منذ أن بدأت الفضائيات العربية تغزو بيوت كل المشاهدين، دخلت الثقافة الاستهلاكية شيئاً فشيئاً إلى حياة المواطن العربي في كل مكان، واستبدل الجمال الطبيعي للمرأة بآخر مصطنع تحدده شركات مستحضرات التجميل ومقاييس الجراحة التجميلية، مع انتشار البرامج التلفزيونية التي تدعو إلى تغيير الشكل والتماشي مع الموضة السائدة. وهذه البرامج تستند إلى قوة داعمة لها من حيث التمويل والقنوات التي تتكفل بنشرها على اعتبارها من أقوى الفضائيات العربية وأكثرها جماهيرية. لذا فإنّ الثقافة التي تجسّدها تنتشر بسرعة كبيرة بين صفوف النساء اللواتي يخصصن الوقت للحضور والتقصي من وراء الشاشات الصغيرة. ويتم طرح موضوع الجمال على أنه صيغة نهائية يتوصل إليها بعد اتباع عدة خطوات مدروسة من قبل أخصائيين في الشعر والأسنان والبشرة والأزياء وغيرها.. ومن هنا تظهر عمليات التجميل كضرورة لازمة لكل امرأة ويُشجَّع عليها للوصول إلى النتيجة المطلوبة من الجمال، متناسين كل الحلول الطبيعية والنفسية وحتى دون الإشارة إليها أو ذكرها. وهو ما نقصده بالثقافة الاستهلاكية، حيث أنّ حقن البوتوكس أصبحت ضرورة واقعية لا يمكن الغنى عنها عند تشكيل الملامح المثالية للمشاركة والتي غالباً ما تكون غير متصالحة مع مظهرها العام في بداية البرنامج، لتتحول في نهايته إلى مرحلة الرضا الكامل. وغالباً ما تأخذ البرامج التجميلية الطابع التسويقي والتجاري بالدرجة الأولى، فالتركيز على أطباء التجميل وأخصائيي الشعر والماكياج والنوادي الرياضية، أكثر من التركيز على المشاركة بحد ذاتها، إذ أنّهم معتمدون من قبل المحطة الفضائية والبرنامج كمحاولة لتقديم الخدمات المتبادلة، مع إلقاء الضوء على مكان كل واحد منهم وميزات عيادته أو مركزه او المستشفى التابعة له. الماكياج عنصر ضروري من الطلة النهائية لأية مشاركة وبماركات معينة يعتمد عليها، كما أنه يأتي في نمط مبالغ فيه ضمن الطلة النهائية. كل شيء مرسوم بدقة ما يخفي الملامح الطبيعية وبعض "العيوب" كما يتم تسميتها. فينتج لدينا وجه جديد بعد كل التعديلات والتطورات لا يشبه في كثير من الأحيان الوجه الأصلي. والسؤال: هل أصبح الماكياج هو معيار الجمال الخارجي في وقتنا الحاضر؟ كذلك تنتهك سياسة هذه البرامج خصوصية المشتركات، فتركّز على شكلهن قبل أن يدخلن البرنامج وهو في غاية التعب والإهمال، مع تلميحات مباشرة إلى قباحة موجودة لديهن، والعالم يشاهد التطورات الحاصلة خطوة بخطوة على أيدي الخبراء والاختصاصيين. الشيء الذي يضيف خطورة جديدة إلى قائمة الخطورات الكثيرة التي تنشرها فضائياتنا العربية. لكن ومن جهةٍ أخرى لا نستطيع إنكار أن هذه البرامج استطاعت أن تعيد رونق الحياة إلى كثير من المشاهدات والمشتركات، وذلك من خلال بعض النصائح المقدمة حول كيفية العناية بالبشرة والجسم بطرق ووسائل ممكنة، وكيفية اختيار الملابس المناسبة لكل الأشكال والمناسبات. فضلاً عن أن التطورات الشكلانية وبغض النظر عن قبولنا لوسائلها أو عدم قبولنا، أرضت كثيرات وجذبتهن نحو الاشتراك والمتابعة حتى على أرض الواقع. وبما أننا لا نستطيع مراقبة ما تقدمه البرامج، وتحديد قواعد ضابطة لها، توكل المهمة للمرأة في أن تأخذ ما يناسبها وتدع ما هو غير صحي وغير حقيقي، أي أن تكون واعية عند المشاهدة وتستطيع التمييز بين التسويقي والطبيعي. المشكلة معقدة أكثر مما يظن البعض، إنها ثقافة عالمية بامتياز، ثقافة تروّج للشكل دون الاهتمام بالمضمون حتى لو اضطرت إلى صنعه بوسائل مصطنعة لا تمت للطبيعة والحقيقة بصلة. فالمهم أن يسود الشكل ويتلاشى الفكر. وكل البرامج العربية التي تعنى بتغيير المظهر الخارجي عند السيدات والاعتناء بها، هي بالأساس نسخ مستحدثة عن البرامج الغربية التي تعرض على فضائيات أجنبية كثيرة. طبعاً مع بقاء الخصوصية العربية واضحة بعض الشيء.