مارس السودان التخطيط منذ مطلع القرن العشرين بمفهومه واسلوبه الغربي، الا ان التخطيط المؤسس بدأ منتصف القرن السابق بصدور اول قانون للتخطيط وانشاء لجنة تخطيط المدن المركزية تحت اشراف وزارة الحكم المحلي العمراني، لكن يبدو ان تخطيط العاصمة الخرطوم يفتقد الى المراقبة من قبل الجهات المنفذة على الرغم من اصدار قانون البناء بولاية الخرطوم و قرارات رئيس الجمهورية القاضية بعدم التغول على الميادين والساحات العامة داخل الاحياء الا ان التعدس على الميادين والشوارع بات امرا مسموحا به لاصحاب المنازل وذلك من خلال عمل حديقة او سور خارج المنزل او وضع حاويات او انقاض المباني التي تأخذ حيزا كبيرا من عرض الشارع وان معظم هذه المنازل على الطرق الرئيسة اضافة الى اصحاب البقالات والمغالق والميكانيكية يأخذون حيزا اكثر من الذي صدق لهم وقيام اسواق عشوائية من رواكيب الجوالات ووقوف العربات على الشارع الرئيس كما تم التعدي على الشارع من جهة ام درمان من جانب اصحاب المهن الحرفية وتجار الفخار والحطب اضافة الى التعدي على الميادين العامة التي تعتبر متنفسا لاهالي المنطقة. وفى الفترة الاخيرة ازدادت شكاوى المواطنين عبر «الصحافة» بسبب الاعتداء على الميادين وفى مايو الماضى عبر مواطنو منطقة الخرطوم «3» عن سخطهم عندما فوجئوا بتعدي احد المواطنين على الميدان الذي خُصص للمنطقة منذ العام 1955م، ويقول سكان الخرطوم 3 إنهم يرفضون ظاهره التعدي على الميادين استنادا على قرارات رئيس الجمهورية التي تقضي بعدم التعدي على الميادين العامة والساحات داخل الاحياء، وتحدث (للصحافة) مجموعة من اهالى الخرطوم «3» وإلتقينا ببهيجة أحمد التى تسكن فى المنطقة منذ 17 عاماً وأفادت بأن الميدان المتنفس الوحيد لمواطنى المنطقة حيث تقام فيه الأفراح والأتراح اضافة إلى أنه ملعب يمارس فيه أطفال المنطقة لعبة كرة القدم وليس لديهم ميدان فى المنطقة غيره لذلك استنكر جميع السكان انتزاعه بواسطة مستثمر يريد بناءه وكانت ردة فعل المواطنين التجمهر بالميدان ومنع المقاول من ممارسة عمله لكن بعد أن قدم المستثمر شكوى ضد السكان جاءت شرطة مكافحة الشغب وسيطرت على الموقف فيما قال المواطن قاسم محمد علي: حسب قرار رئاسة الجمهورية والقاضى بعدم التعدي على الميادين التى تعتبر متنفسا لسكان الحى نناشد الجهات المختصة منع ومتابعة الاستحواذ على ميدان «الخرطوم3»، وأضاف قاسم: إذا كان لابد من استغلال ذلك الميدان أن يكون استغلاله لمصلحة المنطقة وان تشيد فيه مجموعة من المباني الخدمية التى يستفيد منها أهالى الحى. وتحدث الينا عضو اللجنة العليا لتطوير «الخرطوم 3» محمد حمدى محمد قائلا: إن هذا الميدان هو المتنفس الوحيد لاهالى المنطقة وبه أول مكتب بسط أمن شامل فى الخرطوم3 الذى افتتحه رئيس الجمهورية وبالتأكيد ستتم إزالته بمجرد الشروع فى تنفيذ المشروع والمكتب يمثل الأمان للسكان وإزالته ستزرع الهلع والخوف بالمنطقة وستتعرض الى السرقات التى لم تحدث منذ إنشائه، وقال: فى بداية الاسبوع الماضى تفاجأ سكان المنطقة بوجود شخص إدعى ان الميدان ملك له ولديه أوراق ثبوتية وقال: يعتبر هذا الموقع المتنفس الوحيد لسكان الحى لاقامة جميع المناسبات «الافراح والاتراح» وهذا الموقع كان فيما سبق حديقة عامة فى الفترة بين 1958م حتى 1970م وعند الرجوع لخارطة الحى تبين لدينا إن هذه الارض ارض فضاء من العام 1955م واستنادا على قرارات رئيس الجمهورية القاضيه بعدم التغول على الميادين والساحات العامة داخل الاحياء يناشد سكان المنطقة الجهات المختصة التدخل لوقف هذا التغول واعطاء التصديق النهائي للجنة الشعبية حتى يتسنى لمواطنى المنطقة البدء فى إجراءات تشييد الموقع لمنفعة مواطنى المنطقة. ومن المناطق التى باتت انموذجا للتعدي على الشوارع الرئيسة المنطقة الصناعية حيث نفذت محلية الخرطوم حملات بالمنطقة الصناعية وأزالت بموجبها هياكل السيارات القديمة المهملة لسنوات فضلاً عن فتح بعض الشوارع الرئيسة، واعلنت عن ان هذه الترتيبات لا تستهدف التأثير على الحرفيين وقطع ارزاقهم بقدر ما هي خطوات من اجل توفير النظام وضبط الشارع العام. وقابل النفي الذي اكدت عليه المحلية ارتياحا لدى الحرفيين الذين كانوا يخشون ان يفقدوا مصدر رزقهم مطالبين بتخصيص محلات ثابتة يمارسون فيها المهنة، وان تكون المنطقة الصناعية وفق مواصفات ومعايير للمحافظة على ارواح الحرفيين وممارسة مهنتهم فى بيئة صالحة للقيام بعملهم واصفين المنطقة الصناعية بانها باتت عبارة عن اوكار مهجورة بسبب بقايا هياكل العربات القديمة التى ساهمت فى ازدياد تراكم النفايات وخلقت بيئة تساهم فى حدوث الجريمة، ما جعلهم يطالبون بضرورة اعادة تنظيم المنطقة الصناعية الجديدة مع عدم قطع ارزاق الناس وهو الامر الذي اكدت عليه محلية الخرطوم مع تأكيدها على ضرورة التنظيم . التقت «الصحافة» بالحرفى بالمنطقة الصناعية الخرطوم ميسره سعد والذي قال ان المنطقة الصناعية باتت عبارة عن اوكار بسبب تراكم هياكل السيارات القديمة ما ادى الى اكتظاظها ، حتى بات الحرفى يعانى من ممارسة عمله بارتياح وابان ميسره ان البنية التحتية للمنطقة الصناعيه غير مساعدة للعمل لذلك لابد من تأهيلها لتنظيم ممارسة المهنة لكن لابد عند تنفيذ المحلية للمعالجات ان تراعى مصلحة الحرفيين لانها مصدر رزق اساسى لهم واذا حدث غير ذلك فسيؤدى الى تشريدهم والحاق الضرر بهم. خبير قطاع التخطيط والتنمية العمرانية بالمجلس الاعلى للتخطيط الاستراتيجى بولاية الخرطوم محمد الاشرف قال: ان الاعتداء على الشارع العام محاوره عديدة بالنسبة للتخطيط الاستراتيجى وبات هم المجلس الاعلى للتخطيط الاستراتيجي الحد من ظاهرة التعدي على الشوارع خاصة مخالفات المباني التى تشكل خطرا من الناحية الصحية والتأمينية اضافة لتشويه المظهر العام وقد تم اصدار قانون البناء بولاية الخرطوم ويحتوى القانون على الاعمال التى تخص العمل الفنى والمظاهر العامة فى طريقة البناء ووضع مواد البناء داخل حدود المبنى المراد تشييده مؤكدا ان القانون لم يفعل مطالبا المحليات بتفعيل القانون مع الرقابة الكاملة ولكى تضمن المحليات تفعيله بصورة جادة لابد من الرقابة عبر الوحدات الادارية الموجودة فى الادارات الهندسية واشار الاشرف الى ان الوالي طرح للمحليات فكرة المعاون الادارى بجانب اللجان الشعبية بان يكون حلقة وصل بينهما لمراقبة ما يحدث من تجاوزات فى الاحياء من المواطنين على الشارع العام واعاب على المحليات رداءة خدماتها بالاحياء والذى يهمها دفع الغرامات فقط دون الاهتمام بازالة المخالفة، وابان ان اللجان الشعبية السابقة لم تقم بدورها المناط بها لكن التى كونت خلال هذا العام ممكن ان تلعب دورا كبيرا فى ترقية الاحياء لانها تضم شريحة الشباب خاصة انها انشئت بقانون وهى وحدة حكومية مصغرة ولها الكثير من الصلاحيات. بعد تفاقم ظاهرة التعدي على الشوارع الرئيسة قام المجلس الاعلى للتخطيط الاستراتيجى بدارسة للحد من هذه الظاهرة التى باتت تشكل منظرا غير حضاري غير انها اخذت حيزا كبيرا من الشوارع الرئيسة ما ادى الى اختناقها ومن الاهداف الاستراتيجية للدراسة تطوير البنية التحتية المعلوماتية لفعاليات التخطيط والتنمية العمرانية وتحديث طرق اجراءات العمل الهندسية والادارية وتطوير التشريعات العمرانية وكفاءات التخطيط العمرانى اضافة الى الانفتاح العلمى والتعاونى الدولى فى التخطيط. وقال الاشرف ان الدراسة وضعت حلولا للحد من ظاهرة التعدي بتفعيل قانون التعدي على الاراضى الحكومية وجاهزية السلطات المحلية لاخذ دورها فى التخطيط الحضرى وانشاء نيابة متخصصة وتحديد استخدامات الاراضى وضبط النمو العمرانى والتعامل مع مواد البناء ومخلفات المباني والتنسيق التام بين هيئة الاراضى وتنظيم البناء مع المحليات والمؤسسات والهيئات ذات الصلة ومنع العرض الخارجى او المؤقت ومراجعة الاستخدامات المختلفة للاراضى ومراجعة المتعدى عليه وتحسين اساليب المراقبة والتفتيش على المبانى وتحقيق مبدأ المحافظة على الخصوصية السكنية وخلق آلية متابعة على مدار اليوم لمراقبة التعدي واتخاذ الاجراءات اللازمة وانشاء مواقف رأسية تستوعب العدد الكبير للسيارات والتى تعتدي على الرصيف وتنظيم وقوف السيارات فى المواقع التى تتسم بحركة نشطة ومنع التجارة على جانب شاطئ النيل وجعله مزارات سياحية وتطوير المناطق الصناعية وجعلها جاذبة للمستثمرين . وتحدث «للصحافة» هاتفيا مدير ادارة الطرق سابقا بوزارة التخطيط العمرانى بولاية الخرطوم المهندس اسامه عبد السميع قائلا ان التعدي على الشارع العام والميادين غير انها ظاهرة غير حضارية يعتبر خطأ ومخالفة يعاقب عليها القانون لان التخطيط يضع خرطة متكاملة لكل الاجزاء ولكل جزء مهمة معينة واى تعدٍ على اى جزء يفقد التخطيط قيمته، كاشفا ان الوحدات الادارية دورها ضعيف بالاحياء مقارنة بكمية التجاوزات التى تفشت فى جميع احياء العاصمة خاصة الميادين التي باتت مكانا لتراكم انقاض المباني مشيرا ان المسئولين ليس لهم دور فى ذلك ولابد من العمل على اصعدة مختلفة للحد من هذه الظاهره حتى اذا كانت توعية المواطن ببرامج مختلفة. يبدو ان تفاقم هذه الظاهرة ساعد عليها عدم الرقابة وتفعيل قانون البناء الذى اصدرته ولاية الخرطوم وان اللجان الشعبية عبارة عن صورة اضافة الى تهاون المحليات فى ممارسة مهمتها لكن يبدو انها لاتفلح الا فى جمع الرسوم والضرائب وان التعدي لم يقتصر على الاحياء الطرفية من العاصمة بل تعدى الى الاحياء الراقية وبعض حدائق منازل بعض المسئولين الكبار تعدت حدائقهم على الشارع العام.