رغم تنفيذها لمشروعات ذات جدوى اقتصادية كبرى، إلا أن جدلا كثيفا يدور حولها، فالبعض يصفها بالامبراطورية، وآخرون يعتبرونها دولة داخل دولة، وهناك من يؤكد أن أسراراً كثيرة تحيط بها ويصعب فك طلاسمها، أينما ذهبت أثارت غبارا وتباينا في الآراء، ضحايا مشروعاتها ليسوا مواطنين ومهجرين وحسب، بل وزراء ومسؤولين في الدولة، القرارات التي تصب في صالحها تصدر سريعا وتنفذ بذات السرعة، وتحظى باستثناءات لا تتوفر لاية جهة أخرى، فهذه الوحدة ومنذ صدور القرار الجمهوري بالرقم «217» لسنة 2005م الصادر بتاريخ 18/9/2005م والذي أعطى سلطات واسعة للوحدة التابعة لرئاسة الجمهورية، تدير عملها بطريقة مستقلة ماليا واداريا. وتستثنى من قوانين ولوائح الخدمة العامة، معاشات الخدمة، الصندوق القومي للتأمين الاجتماعي، محاسبة العاملين، والإجراءات المالية والمحاسبية. وتحولت أخيرا تبعيتها الى وزراة الكهرباء والسدود، ورغم أن الأصوات الناقمة على إدارة السدود بأمري وكجبار ومروي والروصيرص وخشم القربة وغيرها من مناطق تأثرت بقيام خزانات وسدود قد انخفضت أخيراً بدواعٍ مختلفة، غير أن أصواتاً أخرى تعالت بولايتي القضارف والشمالية احتجاجا على تغول إدارة السدود على الأراضي لاغراض لا تدخل ضمن صميم عملها، دون الرجوع الى حكومتي الولايتين والوزارت ذات الصلة. ويعود أصل الحكاية في الولاية الشمالية الى القرار الجمهوري رقم «206» لسنة 2005م القاضي بايلولة أراضي الولاية الى إدارة السدود قبل أن تتحول الى وزارة، ووقتها قوبل القرار برفض واسع من قبل حكومة الولاية التي كان على رأسها ميرغني صالح الذي ذهب عن منصبه بداعي اعتراضه، وصاحبت الرفض الرسمي ممانعة شعبية في إنفاذ القرار الذي تم تفسيره بأن إدارة السدود لها حق التصرف في كل أراضي الولاية باستثناء المدن والقرى وحرمها، والاراضي الملك الحر. وهو يعني ضمنيا حق إدارة السدود في استثمار وزراعة الاراضي دون الرجوع لسلطات الولاية التنفيذية والتشريعية، وهو ما اعتبر تجاوزاً لصلاحيات إدارة تم انشاؤها لتنفيذ السدود وليس للاستثمار والزراعة بحسب رأي البعض، وكان وزير التنمية والاستثمار البروفيسور محمد سعيد حربي قد استقال أخيرا من منصبه احتجاجا على تجاوز الولاية ووزارته من قبل إدارة السدود في إبرام عقود الاستثمار. ومن خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده والي الولاية فتحي خليل ووزير الاستثمار المستقيل في السابع عشر من أبريل الماضي، قد كشف مضي خليل على خطى ميرغني صالح الوالي الأسبق. ومن خلال المؤتمر الصحفي اتهم فتحي خليل وزير الكهرباء والسدود أسامة عبد الله، بالتصرّف في أراضي الولاية دون الرجوع إليهم ومشاورتهم، وهدد بشكواه لرئيس الجمهورية. وطالب والي الولاية بإعادة النظر ومراجعة كافة التصاديق الممنوحة للشركات للاستثمار في المجال الزراعي، مشيراً لوجود بعض الأراضي التي مُنحت للشركات ولم تستثمر بعد، مؤكداً أنهم لن يعطوا أي مستثمر أكثر من «100» ألف فدان بالولاية، إلا إذا تدخلت رئاسة الجمهورية. وفي ذات المؤتمر الصحفي شنّ البروفيسور محمد سعيد حربي نائب الوالي وزير التنمية والاستثمار بالولاية، هجوماً عنيفاً على وزير الكهرباء والسدود أسامة عبد الله، متهماً إياه بمنح أراضي الولاية لمستثمرين دون مشورتهم، مؤكداً أنّه يتصرف فيها دون علم الولاية. وأضاف: «أسامة ما أفضل مننا ليقول الأرض دي حقتي وأنا أعطيتها لمستثمرين»، منتقداً سياسات المركز، وسيطرته على زمام الأمور في كل شيء. وأشار إلى أن وزير الكهرباء والسدود أسامة عبد الله هو المسؤول عن أراضي الولاية الشمالية، ورأى أن ذلك غير مقبول، وأضاف بالقول: «الأراضي تتبع للسد وذلك من محددات الاستثمار في الولاية»، وطالب بإيجاد معالجة لهذا الوضع . ولم يثنِ ذلك المؤتمر الصحفي وما حواه من تهديدات إدارة السدود عن المضي قدما في تنفيذ مشروعاتها باراضي الولاية الشمالية، حيث شرعت في عمليات تحضير لزراعة «210» آلاف فدان بمحلية القولد، وهو الأمر الذي قوبل برفض شعبي واسع. وفي هذا الصدد يقول عبد الوهاب أبو رئيس لجنة حماية اراضي القولد، إن الدولة مطالبة بكشف كل الحقائق المتعلقة بالقرار الجمهوري رقم «206»، وذلك لإزالة الغموض والضبابية التي مازالت تكتنفه، وقال أن هناك علامات استفهام كثيرة ترتسم على وجوه مواطني المحلية والولاية ولا يجدون لها إجابات. وقال إن تمليك أراضي الولاية لإدارة السدود امر مرفوض تماما. وأضاف: «يبدو أن الحكومة ماضية في تنفيذ القرار «206» غير عابئة باحتجاجات الولاية الرسمية والشعبية، وبالفعل بدأت إدراة السدود في تنفيذ مشروع زراعي، وهو أمر غريب، لجهة ان حكومة الولاية هي التي يفترض أن تكون صاحبة الولاية على اراضي الشمالية وليس وحدة تنفيذ السدود التي باتت المالك لأراضي الولاية. وبهذه الطريقة من الممكن أن تصبح مملكة سد مروي، ونحن بصفتنا مواطنين سنواصل مناهضتنا لقيام هذه المشاريع، وذلك لأننا أصحاب حق أصيل لا يمكن ان نتنازل عنه حتى ولو تنازلت حكومة الولاية، وارضت بالخنوع والاستسلام لقوة سلطات وصلاحيات إدارة السدود». وذات المشاهد التي توضح الصلاحيات الكبيرة الممنوحة لوزارة الكهرباء والسدود، تكررت في ولاية القضارف دون علم حكومتها ووزارت الغابات، حيث ازالت إدارة السدود أشجاراً من غابة الفيل، وذلك لتشييد مطار، وكانت رئاسة الجمهورية أصدرت قرارا بالرقم «76» في الرابع والعشرين من مارس الماضي يقضي بفك الحجز عن غابة الفيل «الرواشدة ودكابو» بولاية القضارف الذي يعود قراره الي الرابع عشر من أبريل عام 1960م، ووجهت وزارات العدل والزراعة والبيئة والغابات بالإسراع في وضع القرار موضع التنفيذ. وكانت وزارة البيئة والغابات قد اعتذرت عن فك الحجز الذي طالبت به من قبل وزارة الكهرباء والسدود، حيث طالبت فيه وزارة البيئة والغابات بفك الحجز عن مساحة «15.428» فداناً داخل منطقة الغابات بولاية القضارف «غابة الفيل» وذلك بغرض إنشاء مطار مقترح فى إطار المشروعات المصاحبة لمجمع سدي نهر عطبرة وسيتيت، إلا أن وزارة البيئة والتنمية العمرانية اعتذرت على لسان وزيرها فدوى شواي دينق، وأوضحت فى خطابها ردا على وزارة الكهرباء والسدود، أن أي مشروع اقتصادي أو تنموي لا بد له من إجراء دراسة جدوى بيئية. وأكدت أنها غير مرفقة مع الطلب، وأعلنت فدوى عن اعتذار وزارتها وعدم تمكنها من منح المساحة المحددة والمطلوبة من غابة الفيل لإدارة السدود. وذلك لأن فك الحجز عن أية غابة لا يتم إلا وفقا لإجراءات تتمثل فى مخاطبة الوزير المختص لمجلس الوزراء بإصدار توجيه بفك الحجز، كما أن فك الحجز يخالف قانون الغابات لعام 2002م المادة «31» ومخالف لقانون البيئة. وكانت هيئة الغابات قد بررت اعتذارها عن فك الحجز عن الغابة، بأنها قد تم حجزها لحماية المنطقة من الانجراف بفعل الأمطار، كما أنها تمثل حماية لمجرى نهر عطبرة وتوفير للمراعي للمنطقة ومراحيل للرعاة، وقرار رئاسة الجمهورية كان معنونا الى عدد من الوزارات الاتحادية منها العدل، البئية والغابات، الزراعة، التنمية العمرانية، الكهرباء والسدود. ورغم عدم موافقة وزارة الغابات على فك الحجز، ورغم عدم ظهور ردود رسمية من الوزارت التي خاطبها قرار الرئاسة، غير أن إدارة وحدة تنفيذ السدود شرعت في تنفيذ قرار الازالة، وهو الأمر الذي قوبل بالاستنكار من قبل حكومة ولاية القضارف التي لم تتم مخاطبتها أسوة بالوزارت الأخرى، وتفاجأت كما يشير أحد وزرائها بالتنفيذ، وعد الامر استخفافا بحكومة وتشريعي الولاية، وعلى إثر بداية تنفيذ إزالة الأشجار من المساحة المحددة بواسطة مقاول، قابلت وزارة البيئة والغابات الأمر بالرفض نهاية الاسبوع الماضي، واعترضت على الخطوة. ويقول مدير إدارة الغابات بالوزارة الاتحادية إن إدارته اتخذت قرارا مماثلا باعتراض وحدة تنفيذ السدود وإيقاف امر الازالة واستئناف القرار الجمهوري لدى السلطات الاتحادية. ورأى ميرغني أن ازالة الغابة يعد مخالفة صريحة لقانون الغابات لسنة 2002م وقانون البيئة لسنة 2001م، وقال إنه لا يمكن تنفيذ أي مشروع اذا لم يخضع لدراسة جدوى من قبل مختصين، واتهم إدارة السدود بإهدار الموارد الطبيعية والغابية، وقال إنها بقرارها تجاوزت إدارة الغابات، وان هذا الأمر من شأنه أن يؤدي الي تلف الغابة باكملها، غير أن مدير إعادة التوطين والدمج لسد سيتيت والي نهر عطبرة الدكتور محمد النظيف، أكد إن إدارته اخطرت إدارة الغابات بولاية القضارف، وكشف عن مناقشة القرار داخل أروقة مجلس الوزراء الاتحادي بحضور وزير البيئة والغابات.