إبنتي الطالبة بالصف الثاني ثانوي جاءتني وهي متبرمة وغاضبة ورمت أمامي بكتاب العربي وهي تقول(يا بابا...هاك شوف القصيدة المملة والبايخة دي..أنا ما فاهماها).تناولت منها الكتاب ففزعت - وأنا عاشق للشعر-عندما وجدت القصيدة المملة والبايخة على حد قولها هي(أراك عصي الدمع) لأبي فراس الحمداني.رحت أقول لها يا إبنتي هذه القصيدة التي تتبرمين منها هي واحدة من عيون الشعر العربي غنتها أم كلثوم وغناها من بعدها الكابلي ، وقد حفظناها عن ظهر قلب عندما كنا في ذات سنك وذات صفك الدراسي ومازال بهاء كلماتها وأبياتها في ذهننا ووجداننا إلى يومنا هذا،فقاطعتني قائلة: ( عيون الشعر يعني شنو ؟...كمان الشعر عندو عيون وأنف ؟) لم أعبأ بتهكمها ورحت انتقل معها عبر أبيات القصيدة وأنا أشرح لها سحر وجمال شعر أبي فراس:-(أراك عصي الدمع شيمتك الصبر..أما للهوى نهى عليك ولا أمر..بلى أنا مشتاق وعندي لوعة ولكن مثلي لا يذاع له سر...إذا الليل اضواني بسطت يد الهوى...وأذللت دمعاً من خلائقه الكبر)،هنا قاطعت الإبنة شرحي وأنا في قمة الإنتشاء بالشعر وأجاهد في توصيل ذات الإنتشاء لها...قاطعتني وهي تقول(يا بابا الراجل ده ما يقول هو ما بيبكي ويريحينا وخلاص!!). لم أعبأ بتندرها وواصلت الشرح لها والإنتشاء بالشعر لنفسي(بدوت وقومي حاضرون لأنني أرى أن داراً لست من أهلها قفر..وحاربت قومي في هواك وإنهم وإياي لولا حبك الماء والخمر...وفيت وفي بعض الوفاء مذلةٌ لغانية في الحي شيمتها الغدرُ...تسألني من أنت ؟ وهي عليمة وهل بفتى مثلي على حاله نُكر...فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى قتيلك قالت:أيهم فهمُ كثر)..عند هذا الحد بلغ بي الانتشاء بالشعر أعلاه وبلغ بها الضجر منتهاه فاستأذنت أن تمضي متعللة بحاجتها لشرب بعض الماء. نحيت الكتاب المدرسي جانباً ورحت أتساءل ما الذي حدث؟لماذا يضجر أبناؤنا اليوم عن تذوق الشعر بينما كان جيلنا في نفس أعمارهم ونفس مراحلهم الدراسية عاشقاً له؟عندها تذكرت ما تناولته بعض الصحف قبل فترة عن تقرير يشير إلى أن(40%)من تلاميذ مرحلة الاساس لا يستطيعون قراءة جملة عربية واحدة...إن كان هذا حال (الأساس) فلا عجب أن تتصدع وتنهار الطوابق التي تعلوه. عادت إبنتي من (زوغة)شرب الماء ورحت أجاهد مرة ثانية أن أُغريها بتذوق شعر أبي فِراس(سيذكرني قومي إذا جدَّ جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر..ونحن أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر..تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن يخطب الحسناء يغلها المهر). إلتفت إليها لأرى وقع هذا الشعر الممتلئ بالحكمة فوجدتها هربت إلى غرفة التلفزيون،والذي تطل من شاشته هيفاء وهبي وهي تغني بصوت مشروخ وردئ (بوسي الواوا...شيلي الواوا...خلي الواوا يصح)!!!