تحول حمل السلاح بعد الاحداث التي صاحبت اغتيال رئيس الحركة الشعبية جون قرنق و فشل الاجهزة المختصة في احتواء الاحداث التي تمت، تحول حمله من هواية الى وسيلة لاستعراض القوة وحماية النفس لاسيما وان بالخرطوم حوالي 84 فصيلا مسلحا دخلت العاصمة بعد توقيع اتفاقيات الخرطوم للسلام 1995 وفشودة 1997 بجانب اتفاقيتي نيفاشا وابوجا 2005 و2006، غير ان السلطات شرعت مؤخرا في السيطرة علي الاسلحة وسط المواطنين وفرض هيبة القانون ، و اسفرت الحملة الطوعية لجمع السلاح غير المرخص التي نظمتها سلطات الولاية عن ضبط 3 آلاف قطعة من النوع الخفيف، وارسل والي الخرطوم دكتور عبد الرحمن الخضر تطمينات اكد من خلالها خلو عاصمته من الاسلحة والمليشيات لكنه لم يخف قلقه من تجار السلاح . وحسب متابعين فان الفصائل المسلحة الموجودة بالعاصمة ساعدت علي تفشي ثقافة العنف وهوس امتلاك الاسلحة بسبب ما ادخلته حوادث تسببت فيها من رعب في قلوب المواطنين حيث شهدت مدينة امدرمان اعتداء بعض قوات حركة مناوي على الشرطة عندما دخل مقاتلو الحركة فى صدام مع شرطة أم درمان بسب عدم انصياع جنود الحركة لتعليمات شرطة المرور، فحدث اطلاق نار في حي الموردة ادي الي وفاة واصابة 11 شخصا من بينهم ضابط شرطة وعاش المواطنون ذعراً لا حد له. ثم ما لبثت ان شنت قوات مناوي هجوما على قسم شرطة الأوسط وقامت بتحرير المحتجزين من داخل حراسات القسم، ثم تكررت الأحداث وبصورة أكثر مأساوية عندما تعرضت دورية للشرطة بمنطقة جبل الأولياء لهجوم أودى بحياة خمسة منهم . ثم جرت أحداث أخرى بصور سريعة ومتكررة في مواجهات جديدة بين مسلحين مجهولين ودوريات للشرطة في مناطق بالخرطوموأم درمان وحادث اخر كان طرفه مليشيات اللواء قبريال تانج بمنطقة الفتيحاب حيث وقع اشتباك بين مليشيا اللواء والشرطة بسبب خطف افراد من المليشيا لفتاة واحتجازها في أحد المنازل، وخلال محاولة تخليص الفتاة وقع تبادل لاطلاق النار أدى الى مقتل احد الضباط. وبعيدا عن المليشيات المسلحة فقد بدأت السلطات حملة طوعية لجمع السلاح، ووفقا للعميد شرطة هاشم علي مدير الاعلام بشرطة ولاية الخرطوم فان الحملة الطوعية كشفت عن وجود اسلحة في ايدي المواطنين تفوق كميات السلاح المرخص ، مشيرا الي ان الكميات التي وصلت للجهات الرسمية من السلاح خارج الضوابط القانونية تمثل عُشر الكميات المرخصة في سجلات الشرطة في السنوات الماضية ، ووعد علي بعدم اتخاذ اجراءات جنائية تجاه الشخص الذي يقوم بتسليم السلاح، وان الذين يمتلكون اسلحة كورثة ستقوم اللجان التي كونت بالمحليات المختلفة بمعالجة امرهم ، مشيرا الي ان المرحلة المقبلة ستشارك فيها الكلاب الشرطية المدربة لكشف الاسلحة في عمليات التفتيش، وقال العميد هاشم ان الذين يسمح لهم بحمل السلاح خلاف الاجهزة الامنية يتم عبر ضوابط محددة. وحسب التقرير النهائي لمشروع الخرطوم خالية من السلاح والعنف، فقد وصل الاقبال علي الترخيص 400% ، وتم اعادة ترخيص 80 قطعة سلاح لم ترخص منذ سنوات طويلة ،وتم ضبط 2 مدفع كلاش و2و4خزنة كلاش و209 ذخيرة حية و3قنابل قرنيت و1مدفع اربجي وعدد 3 دانة بي ام و8 ذخيرة كلاش و8 ذخيرة 9 ملم ، وكميات من زي القوات المسلحة والشارات العسكرية برتب مختلفة، وكشف التقرير عن تدني معدلات الجريمة المرتكبة بالسلاح بالخرطوم منذ انطلاق الحملة وحتي الان. وفي تعليقها علي الحملة قالت منظمة مبادرة الامن الانساني الراعي الرسمي للمشروع، ان مستوى التأثير لا زال ضعيفا للغاية ويمكن ان تتم معالجة ذلك من خلال مناهج تربوية وتعريف المجتمع بخطورة السلاح، وطالبت بتفعيل التشريعات الوطنية لسنة 1934م، وقانون 1936م، وقانون 1991م، المشتمل على تعديلات خاصة بالاسلحة والذخائر، قبل ان تشكك في امكانية قدرة الحكومة علي محاربة قضية السلاح بعيدا عن منظمات المجتمع المدني، وعزت ذلك الي ان الحل ليس كله بيدها بل عليها وضع خطط وطنية وبناء قدرات المجتمع، فهناك تجارب لجمع السلاح بالمقابل المادي او بالمقابل المعنوي، وكان والي الخرطوم قد اعلن عن جمع السلاح مقابل العفو بدون أية مساءلة قانونية. وقال المدير التنفيذي لمنظمة مأمن عثمان حسن عربي عن خطر الاستخدام والاتجاز غير المشروع للاسلحة الصغيرة والخفيفة على الامن الانساني، متحدثنا عن ان انتشار السلاح في المنطقة يعيقها من النمو والتقدم خاصة وان السلاح يعد من السلع السرية ولكن الاشارات الصادرة من الاسلحة والجرائم ومحاضر الشرطة من الممكن ان تدل على وجود سلاح في منطقة ما ، وقد تكون المعلومات غير صحيحة، فتعد معالجة قضية الاسلحة ضمن اطار الامن الانساني لأنها تسبب العجز وفقدان وسيلة العيش، ويهدد تراكم الاسلحة الصغيرة المفرط والتجارة غير المشروعة سلام وامن الدول ويحطم آمال التنمية الاجتماعية ويهدد المستقبل الديمقراطية وحقوق الانسان. وبحلول عام 2020م، سيتجاوز عدد القتلى والجرحى الذين يسقطون في الحروب واعمال العنف عدد الوفيات الناجمة من امراض الملاريا والحصبة، اذ اظهرت الاحصائيات العالمية ان اكثر من 59%، من الاسلحة الخفيفة ملكية خاصة في ايدي المدنيين مقابل 37% للقوات وحتى ينشر المواطن الامن ولا يحتاج للسلاح على الاجهزة الامنية بسط الامن والوعي الجماهيري الكبير حتى يكون المجتمع هو الرافض لحمل السلاح....! من جانبه، شكك الخبير الامني حسن بيومي بالحديث القائل بخلو العاصمة من السلاح، وعزا ذلك لانتشار سماسرة واسواق السلاح، موضحا صعوبة سيطرة الحكومة عليهم قبل ان يطالب بسحب اسلحة المليشيات المتمردة في اشارة الي حركة مناوي، واعتبر بيومي ان استخدام السلاح المرخص من غير ضوابط من شأنه ان يؤدي الي نتائج عكسية ويهدد الامن الاجتماعي، متسائلا عن الضوابط التي تحكم السلاح المرخص والشخص المستخدم له وان كانت توجد ارشادات توضح له كيفية استعماله وتخزينه وحفظه، وطالب بيومي الشرطة بالاستعانة وتفعيل دور اللجان الشعبية ومراكز بسط الامن الشامل لجمع السلاح من المواطنين، كما طالب بضرورة التوعية الاعلامية عن خطورة الاسلحة الخفيفة والصغيرة علي المجتمع . واعتبرت الخبيرة في علم الاجتماع حنان الجاك ان الواقع الاجتماعي يعطي الشعور بالامن لحامل السلاح، مشيرة الي ان بعض القبائل السودانية مرتبطة بعادات وتقاليد موروثة يتم فيها استخدام السلاح حسب الظرف الاجتماعي سواء كان في الاعياد او المناسبات او للدفاع عن الممتلكات والمجتمعات، موضحة ان حيازة السلاح شئ متوارث والبعض يعتبرها نوعا من المظهر الاجتماعي والرجولي حتي لو اختلف مع القانون، فالنظر لهذه الاسلحة تعتبر حقا شرعيا. وتري حنان ان دوافع الحيازة تختلف حسب الواقع الاجتماعي والثقافي والاقتصادي للمجتمع، مبينة ارتباطها بارتفاع معدلات الجريمة وتجار المخدرات والسرقة ، حيث يري هؤلاء ان امتلاك السلاح هو الذي يوفر لهم الحماية من الاجهزة الامنية، واعتبرت الباحثة ان ضعف الضبط الاجتماعي للسلوك يعتبر وسيلة للتعبير من خلال لغة السلاح بجانب بعض الدوافع الشخصية للتنشئة الاجتماعية وضعف المكون الشخصي وظاهرة الاحتكاك الثقافي والفقر لسد العجز الاقتصادي، كذلك رأت حنان ان اقتناء السلاح ارتبط بالتدهور الامني وشيوع ثقافية العنف وكثافة الاسلحة نتيجة للظروف السياسية وثقافة الحرب السائدة التي مكنت الكثيرين من استخدام السلاح في الخلافات العائلية والشخصية وعمليات السطو والنهب . وحملت حنان القوانين الرقابية مسؤولية تفشي استخدام الاسلحة بجانب الاسواق والسماسرة والذين يسهمون في عمليات البيع والشراء بلارقابة، وطالبت بزيادة التوعية المجتمعية والحث علي عدم حمل السلاح في المناسبات حتي لايكون متداولا ويسهل استخدامه . وترجع الدكتورة عزة كريم أستاذة علم الاجتماع انتشار الأسلحة بين المواطنين والرغبة في اقتنائها الى الزهو والتفاخر والنفاق الاجتماعي والشعور بالقوة والنفوذ، مما يؤدي في النهاية الى انتشار الجرائم والحوادث، فعندما يواجه الشخص الذي يمتلك سلاحا مشكلات أو تواجهه تعاملات صعبة يمكن أن يرتكب جرائم بشعة بهذه الأسلحة، كما أن الشعور بعدم المساواة في تطبيق القانون يجعل المواطنين يلجأون الى تطبيق سياسة «حقي بدراعي» فتسود الفوضى ويعم الفساد والانحراف.