ماعاد توازن القوى فى العالم بذات الكيفية التى نصبت الولاياتالمتحدةالأمريكية على انها سيدة العالم الى وقت قريب، جاء ذلك في الندوة التي نظمتها جمعية العلوم السياسية بالتعاون مع المركز العالمى للدراسات الأفريقية صباح امس بعنوان «بداية الحرب الباردة الثانية وسياسة السودان الخارجية» تحدث فيها الأستاذ عبدالله زكريا وتناولت الندوة الصراع الخفى الذى انتظم العالم منذ العام 2005 والإستقطاب الحاد والتنافس من قبل اقطاب القوى الثلاثة «امريكا روسيا والصين» على الموارد فى دول العالم الثالث وخاصة فى افريقيا والسودان الذى مازال يعانى من هذا الصراع. فى بداية حديثه طوف زكريا فى سرد تاريخى على الحرب الباردة الأولى والتى قال ان قمتها وصلت الى حرب كلامية فى الثمانينيات ايام حكم خرتشوف زعيم الإتحاد السوفيتى عندما قالت امريكا ان لها من الترسانة النووية ماتكفى لمسح العالم عشر مرات، ورده عليه خرتشوف بصورة ساخرة عندما قال «نحن السوفيت انسانيون ولنا من الترسانة النووية ماتكفى لمسح العالم مرتين، واوضح ان هذه الترسانات النووية اوصلت الإنسانية لمرحلة الجنون، الا انها فى ذات الوقت منعت المعسكرين الشرقى والغربى من الدخول فى حرب عالمية ثالثة، الى ان انهار الإتحاد السوفيتى، واصبحت الولاياتالمتحدة هى القطب الأوحد بعقيدة تسعى الى إمتلاك العالم، وحتى حلفائها لن تسمح لهم بمنافستها، بإعتمادها على ترسانة التسليح الفائقة التى تمكنها من ضرب اى اهداف فى اى منطقة فى الكرة الأرضية، الا ان روسيا عادت من جديد بفضل الأب الجديد لروسيا الإتحادية فلادمير بوتن الذى جعل روسيا تتعافى إقتصادياً وتعود الى مكانها الطبيعى فى العام 2005، وإعتبر زكريا ان العام 2005 هو بداية «الحرب الباردة الثانية» بعد انعقاد مؤتمر «شنغهاى» الخطير والذى ضم مجموعة من الدول الصاعدة بقوة بجانب روسيا واربعة من جمهوريات الإتحاد السوفيتى السابقة الإسلامية ودول القوقاز وبحر قزوين، وذكر ان من اخطر مقررات مؤتمر شنغهاى اتفاق هذه الدول على توحيد طاقاتها لمنافسة أمريكا اضافة الى إقتراح تبنى طرد القواعد العسكرية الأمريكية من المنطقة ومن ثم اجراء عدد من مناورات من قبل هذه الدول فى الثلاثى النووى «الصواريخ العابرة للقارات، والطائرات والغواصات» واعتبر زكريا هذه الخطوات مؤشرات حقيقية للحرب الباردة، الا انه قال ان الأمور تصاعدت اكثر بعد زيارة فلادمير بوتن الى ايران فى العام 2006 وخطابه الشهير الذى هدد فيه ايهة جهة تحاول توجيه ضربة عسكرية لإيران، او تحاول ان تمس بالمصالح الإستراتيجية لروسيا الإتحادية وهو مادعى وسائل الإعلام الأمريكية فى اليوم الثانى لخطاب بوتن ان تقول فى خطوطها العريضة «بدأت الحرب الباردة». وتحدث زكريا عن اوجة الشبه والإختلاف بين الحرب الباردة « الأولى والثانية» وقال ان اوجة التشابه تكمن فى ان ميزان الرعب النووى كان مملوكا للقطبين الإتحاد السوفيتى وامريكا وهو الميزان الإيجابى الذى منع الدولتين من الدخول الى حرب عالمية جديدة والتشابه الثانى يرجع الى تنافس المعسكرين على دول العالم الثالث الا ان الجديد هذه المره فى الحرب الباردة الثانية وجود قطب جديد وهو الصين، بإعتباره القوة الثالثة والتى بدأت فى عقد تحالفات إقتصادية وسياسية وعسكرية، وبالفعل حققت نجاحاً مزهلاً بغزوها للأسواق فى آسيا الوسطى وافريقيا وامريكا اللاتينية والولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها، واوضح زكريا ان الإختلاف ايضاً فى اختفاء البعد الآيديولوجى فى الصراع مابين امريكا وروسيا والصين، وفى السابق كان الصراع مابين المعسكر الرأسمالى والإشتراكى والآن اصبحت كل الدول رأسمالية، واضاف زكريا ان الصراع بين القطبين كان على اربعة مستويات صراع على اليابسة والبحار والمحيطات والغلاف الجوى والفضاء الخارجى الا ان الصراع هذه المره دخل إليه بعد خامس وهو الفضاء الإسفيرى ، اى الفضاء الافتراضى على الانترنت وقال اعتقد ان الصراع الحقيقي فى الحرب الباردة الثانية هو مايعرف بالحرب الإلكترونية، وقال فى هذا المجال الروس يعملون دون انقطاع والصينيون ايضا والامريكان ومثال لذلك إستهداف كل من هؤلاء الإقطاب الأخر فى التسلل الى نظامه مثال ما حدث للإختراق الذى تعرضت له وكالة الدفاع الأمريكية وسرقت كل المعلومات الإستخباراتية والخطط والذى اُتهمت به الصين، واوضح ان الصين تمتلك جيشاً من اربعين مليون لقيادة الحرب الإلكترونية وأطلق على هؤلاء اسم»الدبابات المنزلية»، وقال زكريا ان من اهم محاور الحرب الباردة الثانية «الموارد» وذكر انه توجد العشرات من الدراسات والكتب العلمية والتى صدرت فى الفترة القليلة الماضية عن حروب الموارد ونوه الى ان الجنس البشري وصل فى الشهورالأخيرة من العام الماضى الى (7) مليار نسمة ونسبة المجاعة وصلت الى مليار من هؤلاء متوقعا ان تصل فى العام الحالى 2012 الى مليارين، واوضح زكريا ان الحرب بين الأقطاب الثلاثة «روسيا الصين وامريكا» ستكون على الموارد الطبيعية وسيكون مسرحها أفريقيا، لأنها توصف بآخر حدود الإنسانية التى لم تستهلك مواردها نسبة للتخلف ومازالت عبارة عن مخزن و35% من مساحتها صالحة للزراعة. وتحدث زكريا عن الصراع الموجود فى السودان وخاصة فى دارفور وارجعه لتقاطعات الحرب الباردة وصراع الموارد وقال ان الصراع فى السودان بدأته الولاياتالمتحدةالأمريكية وتحديداً فى ولاية جنوب دارفور طمعاً فى البترول. وأشار الى ان إحتياطى النفط في جنوب دارفور يصل الى نصف مليون برميل يومياً واضاف ان ما يحدث الآن من الجبهة الثورية وحكومة جنوب السودان ودولة يوغندا والمعارضة ماهو الى الا إنعكاس للحرب الباردة وليس الغرض هو استلام الخرطوم وإسقاط النظام فالمحرك الحقيقي هو البترول الموجود فى ولاية جنوب دارفور، وتوقع زكريا ان يتصاعد الصراع السياسى الإقتصادى العسكرى بين روسيا والصين وامريكا فى الفترة المقبلة بصورة حاده أكثر مما هو عليه الآن إلا انه قال ان الولاياتالمتحدة لحسن الحظ انها كل مره تفقد حلفاءها المقربين فى وقت تكسب فيه الصين حلفاء جدد ،وروسيا تعاود علاقاتها الحميمة مع جمهورياتها السوفيتية السابقة، وأشار الى وجود حلف روسى إيرانى صينى، واوضح زكريا ان التحالفات المقبلة هى تجمع الحضارات والأديان ونحن كمسلمين لابد ان ننضم الى عالم جديد تكون حضارته دينية تؤمن بوجود الله، لافتاً الى ان الحضارة الغربية هى الوحيدة فى تاريخ البشرية الحضارة الإلحادية التى لايوجد فيها مقدس، واشار الى ان القوى الإقتصادية الصاعدة «روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا» هى المعسكر النشط والحلف المتجانس الذى سيكون له تأثير كبير فى توازن القوى فى العالم. وإقترح زكريا على الحكومة السودانية الإنضمام المباشر الى هذا المعسكر الإقتصادى الضخم وقال «اقترح بشدة على سياستنا الخارجية ان تتجه الى هذا التحالف السياسى الإقتصادى العسكرى وان ندخل مثل ايران وأفغانستان كأعضاء مراقبين فى مؤتمر شنغهاى والذى يمثل ثلث مساحة الكرة الأرضية» واضاف لابد ان نحاول ونجد علاقات وإتفاقات او نوعاً من الإتحاد مع هذه الدول الصاعدة وان نحد من علاقاتنا مع امريكا ودول الإتحاد الأوربى. وفى نهاية الندوة أثير نقاش عن السياسة الخارجية السودانية والى اى المعسكرات يجب ان تتجه، وقال موسى فرج الله من الجمعية السودانية للعلوم السياسية ان الحرب الباردة واضحة فى شعوب العالم الثالث والذين مازالوا مساحة لإسقاط المناهج والنظريات الإقتصادية من قبل الدول الكبرى، وأشار الى ان العالم حالياً يمضى بلا رؤية وقال ان السودان جرب كل التحالفات (ومازلنا فى حالة توهان بالرغم من الموقف الواضح من السودان تجاه الغرب الا اننا فى كل مره نوصف من قبل البعض باننا امريكيو الهوى)، ونوهت المحللة الإقتصادية فوزية احمد ميرغنى الى ان تأثيرات الحرب الباردة على السودان ليست بالجديدة وآخرها فشل مؤتمر السودان الإقتصادى والذى كان من المفترض ان يقام فى تركيا، وتحدث عدد من المشاركين عن عدم اغفال اسرائيل وابعادها عن الصراع الخفى فى الحرب الباردة بإعتبارها صاحبة المصالح الأقوى بإثارة الفتن والحروب فى الدول العربية بهدف تفكيكها وتقسيمها، ودعوا الى تحقيق توحيد الامة العربية باعتبار انها المخرج الوحيد من الراهن الذى تعانى منه المنطقة.