الذي يرقب النمو الاقتصادي والسياسي لليابان، يصل إلى حقيقة مؤكدة هي أن بلوغ هذه البلاد لهذه المكانة التي ناطحت بها السماء حيث مكانها الجغرافي في أقصى شرق الكرة الأرضية، ارتكز أساساً على البنية الثقافية التي يحملها شعب ودود يحب كل الشعوب. ودعم هذا الاعتقاد الفنان التشكيلي الياباني هياشيا إماما رو الذي كان يتحدث إلى «الصحافة» بأن الثقافة اليابانية رسَّخت ثقافة الحوار وقبول الآخر والنظر إليه بوصفه منتجاً ومتعايشاً ومتصالحاً مع ما حوله، مشيرا إلى أن المفهوم الذي يعتبر أرضية انطلقت منها هو الأسس العامة التي ينهض عليها الحوار الحضاري بين الثقافات المختلفة الأخرى. وأبدى الفنان التشكيلي لفن القص السريع إعجابه بالفن التشكيلي السوداني، وعزا ذلك الى خصوصية طباع شخصية الشعب السوداني وقال: «إن أسس التفاعل الثقافي بين السودان واليابان قائمة على نحو سليم في احترام كل منهما الآخر»، مبينا أن الحوار والتفاعل بين الحضارات، قيمة سامية تجسدت بين البلدين، مع الاستمرار في الحفاظ على قيم التعاون والتسامح واحترام الهويات الثقافية وخصوصيتها، مؤكداً على ضرورة التزام القيم النبيلة التي تطرحها الثقافة الحوارية على اعتبار أنها تمثل جسراً من جسور التواصل بين الأمم والشعوب. وأضاف أن هناك متشابهات بين الثقافتين اليابانية والسودانية التي تمثل الوجه العربي الإسلامي فيها، حول جوانب ثقافية واجتماعية، فعلها الدارسون من الطلاب السودانيين المبتعثين على مدى سنين طويلة ماضية وحتى هذه اللحظة، لما اكتسبوه من لغة وفن وعلوم تطبيقية وإنسانية وإعلامية، مشيراً إلى أنهم استطاعوا أن يحولوا الاحتكاك إلى واقع ملموس في تعاملهم مع الشعب الياباني. وعلى صعيد تجربته الفنية في الفن السريع قال هياشيا رو إنه كسبها من بيئته التي كان يعيشها، مبينا أنه وجد فيها بغيته كأداة للتعبير عن هويته وثقافته وأفكاره، وهو سعيد بذلك، مشيرا إلى فن القص السريع يختلف عن فن الرسم الكارتوني، موضحا أن هناك نوعين منه، هما رسم المانجا والإنيميشن، وأضاف أنّ الفرق بين المانجا والإنيميشن هو في القصَّة، حيث المانجا في فلسفة اليابانيين تعني القصص المصوّرة أي البصرية. وفي خضم هذه الثقافة اليابانية وجدت ثقافات قديمة سبقتها بقرون، وهي ثقافة تقليدية تناهض التطوير والتجديد التي تتطلبها حاجة العصر الحديث، غير أن اليابان طوَّرت ثقافتها بشكل جعلها في مصاف الدول المتقدمة في عالم الصناعة والتقنية والعلوم. وعن عاداتهم وشكل البروتوكول الياباني المتميز، قال فنان القصّ السريع: «بالفعل لليابان ما يميزها من زيّ تقليدي يعرف ب «الكيمونو» يعطي قوة ثبات للجسم ويحافظ على استقامته من خلال الحزام الذي يلف به، ويسمى أوبي»، موضحاً أن الكيمونو يلبس في المناسبات الخاصة كالزواج والوفاة والاحتفالات الشعبية ومراسم احتفال الشاي، مشيراً إلى أن كيمونو النساء يختلف عن كيمونو الرجال، مقارنا ذلك بالزي التقليدي في السعودية في الوقت الذي يتميز فيه عن زي النساء التقليدي. وأضاف أن المجتمع الياباني يعظم من قيمة سلوك الفرد، حيث يحترم الصغير الكبير ويرحم الكبير الصغير، مبيناً أن من عادات اليابانيين في بروتكولهم أنه لا يجوز النقاش بصوت مرتفع، كما لا يجوز استخدام لغة الجسد وإشاراته، أو التلويح باليد، وخلافها، لافتاً النظر إلى أن التلميذ الياباني في المدرسة لا يسمح لنفسه أن يتقدم على معلمه في السير، أما في حالة الإقدام في السلام عليه لا بد للتلميذ من إبداء نوع من الاحترام والتقدير عند القيام، ويرى في ذلك تشابهاً بين الأخلاق اليابانية والإسلامية الشائعة في السودان أيضاً. وأشاد هياشيا رو بالعلاقات الثقافية الثنائية التي تجمع اليابان مع السودان، مبيناً أن الأخيرة تشكل دولة مهمة لها ثقلها ومكانتها على المستويين الإقليمي والدولي ثقافيا وسياسياً واقتصادياً، مؤكداً أن الفنانين التشكيليين السودانيين أحد أهم التظاهرات الثقافية والفنية التي تقدم تراث وثقافة وفن السودان لكل المثقفين في بقاع العالم، موضحاً أن قدرة عرض الفنانين السودانيين أعمالهم الفنية في اليابان، من شأنها ليس فقط تحقيق التقارب الثقافي الاجتماعي بين الشعبين، وإنما تساهم أيضاً في بلورته في شراكة استراتيجية على كافة ال?عد. وكان النادي الأدبي بالرياض قد أقام أخيراً ثلاثة أيام يابانية، وذلك بالتعاون مع السفارة اليابانية، حيث تم فيها عرض ثلاثة أفلام يابانية على مدار الأيام الثلاثة، وهي «فيلم المدرسة في الغابة»، لمخرجه يوشيهارو نيشيغاكي، وفيلم «الشفق الساموراي» لمخرجه يوجي يامادا، وفيلم «دائما الغروب في الشارع الثالث» لمخرجه تكاشي يمازاكي. وعالجت هذه الأفلام المناطق الريفية في اليابان، والتعامل مع الصداقة، وحياة أفراد القرن التاسع عشر، ومبادئ الأسرة والشجاعة، إضافة إلى تسليط الضوء على مدينة طوكيو في الخمسينيات الميلادية، وطبيعة الحياة السعيدة بتسليط الضوء على اليابان بعد فترة الحرب العالمية الثانية.