عندما بدأت إذاعة لندن البث على الموجة fm تمكن الناس من الاستماع إليها من السيارة ومن أصغر جهاز راديو يعمل ببطارية واحدة أو من الهاتف النقال وهي حالة صحية وليس لها دلالة غير إيجابية .ولم ينمُ إلينا شعور سلبي تجاه إذاعة عريقة كما يقول البعض إنها إذاعة استعمارية لمجرد أنها ظلت مملوكة للشعب الإنجليزي ودافع الضرائب في المملكة المتحدة والتي سبق لها استعمار السودان لمدة ستين عاماً . شعورنا تجاه هذه الإذاعة ليس هو شعور الخضوع أو الامتهان الثقافي والسياسي كما يقول البعض منا كلاماً قريباً من هذا المعنى . (العكس هو الصحيح) فان شعورنا هو الفخر والإعزاز لكون سماواتنا مفتوحة والمواطن السوداني حر في أن يختار بين الإذاعات والقنوات العالمية مثل إذاعة لندن وقناة الجزيرة وبين تلفزيون وإذاعة أمدرمان . ولا أظن أننا في وجود إذاعة لندن على الموجة fm قد خسرنا الكثير بل ربحنا حيث زاد عندنا عدد القنوات الفضائية مثل قناة الشروق وقناة النيل الأزرق و وولد جيل جديد من الإذاعات التي تذيع على موجات fm للشباب والرياضة وأخرى مختصة . وهو وضع تحسدنا عليه كثير من الشعوب الكبيرة والدول العريقة والتي رفضت إعطاء إذاعة BBC ترخيصاً للبث من داخل أراضيها على موجات fm ويتمنى مواطنو هذه الدول لو أن حكوماتهم حزت حزو السودان وتركت للناس حرية الاختيار بين الإذاعات الوطنية وبين إذاعة BBC . و ونحن كجزء من العالم العربي يجب أن لا ننسى الخدمات التي ظل القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية يقدمها وأهمها الاعتناء باللغة العربية والثقافة العربية وأذكر أنني عندما كنت صغيرا كنت أتابع برنامج قول على قول ومن خلال هذا البرنامج حفظت أبيات الشاعر قيس بن الملوح الشهير بمجنون ليلى والتي يقول فيها :- الله يعلم أن النفس قد يئست بالبعد منك و لكني أمنيها منيتك النفس حتى أنه قد أضر بها وأبصرت صرفاً مما أمنيها ولو أن ساعة منك ألهو بها إليك أشى إلي من الدنيا وما فيها . وفي مجال السياسة كانت إذاعة لندن تقدم برامج تحتوي على معلومات في السياسة مثل برنامج السياسة بين السائل والمجيب وانتقلت في الآونة الأخيرة إلى برنامج نقطة حوار و BBC إكسيرا وهي برامج للتواصل مع المستمعين وكما يقول الكاتب إيهاب الأزهري في كتابه الشهير الكوميديا الإعلامية : إن إذاعة BBC تهتم بمستمعها اهتماما عظيماً فتدرس ما يطلبه وتبحث عنه في أرشيف التسجيلات في مكتبتها الصوتية وفي أرشيف الأفلام فتقدمه لمستمعيها وهي إذاعة ضخمة لها أكثر من 160 مليون مستمع في جميع أنحاء العالم يتابعونها بإخلاص لأنها تهتم بكل واحد منهم اهتماما شخصياً . ولا أرى في الأسباب التي تم ذكرها حول قرار عدم التجديد لإذاعة لندن للبث من الخرطوم وجوبا ومدني على موجة fm وجاهة أو موضوعية تقتضي اتخاذ هكذا قرارات بعدم التجديد لوسيلة إعلام ضخمة ومؤثرة ومفيدة في ذات الوقت من مواصلة البث بعد أن ظلت تبث على هذه الموجات لعدة سنوات، فإن لم يراعي متخذو القرار أهمية إذاعة لندن فليراعوا حق المواطن السوداني في الحصول على الإعلام من خلال هذه الخدمة الإعلامية و بسهولة ومن غير لهث خلف الموجات القصيرة والمتوسطة والبعيدة وهذا يدل على أن إذاعة لندن لو كانت في الثريا لنالها المستمعون والمشاهدون بعد أن صارت لها قناة تلفزيونية .