ظل انضمام لمنظمة التجارة العالمية حلما يراود الحكومة، وتعمل وسعها وتبذل جهدها المتصل لبلوغ غايتها في حجز مقعد بمنظمة التجارة العالمية. وبالرغم من استيفاء السودان لكل الجوانب الفنية المؤهلة لنيل عضوية المنظمة، إلا أنه ظل يغرد بعيدا عن حماها محروما من الجلوس تحت مظلتها، بسبب تداخل الأجندة السياسة وسيطرة اللوبيات الغربية على مفاصل التجارة العالمية، فتأوي إليها من تشاء وتوصد أبوابها في وجه من لا ترضاه وإن تدثر بالقوة الاقتصادية واستوفى كل المعايير الفنية المطلوبة كما هو حالها مع السودان. ويرى خبراء أن الانضمام للتجارة العالمية عما قريب سيبصح إجباريا وليس اختيارا كما هو الحال الآن، في ظل الانفتاح العالمي بين الدول والقارات وتطبيق سياسة إذابة الحدود بين الدول واعتماد القدرة على التنافس الحر القائم على الجودة العالية والسعر الأقل، وقد أفردت الدولة للانضمام لمنظمة التجارة قدرا وافرا من السند والإرادة السياسية، آخرها توجيه نائب رئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه بإسراع الخطى لإكمال ملف الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، بالتنسيق مع وزارة الخارجية والوزارات ذات الصلة، لضمان إكمال عملية الانضمام لمنظمة التجارة العالمية. غير أن ثمة أسئلة حيرى تدور في خلد كثيرين عن جدوى الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، وما هي الفائدة المرجوة من ذلك، وإلى أي مدى سيرمي الانضمام بظلاله على الاقتصاد السوداني سلبا أو إيجابا، لا سيما في ظل عدم استفادته من الاتفاقيات الإقليمية مثل الكوميسا ومنطقة التجارة العربية الحرة، وقد شرع السودان في تطبيق التعرفة الجمركية الصفرية تدريجيا بعد منحه استثناءً لمدة خمس سنوات للتدرج في التطبيق. ويرى كثيرون أن تطبيق الاتفاقيات الإقليمية لم يستفد منه الاقتصاد السوداني، لجهة عدم قدرة المنتجات المحلية على منافسة السلع الواردة من دول الجوار بالأسواق السودانية، ناهيك عن منافستها في أوطانها، الأمر الذي قاد لخلق حالة من إغراق الأسواق بالمنتجات الخارجية، نسبة لضعف المنتجات وعدم قدرتها على المنافسة. وقال الدكتور محمد الناير إن السودان ليس أمامه خيار سوى الدخول في منظومة منظمة التجارة العالمية، شاء ذلك أم أبى، لأن أمر الانضمام لها غدا إجباريا، رغم تدثرها بكثير من الأغطية المختلفة وتمريرها للأجندة السياسية التي تقف حائلاً دون انضمام السودان للمنظمة في الوقت الراهن، لجهة تمريريها لأجندة ليست لها علاقة بالمتطلبات الفنية المطلوبة التي أوفى بها السودان. وقال الناير إن السودان لن يُضار بانضمامه للتجارة العالمية لسبب بسيط أنه الآن والج في اتفاقيات إقليمية على مستوى الكوميسا والمنطقة العربية، وحصل على ميزات تفضيلية للتدرج في تطبيق التعرفة الجمركية الصفرية. وأرجع الخلل الباعث على إفرازات الانضمام للاتفاقات الإقليمية والدولية على السودان الى عدم قدرة الصناعة السودانية على تقديم منتجات ذات جودة عالية وبأسعار أقل تؤهل منتجاتها إلى منافسة رصيفاتها الخارجية بالسوق المحلي والخارجي، حتى على مستوى السلع التي يمتلك فيها السودان ميزات نسبية أو تفضيلية. ويرى الناير أن المخرج المؤدي للقفز فوق جراحات الاتفاقيات الإقليمية والدولية يكمن في النهوض بالصناعة المحلية بمساعدتها وتسخير كافة الإمكانيات تعبيداً للطريق أمامها. وأعرب عن أسفه لعدم قدرة الصناعة السودانية طيلة السنوات الماضية على تطوير نفسها بالصورة المرجوة، جراء المكبلات التي أقعدتها عن منافسة منتجات الكوميسا والتجارة العربية التي توفر خلالها قدرا من الحماية للمنتجات السودانية، لأجل هذا يقول من باب أولى عدم قدرتها على منافسة المنتجات العالمية ما لم يتم تعديل منظومة الإنتاج الزراعي والصناعي بالبلاد، في ظل عدم توفر حماية لها، بل ستكون الحماية مرفوضة ليكون المحك التنافس الحر القائم على علو الجودة وقلة السعر. وختم الناير حديثه بدعوته لتغطية احتياجات السوق المحلي تماماً وإشباع حاجته، ومن ثم التطلع لغزو الاسواق الخارجية عبر اتباع حزمة تساهيل ومشجعات للإنتاج المحلي.