واضحا وصريحا اكثر من صالح المعروف بزئبقيته والاعيبه، بل وعبر الكثير من المتظاهرين عن سرورهم من استعداد منصور لعزل افراد عائلة صالح المسيطرين على القوى الامنية. رغم كل هذا فهناك حدود لسلطة منصور خاصة عندما يتعلق الامر بالتغييرات الجذرية، فهو يعتمد على دعم وحماية الجيش والرموز القبلية والذين استنزفوا كل قدرات النظام من عوائد النفط ولاعوام طويلة، كما انه يتربع على عرش بيروقراطية فاسدة ومنتفخة، وجيش ضعيف يعاني من انقسامات قبلية واقليمية، وثورة في الشمال وحركة انفصالية في الجنوب. وتعتبر بلاده من افقر بلدان العالم العربي تنفذ مقدراتها النفطية والمياه بشكل سريع، فيما ستظل البلاد تواجه الخطر الجهادي ولأمد طويل.
ويتساءل وورث بعد هذا كله عن مصادر الأزمة اليمنية، مشيرا الى غريغوري جونسين- الباحث في جامعة برنستون والذي كتب عن اليمن العديد من الدراسات خاصة الحركات الانفصالية ويرى ان كتابه 'الملجأ الاخير' من الدراسات الموثوقة عن القاعدة في اليمن.
التحالف المميت
والكتاب حافل بالمعلومات عن نسب القاعدة وقيادييها، اصولهم وتواريخهم. ولكنه يقدم صورة عن محاولات الحكومة الامريكية فهم والتأثير على اليمن وثقافته المختلفة. يبدأ جونسين رحلته في تاريخ القاعدة في الثمانينات من القرن الماضي، حيث يضع اليمن في قلب الحركة الجهادية العالمية، فمع ان القاعدة لم تبدأ من اليمن الا ان البلد ظل المصدر الرئيسي للقوات الراجلة الجنود- للتنظيم، ولاحقا حل اليمن محل افغانستان كأهم منطقة تمثل تهديدا لمصالح امريكا وامنها. ويقول وورث 'اسأل اي يمني عن القاعدة' والجواب الذي يتلقاه الواحد ان القاعدة وهم اخترعه صالح للحصول على المال من الامريكيين. ويقول انه استمع للعديد من الاجابات المختلفة على الرغم من تأثر الكثيرين منهم بعنف القاعدة. ويقول ان هناك ظلا من الحقيقة، فاليمن مثل بقية الدول العربية حث ابناءه على التطوع في الحرب الافغانية، حيث ساعد وزراء الحكومة وشيوخ الدين على ترتيب رحلات المتطوعين لبيشاور في باكستان. وبعد نهاية الحرب وعودة المجاهدين تعاملت بقية الدول العربية معهم بشك وانهم مصدر للمشاكل، لكن صالح رحب بهم حيث شعر انه سيحتاجهم في وقت لاحق. فصالح الذي كان يحكم جمهورية اليمن في الشمال كان يجاور حكومة شيوعية في الجنوب وكان يحلم بسحقها وتوحيد البلاد، وكان في هذا السياق يعرف كره المجاهدين للشيوعيين . وقد حقق صالح حلمه عندما انهار الاتحاد السوفييتي وخسر الشيوعيون في الجنوب دعم موسكو، واعلن توحيد البلاد عام 1990 . وبهذا احبط محاولة بن لادن الذي سيستخدم جنوده في مواجهة الانفصاليين عام 1994. ومن هنا يقول وورث ان قوة كتاب جونسين تنبع من ملاحقته اليمنيين وجهودهم في الحرب الافغانية وما حدث بعد. ويشير الى استراتيجية بن لادن في مرحلة ما بعد الجهاد الافغاني حيث اتفق مع احد قيادات المجاهدين اليمنيين وهو طارق الفضلي على مواصلة الجهاد في جنوب اليمن لانهاء الحكم الشيوعي هناك. ولكن الوحدة التي اعلنها صالح اجهضت الخطة، وكان على القاعدة الانتظار. فالوحدة لم تسر حسب الخطة وسرعان ما اندلعت النزاعات بينه بين حلفائه الجنوبيين الذين لم تعجبهم طريقته في الحكم مما ادى الى اندلاع حرب اهلية. ومن هنا استنجد صالح بالفضلي وطلب منه تجميع جنوده والقتال الى جانبه، وعليه فالجهاد الذي حلم به بن لادن تحقق حيث وفر المال والسلاح له فيما قاد الفضلي فرقة.
نهب وسرقة والمدمرة كول
لم تستمر الحرب سوى شهرين، حيث انتهت في تموز (يوليو) 1994 وبعدها اعطى صالح الجهاديين الحرية كما يقول جونسين لنهب عدن حيث كان يريد ارسال رسالة قاسية لاعدائه، وكان الجهاديون العجلة المناسبة حيث نهبوا الشواطىء ودمروا الفنادق والبارات بل ودمروا المقابر. واكبر دمار حصل بعد الحرب عندما قام صالح ببساطة بسرقة اراض مملوكة ومشاع في الجنوب ومنحها لمن ساعدوه في الحرب بمن فيهم المجاهدون، الذين كان صالح مدينا لهم وللاسلاميين من جماعة الاصلاح. ومع ان اليمن لم يكن في يوم ارضا خصبة للنشاط السلفي الا ان السعودية كانت ناشطة في دعم وبناء المدارس والمساجد، ويبدو ان صالح كان يفضلهم، خاصة انهم يدعون لطاعة ولي الامر، وكان يعتقد انه قادر على التحكم بهم مع ان ابناء السلفية الاخرين من الجهاديين الذين كانوا يعارضون فكرة طاعة ولي الامر. وما نتج عن سياسة صالح ان الجهاديين الذين كانوا ملاحقين في دول اخرى مثل مصر وجدوا ارضا ترحب بهم في اليمن حيث بدأوا يخططون للهجوم على العدو البعيد اي الولايات المتحدة. واثمرت جهودهم بتفجير البارجة 'يو اس اس كول' الذي قتل فيه 17 من جنود المارينز، حيث لم يؤد هذا الى تغيير في سياسة صالح مع الجهاديين لتأتي احداث سبتمبر وتكون بمثابة صيحة تحذير قوية وانه يواجه 'مشكلة حقيقية'، فبعدها سافر الى واشنطن من اجل عرض خدماته. ويشير وورث ان جورج بوش اكد امام الكاميرات على اهمية صالح كشريك في الحرب على الارهاب لكن خلف الابواب كان لدى الامريكيين شعور بالاحباط منه ولعدم تحركه لقمع الجهاديين.
الهدف والشريك
وهنا يأتي دور السفير الامريكي ادموند هال لكي يقص بقية الحكاية، فقد وصل الى صنعاء في نهاية عام 2001 وعليه فمذكراته تلخص التوتر والتفكير الامريكي حيث يكتب قائلا ان 'التفكير شبه الجدي كان يقترح غزو اليمن' في هذه الفترة،ثم يقول ان النقاش الذي دار حول 'الهدف والشريك لم يتم حله'. ويقول هال انه في مرحلة كان هو نفسه هدفا لغضب صالح الذي كان يستشيط غضبا على ما يراها الغطرسة الامريكية ويصف في 'هدف ثمين' كيف استدعاه صالح مرة الى القصر الجمهوري واخذ يصرخ عليه طويلا محتجا على مذكرة تقترح طرقا لادارة بعض المحافظات اليمنية بطريقة فعالة. ويقول وورث ان مشكلة الامريكيين مع صالح انه كان يحكم اليمن كشيخ قبيلة، فعندما كانت تطالبه امريكا بتسليم مطلوبين بمن فيهم متهمون بتفجير كول، كان في بعض الاحيان يرتب اعتقالا اجباريا بأوامر منه، اي يخرجه من السجن بعد ان يأخذ تعهدات من عائلته بحمايته، وكان صالح يرى في مطالب الامريكيين تبادلا في المصالح ويتوقع ان تدفع له امريكا عليها، فيما كان يطالب الامريكيون بتطبيق القانون وعليه كانوا يزدرون مطالبه. ويشير كتاب هال ان المشكلة لم تكن لتتوقف عند صالح فالمؤسسة الامنية 'دائرة الاستخبارات السياسية' كانت متعاطفة مع الناشطين، ويشير الى عمليات الهروب من السجن والتي كانت تحدث بطريقة هزلية. ويتحدث عن حالة قام بها احد اعضاء الحركة دخل في عام 1998 للدائرة كي يقدم معلومات عن التنظيم، فقام الضابط الذي اخذ شهادته بالاتصال مع الجهاديين ليخبرهم عن وجود خائن في صفوفهم. ولم يكن الامريكيون بدون ذنوب فقد اتسمت تصرفاتهم بالخرق والفوضى خاصة في السنوات التي تلت الهجمات. ويشير الى حادثة اعتقال الداعية محمد المؤيد الذي كان يدير دورا للايتام، واختلق له عميل يمني مع مكتب التحقيقات الفدرالية قصة للحصول على المال، ويقدم جونسين تفاصيل مأساة المؤيد الذي اقتيد من المانيا الى امريكا وصور اعتقاله على انه انتصار في الحرب على الارهاب، وعلى الرغم من كشف كذب عميل 'اف بي اي' الا ان مأساة المؤيد استمرت خمسة اعوام قبل ان يعود الى بلاده. مع كل التخبط الامريكي في اليمن الا ان الضغوط على اليمن والمساعدات العسكرية قادت الى اغتيال ابو علي الحارثي بعد استهدافه بطائرة بدون طيار وذلك عام 2002. يقول جونسين ان صالح زار واشنطن عام 2005 متأملا بمكافأة من الادارة على تعاونه في الحرب على الارهاب واسلحة متقدمة لقاء هذا، لكن الادارة التي كانت منشغلة بحرب العراق اكتفت بإعطائه محاضرة عن فساد ادارته وضرورة الاصلاح. وفي طريق العودة خائبا انفجر غاضبا على مساعديه وعزل فريقه من المساعدين للشؤون الاقتصادية.
يشير وورث الى التحديات التي واجهها صالح خاصة مع الحوثيين مما ادى به الى اهمال خطر القاعدة التي اعادت ترتيب بيتها، وقامت بعمليات كبيرة، الهجوم على السفارة الامريكية، وترتيب عمليات هروب كبيرة من السجن لافرادها، وتدفق المقاتلين الاجانب، مع ذلك ظل صالح يعتقد ان القاعدة هوس امريكي، لكنه كان مخطئا في التقدير فحلفاء الامس اصبحوا اعداء يخططون للاطاحة به والعائلة المالكة في السعودية.
جيل جديد متمرس
هذا التطور يعزى الى الاندماج بين التنظيم اليمني والسعودي فيما صار يعرف بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية،حيث وجد الكثير من قادة وجنود القاعدة السعوديين ملجأ آمنا لهم في جبال ومناطق اليمن البعيدة بعد ملاحقتهم من النظام السعودي. ولا بد من الملاحظة ان تنظيم القاعدة الجديد جاء بوجوه شابة وعقليات تختلف عن تلك التي صنعت التنظيم في اليمن والسعودية، وهذه العقليات الجديدة يمثلها انور العولقي الذي اغتالته امريكا العام الماضي في اليمن. الجيل الثاني من القاعدة في اليمن تعلم من التجارب الماضية في العراق، صهرته المعارك ولديه قدرات على التواصل مع العالم الخارجي. ويقدم جونسين معلومات شخصية عن القيادات الجديدة من مثل ابراهيم ومحمد العسيري، معتمدا على الصحف اليمنية ومقابلات مع اشخاص عرفوها، وعلى الرغم من الاهمية التي وضعتها الحكومة الامريكية على العولقي ودوره في احياء القاعدة الا ان جونسين لا يخصص الا مساحة قليلة له ربما كما يقول وورث لانه كتب عنه في مناسبات سابقة او لاعتقاده ان هناك مبالغة في تقدير دوره. ويشير الى ان كون العولقي ليس مهما لا يؤثر على قرار الادارة الامريكية استهداف مواطن امريكي لم تقدم ضده لائحة اتهامات او يقدم للمحاكمة حيث كان قتله غير مريح للكثير من الامريكيين ممن تهمهم حقوق الانسان، وقرار قتله يبدو انه قام على شخصيته الجذابة وقدرته على التبشير والدعوة للجهاد والهامه الاخرين كي يهاجموا امريكا. ويظل دور العولقي غير واضح في القاعدة بعيدا عن هذا الدور الخطابي. والسؤال المطروح الان هو ان كانت القاعدة في اليمن ستواصل هجماتها على امريكا بعد مقتل العولقي، وسمير خان المواطن الامريكي الاخر الذي كان يكتب مقالات لمجلة 'الهام' الناطقة بالانكليزية ويحررها، وماذا ستكون استراتيجية الجماعات التي خرجت من رحم فوضى الانتفاضات العربية، وهل ستواصل امريكا حربها بالطائرات الموجهة وماذا ستكون عليه استراتيجية القاعدة، اسئلة سيجيب عليها الزمن القادم، والمهم ان اليمن وتنظيماته الجهادية تعتبر استثنائية وتختلف عن الحركات الجهادية التي نشطت في شمال افريقيا من ناحية قدرة التنظيم اليمني على التمويل والتخطيط لعمليات خارج حدود اليمن. ويتساءل وورث في نهاية مقاله ماذا سيعني اليمن لامريكا حالة اختفى منه التهديد الارهابي. ويقول انه قبل المدمرة كول لم يلق اليمنيون اي اهتمام او دعم . وفي العادة لم يكن يعرف الرؤساء الامريكيون موقع اليمن على الخارطة، وكانوا يتعاملون معها على انها تابع للسعودية. ومنذ كول حصل اليمن على دعم بالملايين على شكل مساعدات عسكرية ووعود بالمليارات من مجموعة 'اصدقاء اليمن' التحالف الدولي الذي يهدف الى التصدي للاسباب الحقيقية التي تؤدي للارهاب وحل المشاكل عبر برامج تعليمية وتنموية. اضافة لذلك فتهديد اليمن للولايات المتحدة جعله مصدرا مهما للمعلومات الامنية. وفي النهاية فالتحديات التي يواجهها اليمن كبيرة وسيستمر تدفق الدعم الدولي لها، فحتى لو توقفت القاعدة عن ضرب امريكا الا ان التحديات تظل قائمة، ولا تنسى الحوثيين والدور الايراني، كما ان المصادر الطبيعية تنفد بسرعة، فبحسب البنك الدولي فقد تصبح صنعاء اول عاصمة في العالم بدون مياه. ويختم وورث بالقول ان الغموض والسحر الذي كان يجلب الرحالة لليمن لن يعود ابدا.
القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.