(والضحى * والليل إذا سجى ) آيات من القرآن الكريم حملتها نسمات الصباح من داخل باحة مسجد طيبة الكبابيش بمنطقة السلمة جنوبالخرطوم ، وفي ساحة المسجد كان الاطفال قد جلسوا ملتفين في حلقة دائرية وسعت عددهم ويحمل كل منهم مصحفه بكلتا يديه ويتلو آيات تختلف عن ما يتلوه صاحبه و الشيخ يسير خارج الدائرة يراقب قراءاتهم يصحح هذا ويزكي ذاك ويجود لثالث ويزجرآخر. استمعنا لهم قليلا ثم جلسنا الى شيخ داؤد احمد المسؤول عن التدريس بالخلوة فحدثنا قائلا ان دراسة الخلاوي ضرورية ولو بقدر يسير خاصة في العطلة لان افضل ما يمكن ان يملأ به الفراغ تلاوة القرآن وتعلمه وتصاحب دراسة الخلوة تصحيح نطق الحروف وفي الماضي كانت الدراسة باستخدام الوسائل التقليدية مثل اللوح والدواية وقلم البوص ويكتب الطالب على التراب ويكتب له الشيخ الحروف بنواة التمر على اللوح لكي يتبع أثر النواة ويقلّد كتابة شيخه على اللوح بالمداد الأسود، لكن الآن نطلب من الدارسين احضار مصحف ودفتر وقلم وهذا للفئة العمرية الاكبر من تسع سنوات ونتبع نظام التعليم الفردي الذي يمثل فيه كل طالب وحده غير مرتبط بالآخرين في مقدارما يتحصل عليه من حفظ للقرآن الكريم. والخلوة تعيد تجميع الطلاب الذين اختلفت وجهتهم مع انتهاء العام الدراسي وبدأ تزايد الإقبال الشعبي على الخلاوي واصبحنا ندرس منهج القرآن الكريم المدرسي للصف الدراسي القادم ونقوم ببعض البرامج الترفيهية والمسابقات ذات الجوائز الرمزية ورحلات شهرية حتى لا يصبح البرنامج اكاديمياً صرفاً .واثناء خروجنا لاحظنا اقبال البعض للتسجيل في الخلوة باصطحاب ذويهم وان كان تفضل اغلب الاسر خاصة محدودي الدخل الحاق ابنائهم بالخلاوي نجد ان اعلانات النوادي والفنادق في الطرقات تشير الى برامج لها جمهورها سباحة كراتيه جمباز وخلافه وللحديث عن هذه المناشط تحدثنا الى وليد عبد الكريم مسؤول المناشط بفندق(ريجينسي) المريديان سابقا والذي قال تركز المناشط ببرنامج العمل الصيفي في الفندق على السباحة للجنسين بالاضافه الى كرة القدم والكراتيه والجمباز من خلال ثلاثة ايام لكل اسبوع حسب المجموعات والفئات العمرية ما بين 7- 16 عاماً وهدفنا من البرنامج خلق مناشط منظمة في فصل الصيف بدلا من ترك الابناء يلعبون في الميادين والشوارع نسعى من خلالها الى تنمية مهارات الاطفال الشخصية لذا كل طفل يختار المنشط المناسب له مع قابلية تغييره بعد بداية المنشط اذا لم يرغب في المواصله ونساعده في الاختيار خاصة وانه بعد نهاية العام الدراسي يشعر الطلاب بالملل لعدم وجود برنامج نظامي لذا نعتقد بان الحاجة هنا تكون لبرنامج رياضي مثلا فوضعنا البرامج الرياضية التي تمس حياة الانسان مباشرة فعمدنا من وجود الكراتيه مثلا تعليم الاطفال كيفية الدفاع عن النفس ، وكنا بدأنا عرض برنامجنا والتسجيل له مع بداية العطلة لكن الاقبال الضعيف وقرب فترة الانتخابات دعانا الى تأجيل المناشط الى ما بعدها. وعن ما يختص بالانتخابات كان الاتحاد الوطني للشباب السوداني قد وضع برامجه بصورة متزامنة مع الانتخابات او كما قال لي محمد ادريس مسؤول المناشط بالاتحاد بان الاتحاد ارجأ بداية برامج العطلة الصيفية الى ما بعد انتهاء فترة الانتخابات . ولكن مع ارتفاع درجات الحرارة اخذ بعض الاطفال ممن يساعدهم الموقع الجغرافي لسكنهم على احدى ضفتي النيل الى الهروب لشواطيء النيل وبحلول الصيف يقوم بعض الشباب والاطفال بالسباحة طلباً للاستجمام والتخلص من حرارة الجو وترطيب الجسم ولكن مع هذا تبدأ حوادث الغرق والاعلان عن ضحاياها من الاطفال نتابع هذا كل عام . وبمحازاة النيل يقضي الشباب والاطفال اوقات يحسبونها للهو واللعب داخل المياه وينتقل القلق والخوف على الابناء للاسر حيث تقول هدية حسن ام لثلاثة ابناء انهم يقطنون في امدرمان « أبو روف « قرب النيل وهي تمانع بشدة ذهاب ابنائها للنيل بغرض التنزه او الهروب من الحر الشديدالا برفقة والدهم. وتحدث خالد امام عن عدم وضع السلطات لاوامر بمنع السباحة في هذه المناطق الخطرة من النيل وانعدام الارشادات التي تمنع الصغار من السباحة في المناطق الخطرة.و للاسر الدور الكبير في متابعة ابنائها خاصة خلال الاجازة الصيفية. ومنعهم من الذهاب الى الشواطئ والسلطات يقع عليها الجزء الاكبر من المسؤولية فيما يختص بوضع بعض المحاذير والارشادات وتوفير فرق الانقاذ لمجابهة حوادث الغرق . وان كان الاطفال في منطقة ابو روف يرون ان الاسر تتهيب من البحر هذا ما قاله سامي احمد «أحد عشر عاما» الخوف من النيل والبحر هو الذي يضاعف قلق الاسروالاجواء في الشواطئ ممتعة خاصة مع الاصدقاء واثنى على حديثه التوم احمد ومحمد الفاتح اثنا عشر عاما عندما قالوا اتينا دون علم احد من الاسرة لانهم لن يسمحوا لنا ونقضي اوقات ممتعة على النيل ونرغب في تعلم السباحة ولكن خوفنا على انفسنا جعلنا اكثر حذرا بالبقاء على اطراف النيل . دعانا قولهم هذا الى الايمان بان بعض تحذيرات الاسر والامهات في بداية الاجازة الصيفية قد لاتمنع ابناءها من الذهاب الى مناطق النيل وان كان كل الخوف يتركز في الخوف من وجود بعض الجروف والحفر العميقة التي تؤدي الى غرق الابناء خاصة انهم صغار في السن وبعضهم لا يجيد السباحة. وفي اتصال هاتفي مع الخبير التربوي بروف عثمان بوب قال لي انه و مع المتغيرات الاخيرة والجديدة اصبح الابناء يقضون الجزء الاكبر من وقتهم امام شاشات القنوات الفضائية واصبح تأثير تربية البيت ضعيفاً للغاية لذا يجب ان تعمل كل الاسر على استثمار العطلة الصيفية في تقوية الجوانب التربوية واتاحة الفرصة للمناشط التي تعمل علي صياغة الابناء صياغة سليمة من خلال ممارسة المناشط التربوية والرحلات وممارسة العمل الاجتماعي لما لهذه المناشط من آثار في تقوية بعض الجوانب في نفوس الابناء المفقودة في المدارس والتي اصبحت تركز على جوانب العمل الاكاديمي فقط وبدا الاهتمام بالتعليم اعلي من الاهتمام بالتربية لذا يجب ان تكون العطلة الصيفية بعيدة كل البعد عن المناشط الاكاديمية مع ضرورة التركيز على النواحي التربوية والرحلات التي كانت تمارس في الماضي كجزء من المقررات الدراسية للطلاب ولان الطالب من حقه معرفة اشياء مفقوده في البيت خاصة في ظل انشغال اولياء الامور عن كثير من القضايا الاساسية حتى الامهات نسبة كبيرة منهن اصبحت تحت اطار التوظيف سواء في القطاع العام او الخاص لنترك الابناء تحت رحمة الوافدات وفي فترة العطلة الصيفية ومع تواجدهم في البيت مع غياب الام يزيد التصاق الابناء بالوافدات مما يفقد الابناء التربية الوطنية ويضعفها عند البعض الآخر وان كانت التربية الوطنية اصبحت في عمومها ضعيفة لعدم وجود جهة تلقنها مما قد يؤثر في فقدان روح الولاء للوطن . ومع هذا يجب ان لا ننسى ان ضيق مساحات البيوت زاد من العوامل الطاردة حيث يقضي الابناء معظم اوقاتهم خارج البيت ويأتون في المساء فمن المسؤول عن تزجية الفراغ بصورة سليمة في ظل انتشار المخدرات؟ ولماذا لا تكون هنالك لجان عليا وميزانيات خاصة تصرف على برامج العطلة الصيفية عامة خلال فترة الاشهر الثلاث خاصة وان العطلة اصبحت بارقة الامل الوحيدة اذا ما وضعتها الدولة ضمن اولوياتها من اجل احياء قيم التربية الوطنية من خلال ممارسة التربية الريفية وغرس قيم الاعتماد على النفس حتى في المناهج نعاني من مصطلحات لا تراعي المرحلة العمرية للطلاب وخلاصة القول ان عدم التوازن بين التربية والتعليم في المنهج يجب العمل على تعويضه في فترة العطلة الصيفية. وختاما نقول بان الفراغ يولد الكسل والملل والاخلاق السيئة وعدم التوازن النفسي وطالما ان الانسان مزيج من خفة الروح وثقل الجسد يجب اشباع طبيعته تلك بالجد واللعب.