(وامشي فوق الدرب البطابق فيه خطوك صوت حوافرك) بهذ العبارات اتخذت الحكومة السودانية مسارها فيما يتعلق بعلاقتها مع مجلس الامن الدولي وبدت الخطوات متباعدة علي مستوي التفكير والتعاطي مع المسائل المتعلقة بتداعيات احداث ابيي ما بعد سيطرة الجيش السوداني علي المدينة وادارته لشؤؤنها الآن، وان اقدام القوات المسلحة لم تطأ سوي الاراضي السودانية التي يحق له البقاء فيها. هكذا بدت الصورة منذ ايام مضت في السودان والذي يعبر مرحلة تاريخية تنتظر الوصول الي محطة التاسع من يوليو من اجل الوصول الي تسوية نهائية لقضايا تركة سودان ما قبل التاسع من يناير، وخطوة اولي في استشراف مرحلة السودان المنقسم الي شمال وجنوب والعبور فوق معضلة ابيي المتشابكة والمتداخلة والمختلف حولها بين الاتجاهات المختلفة والعابرة للحدود والمهتم بها من قبل المجتمع الدولي ومجلس امنه الدولي والذي بقراره الاخير المحتوي علي (ادانة) التي خرجت بالاجماع لسلوك الحكومة وبقاء الجيش في ابيي ومطالبته الحكومة بسحب الجيش من داخل المنطقة رغم الاختلاف حول الصيغة النهايئة للقرار الدولي الصادر من مجلس الامن الدولي ورد فعل الحكومة عليه، اي تباعد خطوات الحوافر بين الجانبين وآثارها المترتبة علي مجمل الاوضاع في سودان ما قبل الخطوة الاخيرة او سودان ابيي وتداعياتها باعتبارها المحرك الاساسي لمجمل الاحداث الآن. قرار مجلس الامن ومطالبته بالانسحاب بعد ان تم ابعاد الالغام منه بحسب تعبير وزير خارجية السودان علي كرتي، والالغام المقصودة هنا هي التعبير في مسودة القرار الاول واشارته الي ما يعرف (بالابادة والتطهيرالعرقي) وهو ما كان يمكن ان يزيد من حدة الوضع المتفجر الآن ولكن لنتمعن في رد الحكومة علي البيان وحديث وزير الخارجية كرتي الذي قطع في تصريحات صحافية،بعدم قبول طلب مجلس الأمن باعتبار انه لم يأتِ بجديد، مشدداً على بقاء الجيش في أبيي الى ان يتم الاتفاق حول قرار يرضي جميع الاطراف ، وزاد « ستكون هذه الارض في حماية الجيش ، والحديث حول الانسحاب غير مقبول الا في اطار الاتفاق على ترتيبات يمكن ان تؤمن المنطقة وان تسمح للجميع بالعيش سويا » ،وأوضح كرتي، محاولة بعض الدوائر الحكومية لازالة الكثير من الألغام عن البيان حسب تعبيره ، وقال «بمساعدة دول صديقة تم ازالة الالغام التي كانت مضمنة في البيان، لكن في نهاية المطاف خرج القرار يدعو الحكومة للانسحاب من ابيي» في اشارة الى عبارة «التطهير العرقي»التي تضمنتها المسودة الامريكية الاصلية ، قبل رفضها من قبل بعض الاعضاء، وشدد على أن السودان ليس في حاجه لأن يُطلب منه الانسحاب من أبيي، وأضاف « عندما دخل الجيش أبيي كان لأمر طارئا ريثما يتم الاتفاق ، وهو جيش سوداني دخل أرضا سودانية وليست أرضا اجنبية»، وهي الردود التي صاغتها الخرطوم علي البيان القائل بأن سيطرة الجيش علي ابيي تمثل تجاوزا وخرقا لاتفاقية السلام الشامل وهو ما يمكن ان يعرض الخرطوم لفقدان المزايا التي يمكن ان تتحصل عليها في حال التزامها دون ان يفصل تلك المزايا، وهو الامر الذي يفتح باب التساؤلات حول مدي تأثير تناقض الخطوات وتباينها بين الحكومة السودانية ومجلس الامن الدولي، وهو امر تدخل معه تداعيات تتعلق بأطراف اخري وعلي رأسها الطرف الاخر وهو حكومة الجنوب، اولنقل دولة الجنوب المنتظرة فقط رفع راية استقلالها في التاسع من يوليو كآخر خطوات نيفاشا ليرتفع صوتها المناقض لصوت الطرف الاخر،والداعم لخطوة مجلس الامن الدولي والقيادي بالحركة الشعبية لوكا بيونق الذي اعتبر البيان يدعم خطواتهم الساعية لملاحقة من مارسوا تجاوزات في المنطقة للعدالة الدولية، وان الامر يقود لتوسيع خياراتهم امام حكومة الشمال وحديث لوكا الداعم مع حديث كرتي الرافض يجعل الصورة اكثر وضوحا فيما يتعلق بمسار القضية في المنطقة والموقف هناك الذي يسيطر عليه الجيش ويقوم بأداء دوره الاداري فيها في وقت تتواصل فيه مواجهات طرفي المعادلة الاخرين دينكا نقوك من جانب وفي الجانب الاخر المسيرية دون ان يحدث اختراق للمختلف حوله بين الجانبين والزمن يسابق الجميع في اتجاهه نحو اليوم الموعود بتداعياته المختلف حولها، وبقضاياه التي لا تنتهي ولا ينتهي الخلاف حولها ولكن دعونا نتجاوز ذلك الآن من اجل محاولة رسم سيناريو يتعلق بعدم استجابة الحكومة لتوجيه مجلس الامن وسحب جيشها من ابيي علي مجمل حراك ما قبل لحظة الوداع المنتظرة في يومها المحدد في ظل تباين خطوات كل (حافر) من الحوافر التي تمضي في اتجاه مصلحتها الخاصة، فالحكومة التي رفضت الدعوة مستندة الي محور يتعلق بسيادتها الداخلية وان ابيي هي جزء من حدود دولة الشمال وهو ما يعطي الجيش كامل الحق في القيام بدوره والتواجد في حدودها في وقت شاء واراد هذا النوع من الفعل وهو ما يمكن ان يمثل مسودة قانونية تمنحها لها حتي الاممالمتحدة الذي يمثل من اصدر القرار احد اذرعها المنصوص عليها في الميثاق الا ان هذه النقطة قد تتقاطع ونقطة اخري تتعلق بالظرف التاريخي والامر الواقع الموجود حاليا في السودان وتناقضات دولتي الشمال والجنوب، كما ان اتفاقية السلام الشامل نفسها التي جاءت بمجلس الامن اعطت المنطقة وضعا خاصا جدا وهو ما يجعل نقطة اخري تصعد لسطح الاحداث تتعلق باختلاف اخر بين نقيضين ادمنا عشق ثوابت الاختلاف في كل المراحل اخرها ما يتعلق بتواجد قوات اليونميس المرفوضة شمالا والمرحب بها من قبل اهل الجنوب، وهو ما يجعل كثيرا من المراقبين في تحليلهم لبيان مجلس الامن الاخير يقولون انه محاولة لايجاد فرصة لاستمرار قوات اليونميس في وضع اقدامها في السودان بعد نهاية التفويض الممنوح لها وفقا لجدول الاتفاقية الموقع عليها بين الطرفين في العام 2005، مما يجعل من البيان مجرد لفت نظر للحكومة السودانية فقط اي ان عملية تطبيقه علي ارض الواقع تبدو علي درجة عالية من الصعوبة في حال رفض حكومة الخرطوم الالتزام بنص التهديد الموصوف من قبل وزير الخارجية بأنه يمثل ردة الي العصور السحيقة في التعامل مع السودان، وهو التصريح الذي يمكن قراءة ما بين سطوره ان ثمة تقارب بين الحكومة والمجتمع الدولي او ان الحكومة تلتزم باستحقاقاتها الدولية وتنفذها بالرغم من الاتهام من الطرف الاخر بأن الامر غير ذلك تماما، وان حكومة الخرطوم ادمنت نقض العهود والمواثيق . ولعل موقفا اخر جديرا بالتأمل هو موقف المسيرية حول البيان نفسه والذي اعتبروه جاء متسرعا ولا يعبر عن مسار القضية، وجاء منحازا لطرف علي حساب اخر مما يعني ان تطابقا في المواقف بينها وبين الحكومة وهو امر قد لا يصب في صالح عملية السلام التي ينشدها مجلس الامن بحسب ميثاق الاممالمتحدة التي يمثلها وهو ما يعني ان القرار ربما يضاف لقرارات اخري تتعلق بالمنطقة لم ترَ نور التنفيذ علي ارض الواقع، الا ان مراقبين للوضع بالسودان يرون ان الالتزام بقرار المجلس يظل رهينا وبشكل اساسي بتطورات الوضع في المدينة نفسها وبمعادلة القوي لدي جوانب العملية السياسية بين الشمال والجنوب في سبيل السعي للوصول لمحطة التاسع من يوليو، وتحقيق اكبر قدر من المكاسب ليست في ملف ابيي وانما في الملفات الاخري المختلف حولها وهو ما جعل محدثي عبر الهاتف استاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين الدكتور عوض سليمان، يقراء القرار في اطار صراع المصالح بين المكونات المختلفة، مستندا الي الاختلاف حول مساراتها المتناقضة وهو الحبل نفسه الذي تلعب عليه حكومة الخرطوم من اجل تحقيق مكاسبها الخاصة قبل ان يقول ان معادلة العلاج الحقيقي في المنطقة لا يمكن تحقيقها بفاتورة خارجية وانما يمكن الوصول اليها من مكونات المنطقة نفسها بإعادة روح التماسك الانساني بعيدا عن قوي الجيشين السوداني والشعبي، وهي المعادلة التي تعني في خاتمة المطاف انتفاء الحاجة لقوات اممية او افريقية بالمنطقة، وهو ما يعني ان خطوة الادانة الدولية ومقابلة رد الفعل الحكومي الرافض لها، له ما بعده وان تناقض الخطوات يفتح الباب اما القادم من السيناريوهات.