برام «الكلكة» أو الحديبة ام الديار هى تلك الرقعة الجغرافية من هذا الوطن العزيز التى تقع بولاية جنوب دارفور حالياً، وتتمدد مزهوة بمواردها الضخمة «البشرية والمادية» في المساحة المهولة بين جنوب مقدومية نيالا وشمال بحر العرب في مساحة قدرتها مسوحات الحكومة الانجليزية المستعمرة «بضم الميم الاولى وكسر الثانية» آنذاك ب 46800 كلم مربع وهو ما يعادل خمس « مساحة مديرية جنوب دارفور القديمة التى تشمل حاليا «فكة» من الولايات اختاروا لها في تطور سياسى لاحق أسماء جنوب دارفور والضعين وزالنجى.. وبفعل كيمياء السياسة ذاتها ان?فخت بطن برام فأنجبت سلسلة من المحليات هنا وهناك تعيش جميعها للأسف تحت خط الفقر وتتقاتل مكوناتها القبلبية في لا شىء، فتحولت تلك الارض الغنية الى خراب ويباب اصبح مرتعا للنعام ومرافعين الظلام وثعالب المصلحة الضيقة التى تعوى ليل نهار بهتاف الفتنة، مما دفع بالمنطقة كلها الى الهاوية التى يتطلب انتشال الناس منها الحكمة والاستجابة لصوت العقل وصحوة الضمير، وكل هذه المداخل الإنسانية يلعب التعليم فيها الدور الحاسم كمسار آمن الى أنبل الغايات التى تحقق رسالة الإنسان في الارض باعتباره رسولاً للسلام ومناصراً للحق والفضيل?. ومدينة برام التى شبت عن الطوق مبكراً في عهد دولة السودان الحديثة عقب الاستقلال، استفادت كثيرا من معطيات التأريخ والجغرافيا، فأصبحت قبلة لكل الناس من هذا السودان العريض، فقصدها الجلابة من الوسط والشمال بحثا عن الرزق الحلال، وهاجرت اليها مجموعات الفلاتة والهوسا وضخوا في شرايينها الحيوية والنشاط، وهوت افئدة من الناس تلك الكلكة، وفى مودة تامة استقرت مجموعات السلامات تحت راية نظارة الهبانية ومثلهم اندمج البنى حسن والمهادي والمساليت والمسيرية والبيقو والفرتيت والبندلة والكريج والقائمة تطول، وتفاعل كل هذه العناصر?مع الهبانية اعطى للمنطقة هدوء الطبع وجمال الملامح ودقة القسمات التى منحت المنطقة نكهة سودانية خالصة ظلت محفورة في الوجدان توارثها الابناء في حميمية بائنة سجلها شعراء الهبانية في تداولهم الشعبي بالقول.. وعلى سبيل المثال مأثورة الشاعر الهداي التى أنشد فيها قائلا: «بلاد الدنيا تلاتة مكة العزاها الله وتونس الخضراء وبرام الكلكة الحديبة أم الديار»، وتعتبرهذه الروشتة الحنينية منتهى الوفاء من أهل الكلكة للكلكة التى يحبونها ويخلصون اليها في حبهم الذى قاوم جور السنين في عناد بطولي رغم تسمم الجو العام بدخان نيران الح?ب ورائحة تعفن الجثث البريئة وتمدد لهيب نيران الفقر التى شوت جسد واحدة من اغنى المناطق واكثرها ثراءً في السودان، ورغم ذلك تفخر الكلكة وتفاخر بأنها مازالت تمتلك ثروة حيوانية ضخمة تمثل 17% من ثروة ولاية جنوب دارفور ترعى في مراعٍ طبيعية قل أن يجود الزمان بمثلها، فالغطاء النباتي والغابات تغطى 64% من مساحة الكلكة، والانهار والوديان الموسمية تتصدى بحاتمية لحاجة الانسان والحيوان «خريفاً صيفاً»، أما بالنسبة الى المخزون الجوفى من المياه فيكفى ان الكلكة هى قلب الدائرة بالنسبة لحوض البقارة الذى تتوسل اليه مدينة ني?لا لفك حصار العطش عنها، وكل هذه المشاهد هى جزء من ملامح الصورة التى تجعل من برام الكلكة صاحبة حق منطقى وموضوعى في تعبيد الطريق الواصل بينها ونيالا من جهة «الحديث موجه بالدرجة الاولى لحكومة كاشا» دون إغفال لأهمية وحيوية شريانها الشمالى مع الضعين الذى يستمد بالغ اهميته من عمق التداخل والرابط الاجتماعى الاقتصادى بين المنطقتين دار الرزيقات ودار الهبانية، ولنا في الجغرافية التاريخية اسوة حسنة في دولة كالسودان يتنفس اهله في تباهٍ عبق الارث والموروث.. وعلى خلفية الوفاء للمنطقة وعرفانا بما أعطت، يأتي قيام الدورة ?لمدرسية ببرام استردادا لدين مستحق للكلكة التى أنجب تعليمها الافذاذ من ابناء السودان الذين تتلمذوا بمدارسها يأتى، في مقدمتهم الحاج آدم نائب الرئيس والاخ على محمود وزير المالية الاتحادى والفذ الريح عبد القادر الفائز بجائزة الاممالمتحدة العالمية للترجمة، وهناك العشرات من حملة الدرجات العلمية الرفيعة والرتب العسكرية العليا في شتى ضروب الحياة والتعلم في رحلات امتدت منذ 1945م تاريخ دخول التعليم النظامى المرتب الى برام الكلكة وحتى الآن، في تسلسل منطقى تتسع دائرة اندياحه التى استوعبت في حركة اندياحها الكثير من ال?موز والقامات السامقة، ومن مخزون الذاكرة تفاخر المنطقة بعطاء معلمين اكارم منهم خليل محمد صالح «من توتى» ومحمد الحسن كمبال والاستاذ عوض أوشي «من الشمالية» والست جميلة «الفاشر» وهناك عبد الوهاب سيد أحمد «من الكاملين» والاستاذ عبد السلام رمضان «من أبوعشر» والمتميز أمين مجاور «من النهود» والاستاذ مأمون «من الجزيرة» والمربى جيلانى احمد يوسف «من المزروب» والاستاذ محمود موسى اسحاق «من مليط» والاستاذ جبارة «من كردفان» ومعلم الانجليزية الخطير دسكفر «من جبال النوبة» وآخرون وآخرون كالنجوم اضاءوا سماء الكلكة، وعفواً ان?هم سقطوا عبر ثقوب الذاكرة التى تآكلت بفعل عوامل التعرية، فالمنغصات كتيرة والحمد لله. واهل المنطقة ببرام يعولون كثيرا على قيام هذه الدورة المدرسية لمدارس ولاية جنوب دارفور، وفى واحد من الإنجازات التى تحمد لحكومة كاشا تمويل قيام هذا العرس المدرسى الذى من خلاله سوف يتم بناء المسارح وصيانة المدارس واعادة تأهيل كل دور ومقار التعليم التى علاها غبار السنين وامتدت اليها ايادى الزمان، ولتحقيق الغاية من وراء قيام هذه الدورة المدرسية ببرام يجب على الجهد الشعبى ان يتكامل مع الجهد الرسمى في توفير كافة المدخلات المطلوبة لخلق النجاح والقذف به في رحم المنطقة الذى هو في امس الحاجة الى التخصيب الحلال لينتج?قمحاً وفرحاً وتمنياً. ومن باب استقطاب الدعم المطلوب لتمويل برامج عمل الدورة المدرسية المقامة ببرام في العشرين من هذا الشهر الجاري، يجب أن تبلغ مبادرات الأخ سعيد حسين الماحى «رئيس رابطة ابناء مناطق الهبانية بالخرطوم» الى منتهاها، ويحمد له ان قافلة تلك المبادرات قد انطلقت بالخرطوم في مطلع هذا الشهر في دار الرابطة بأم درمان بحضور الاخ ابراهيم سلطان معتمد المحلية، ومازال الطريق طويلاً في تكملة مشوار الدعم المطلوب لإنجاح الدورة المدرسية ببرام الكلكة، ومن باب رد الجميل تنتظر فعاليات الدورة أن يشرفها حضوراً عطاء سخي من اولئك المدينين ?تعليم المنطقة، وعلى رأسهم الأعلام والرموز اصحاب الامكانات المهولة على الصعيد الرسمى، السيدان نائب الرئيس الحاج آدم ووزير المالية علي محمود. اما اصحاب الاعمال والمبادرات الخاصة فإنى على يقين بأن سلة الدعم لا تتسع لعطائهم السخي، وكل ما نرجوه أن يصدق فينا قول الشاعر العربي المصري الفذ شوقي: وللأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق فالاوطان تبنى بسواعد بنيها، وبنفس القدر كنت ارجو من اللجنة المنظمة لفعاليات الدورة المدرسية ببرام، أن تملأ شراع هذا العرس بهواء الإعلام، فأجنحة الإعلام هى القادرة على تسويق الفكرة والتحليق بها عالياً في سماوات النشر والتبشير التى تتكفل باستقطاب النجاح وخلق عناصره التى حتماً ستضيف الى منطقة برام الكلكة التى هى في أمس الحاجة الى نفير العطاء لإعادة الترميم والبناء، وإزالة غبار السنين عن ملامح وجهها المسهد من جراء السهر والتأمل الطويل في البحث عن مخارج من الورطة التى وجدت فيها نفسها، بسبب عقوق الأبناء وجور الز?ان، وما ذلك على الله بعزيز. ودمتم ودامت مودتكم للوطن. [email protected]