ثمة إحساس عميق سيطر على سكان الأحياء بالخرطوم بأن خريف هذا العام لن يكون مثل سابقيه واذا كانت سمة الخرطوم في كل خريف هي المعاناة فان تصريحات اهل الحكم كانت تؤكد بان الولاية قد اعدت العدة لتصريف المياه خلال فترة وجيزة بعد تأهيل كافة المصارف السطحية،كما ان الولاية ظلت تؤكد توفير عدد من الآليات ما يمكنها من مواجهة اية ازمة مرتقبة .. غير ان تصريحات اهل الحكم مضت ادراج الرياح .. جاء الماء وكذب الغطاس ومع اول وابل من زخات المطر تحولت المدينة الى بركة وطين لعدم وجود المصارف في بعض المناطق ولعدم كفاءتها .. اتضح عدم فاعلية هيئة الطوارئ كما اتضح الافتقار للآليات كما كشف الواقع زيف الادعاء بفتح تلك المسماة مجازا بالمصارف .. ليست هيئة مياه الخرطوم وحدها من يستحق الاقالة والتجريم ..هكذا تحدث الناس الذين حاولوا الوصول الى اماكن عملهم قبل ان تحرمهم كميات المياه والطين وتوقف مواعين النقل لتشهد المدينة ازمة مواصلات حادة . ( الصحافة ) تجولت في انحاء الولاية لترسم صور معاناة المواطنين جراء ضعف تصريف المياه . بدأنا الجولة من محلية جبل اولياء اكثر المحليات تأثرا بمياه الامطار .. كانت مناظر المياه تملأ شوارع الاسفلت بعد ان فاضت من بقايا المجاري وفي الميادين الداخلية للاحياء كانت المياه تصل الى حافة الدور ، وفي شارع الشيخ النذير بالكلاكلة القبة امتلأ شارع الاسفلت بالمياه والعربات والركشات تنثر المياه يمينا ويسارا في وجوه وملابس المارة وعلى طول الطريق كانت النفايات تسد مداخل المياه عن الوصول الى المصرف الرئيس . وفي وسط سوق اللفة تكررت المشاهد ذاتها ، شوارع وساحات السوق مليئة بمياه المطر .. والمارة يحاولون الوصول الى مقاصدهم عبر مكبات النفايات التي تعالت عن مستوى سطح الارض بفضل تراكمها .. وآخرون يمشون تحت جدران المحلات معرضين حياتهم لخطر سقوطها عليهم بعد تشبعها بالمياه ، وعلى الشارع الرئيس للكلاكلة اللفة كانت الفسحات قد فاضت جنباتها بالمياه وعمال اليومية جالسون حولها ينظرون الى انعكاس صورهم على المياه وهم يشكون حال بؤسهم الذي قذف بهم في المدينة القذرة .. في شارع الكلاكلة صنقعت كانت المياه على مد البصر كأن بحر ابيض قد فاض بغضب وآثر اغراق المنطقة مع سبق الاصرار .. ولان الشارع هنا هو المعبر الوحيد والاساسي لمنطقة الكلاكلة شرق ومستودعات البترول بالشجرة والمواصلات المتوجهة الى الميناء البري فقد كان الضغط على الشارع يتزايد بمواعين النقل كما ان حركة السير في المياه تتسم بالبطء ما يؤدي الى تكسر الاسفلت ، ويقول محمد نصر وهوصاحب محل تجاري « في كل عام نحن هكذا لا توجد مصارف لمياه المطر وتظل البرك في مكانها الى ان تجف بفضل حرارة الشمس « . واثناء تجوالنا صادفنا مهندسي الوحدة الادارية مع عربة ( بوكلين ) تحاول جاهدة فتح مسار لتصريف المياه بينما الركشات وعربات الكارو تمشي الهوينى في بحيرات المياه ، كنا نرى من يحاول جاهدا المسير بطول الشارع الا ان الشوارع العرضية تحول دون ذلك مما يضطرهم الى رفع سراويلهم والخوض في المياه . وعلى امتداد شارع الكلاكلة الخرطوم في الكلاكلة قطعية والقلعة وابو آدم والعزوزاب والشجرة كان المشهد يتكرر بذات تفاصيله المثيرة للاشمئزاز ، وصلنا الخرطوم .. في محلية الخرطوم وامام مدخل جامعة السودان وبالجانب الشمالي لاستاد الخرطوم كانت المفاجأة خلو الشارع من المارة في ظاهرة تحدث للمرة الاولى وما لبثنا ان عرفنا السبب : مياه الامطار تملأ المدخل الى الاستاد ، ليقف المارة في صفوف طويلة على جانب المحلات التجارية محاولين الوصول الى مواصلات الاستاد اياديهم مستندة على الجدران متسلحين بصبر السلاحف حافظين توازنهم كما الكركي ( أبو سعن ) حتى يقاومون السقوط في وحل المياه التي تختلط هنا بمياه الصرف الصحي الآسن .. الناس هنا يعبرون في صفوف وفق نظام انساني بديع اذ عليك بانتظار القادم حتى يعبر وتستغرق العملية زمنا طويلا . من بعيد لفتت انتباهي بثوبها الابيض تعلن تبرمها الصريح من ناس الولاية وضعف الاستعداد لمقابلة فصل الخريف تساءلت اطياف عبدالماجد المحامية اين الوالي؟ اين المعتمد؟ هل اتوا ليروا بام عيونهم الاستعدادات التي ثقبوا آذاننا بتصريحاتهم حول اكتمال الاستعدادات وتأكيد قدرة الولاية على مواجهة موسم الامطار ؟ في بحري وبمنطقة كوبر كانت المياه تملأ حافة الشوارع وعربات شفط المياه تحاول ما امكنها شفط المياه بعد ان عز عليها الانحدار الى المصارف الأثرية . ولم يختلف الوضع في شرق النيل اذ غطت المياه الساحات والميادين والشوارع الداخلية وفي شوارع الزلط التي تحولت الى مجارٍ لتصريف المياه. ولم يكن الحال في امدرمان افضل من سابقيه ، ففي شارع الصناعات كانت برك المياه تغطي كل مكان ، اما السوق الشعبي فقد كان اسوأ مكان في امدرمان كلها حيث يغطي الطين الشوارع وتعذر على المواطنين التحرك ، وفي تقاطع كبري الانقاذ جهة امدرمان امتلأت حدائق (حبيبي مفلس) بالمياه عن بكرة أبيها .