عائشة الماجدي: (الحساب ولد)    تحرير الجزيرة (فك شفرة المليشيا!!)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    تحديد زمان ومكان مباراتي صقور الجديان في تصفيات كاس العالم    كريستيانو يقود النصر لمواجهة الهلال في نهائي الكأس    شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    واشنطن: دول في المنطقة تحاول صب الزيت على النار في السودان    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    شاهد بالصورة والفيديو.. نجم "التيك توك" السوداني وأحد مناصري قوات الدعم السريع نادر الهلباوي يخطف الأضواء بمقطع مثير مع حسناء "هندية" فائقة الجمال    شاهد بالفيديو.. الناشط السوداني الشهير "الشكري": (كنت بحب واحدة قريبتنا تشبه لوشي لمن كانت سمحة لكن شميتها وكرهتها بسبب هذا الموقف)    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    طبيب مصري يحسم الجدل ويكشف السبب الحقيقي لوفاة الرئيس المخلوع محمد مرسي    "الجنائية الدولية" و"العدل الدولية".. ما الفرق بين المحكمتين؟    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    لأول مرة منذ 10 أعوام.. اجتماع لجنة التعاون الاقتصادي بين الإمارات وإيران    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في مذكرات الرائد (م) زين العابدين محمد أحمد عبد القادر
نشر في الصحافة يوم 19 - 04 - 2012

فلقد صدرت بعنوان (مايو سنوات الخصب والجفاف) مذكرات الرائد (م) زين العابدين محمد أحمد عبد القادر عن الناشر مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية جامعة أم درمان الأهلية - رقم الايداع وتاريخ النشر 2011 المؤلف زين العابدين محمد أحمد عبد القادر أو هذا ما تقوله الديباجة بالكتاب.. إلا أن ذلك كله أو بعضه لا يحول دون الشكوك حول الكتاب والمادة وظروف وملابسات النشر على نحو ما سيبدو خلال بحثنا عن الحقيقة حول ما أسماه الكاتب انقلاب (19 يوليو 1971م)، وهو الحدث الأهم في تاريخ تلك الحقبة سواء كان ثورة أو انقلاباً فهو يضاهي في الأهمية حتى انقلاب 25 مايو 1969م الذي يدعيه الكاتب ثورة ضمن حالة الدفاع والهجوم المزدوجة التي يمارسها الكاتب في مذكراته!!
فنشر مذكرات الرائد زين العابدين بعد وفاته يعتبر ضعفاً وتشكيكاً في حجية بعض المعلومات التي لم يدل أو يصرح بها طيلة فترة بقائه في سلطة مايو أو بعدها منذ العام 1985م وحتى وفاته بمثل هذه المعلومة المهمة التي أدلى بها، مؤكداً ان المقدم/ عثمان حاج حسين ابشيبه أصدر تعليماته إلى بعض ضباطه بتصفية المعتقلين في قصر الضيافة وأماكن أخرى أثناء الانقلاب.
وطبعاً يشكل مثل هذا الامتناع فعلاً وسلوكاً يظل قائماً طيلة الفترة السابقة لنشر المذكرات مؤشراً سالباً ومخلاً بمصداقيتها كثيراً حيث ظل كماً ونوعاً مقدراً من الضباط الذين اعتقلوا في قصر الضيافة وخرجوا منها أحياءً وهم أيضاً لم يصرح أحدهم بمثل ما جاء في مذكرات المرحوم زين العابدين عن تعليمات أصدرها المقدم الشهيد/ عثمان حاج حسين ابشيبه بتصفية المعتقلين...
فالعقيد المرحوم/ سعد بحر وهو يعتبر أبرز الناجين الذين لم يتناولوا الحدث ويصرحوا به سلباً أو ايجاباً رغم أنه يعتبر أهم المعتقلين وأكثرهم خطراً لدى مجموعة 19 يوليو التي قادها عملياً وتنفيذياً المقدم/ عثمان حاج حسين ابشيبه قائد الحرس الجمهوري آنذاك، وهو الذي قرأ الموقف وحدد ساعة الصفر للتحرك يوم 19 يوليو 71 بمجرد اعتقاله (وبنفسه) للعقيد/ سعد بحر - وهو ما تؤكده المعلومة التي أوردها الرائد/ زين العابدين عندما ذكر انهم كانوا معتقلين أو محصورين داخل عربة نقل كبيرة عندما مروا على بعض المعتقلين رأوا العقيد/ سعد بحر رافعاً يديه مستسلماً لجنود عثمان حاج حسين ابشيبه، فالمعلومات والتقارير الاستخباراتية التي وجهت أو استقاها بنفسه المقدم/ عثمان حاج حسين ابشيبه دفعت به إلى التحرك استياقاً لحركة انقلابية أخرى كانت جاهزة للاطاحة بالشيوعيين والمايوين معاً...
وربما يكون هذا ما دعا سكرتير الحزب الشيوعي أو الأمين العام الشهيد/ عبد الخالق محجوب ليتخذ موقفاً حيادياً بين تنظيمه العسكري وقادته المدنيين في اللجنة المركزية الذين لم يكن احساسهم بالخطر على الحزب وسكرتيره عالياً كما لدى العسكريين. فلقد كان العسكريون أقرب إلى السلطة المايوية وكواليسها وهم أكثر وعياً وادراكاً بخطورة الموقف، كما أنهم يملكون قوة الرد المجربة لحسم الصراع لصالحهم هذه المرة فلقد نجحوا فعلاً لولا تكالب القوى الخارجية وحرصها على تسديد الضربة القاضية للثورة الوطنية الديمقراطية في السودان التي يقودها صفوة من أبنائه بمختلف ألوان الطيف اليساري السياسي من المدنيين والعسكريين، يشكلون تمثيلاً شفافاً لعناصر وحدة التنوع من أبناء النيل والغابة والصحراء وقبائلها وكياناتها الاجتماعية التاريخية التي عاصرت قضيتها الوطنية وخاضت صراعاتها على الأرض والسلطة والثروة منذ القدم وبواكير عصور السودان الحضارية وحقبه المتعاقبة منذ كوش وكرمة ونبته ومروي البجراوية والعصور النوبية المسيحية وحقبة الثقافة العربية الاسلامية والسلطنة الزرقاء وإلى حقبة تاريخ السودان الحديث - شاملة للتركية الاستعمارية والمهدية الوطنية والاستعمار الثنائي الانجليزي المصري والتي تداخلت معها أو واكبتها مرحلة الاستقلال الوطني حتى العام 1956م - وفي تلك المرحلة - الاستقلال الوطني كانت ثورة 1924م المسلحة وتنظيمها السري. اللواء الأبيض أهم وأقوى حركات التحرر الوطني والتي قادتها قبل حوالي خمس عقود من حركة يوليو نفس الصفوة من عناصر الوحدة والتنوع السودانية من أبناء النيل والغابة والصحراء حيث تشكلت في العاصمة الوطنية وقريباً من مكان ثورة 24 وزمانها وحدة قومية سودانية وديمقراطية ناشئة ومنحازة إلى المجتمع في صراعه على السلطة والثروة.
فالصراع على مقاليد الدولة والسيطرة على مركز القرار ظل محورياً حتى طرد النواب الشيوعيين من الجمعية التأسيسية قبل أعوام من حركة يوليو 71، حيث تبلور عندها الانقسام الوطني وافرز صراعه الفكري الحاد بين عناصر الشمولية بشعاراتها الدينية والقومية وبين عناصره الوطنية الديمقراطية المنحازة للمجتمع في صراع السلطة والثروة - فهذا جانب من جوانب حركة 19 يوليو، وهي تتحرك لانتزاع السلطة من ايدي الذين عبثوا بها بعد أن وصلوا إليها على أيدي وكتوف تنظيم الضباط الأحرار الذي يعتبر في الغالب أكثر انضباطاً وموالاة في ادارة السلطة لصالح الشعب والمجتمع، وليس لمصلحة أفراد وكيانات غير وطنية، فتنظيم الضباط الأحرار هو الفصيل الوطني الذي قاد التحرك هذه المرة لتصحيح اخطاء حركته أو ثورته السابقة التي انطلقت في 25 مايو 69 خلف شعارات التنظيم واهداف ثورته الوطنية الديمقراطية - إلا ان جعفر نميري وزمرته وضمنها المرحوم الرائد/زين العابدين نفسه سرعان ما انحرفت عن المسار الصحيح وانجرفت بقراراتها ومواقفها إلى اتجاهات ونزاعات سلطوية فخرجت عن دولة القانون إلى سياسة البلطجة والانفلات!!!
محمد ابراهيم محمد سعد الذي ورد اسمه في مذكرات الرائد المرحوم/ زين العابدين دون ذكر لقبه الذي اشتهر وعرف به (الشايقي) فلقد لعب الرجل دوراً خطيراً وكان رقماً مهماً في حركة مايو وسلطتها خاصة بعد فشل حركة 19 يوليو واستسلام قادتها لقدرهم ومصيرهم.. حيث ظهرت على سطح الأحداث وكواليسها قوة مسلحة ومنفلتة تمارس العنف والبلطجة هي التي كانت تقود أولئك الضباط العظام إلى المعتقلات وإلى المحاكم الصورية وإلى ساحات الاعدام والتصفية.. هذه القوة كان يقودها النقيب (الشايقي) محمد ابراهيم محمد سعد ويمارس من خلالها نفوذه أو سلطته التي تسير في خطوط متوازية مع القيادات العليا في نظام مايو ومجلس قيادة الثورة وهو الذي جاء في مذكرات المرحوم الرائد/ زين العابدين انه ضمه باكراً وهو بعد جندي إلى تنظيم الضباط الأحرار من سلاح المظلات... وعن طريق محمد ابراهيم محمد سعد وبلطجته وانفلاته باتت مايو في عيد ميلادها الأول ملطخة بدماء موظف ديوان المراجع العام عندما أطلق عليه النار داخل منزله النقيب/ محمد ابراهيم الملقب (الشايقي) وارداه صريعاً أمام أطفاله وأسرته، وكان ذلك ليلة 24 مايو 1970م أو صبيحة يوم العيد الأول ل(ثورة) 25 مايو 1969م!!!
هذه الحادثة واختطاف الصحفي (محمد مكي) وغيرها من مظاهر العنف والبلطجة وأخذ القانون باليد على أعلى مستويات السلطة المايوية - كانت أهم نقاط الخلاف والصراع داخل مجلس قيادة الثورة.. الذي رفض بعض أعضائه هذا السلوك الهمجي والاستبداد بالسلطة الذي يمارسه نميري فيما يؤيده آخرون ومنهم المرحوم الرائد/ زين العابدين كاتب المذكرات وصديقه أبو القاسم محمد ابراهيم وغيرهما... إلا ان المقدم/ بابكر النور والرائد/ هاشم العطا والرائد/ فاروق عثمان حمد الله كانوا يقفون بحسم في وجه هذه التفلتات... والأخير فاروق حمد الله كان بصفته الرسمية وزيراً للداخلية يواجه مباشرة جريمة النقيب الشايقي وكان مصراً على تقديمه للمحكمة ليلقى جزاءه العادل وتسود دولة العدالة والقانون وليس الانفلات والبلطجة التي صارت سمة من سمات الدولة المستبدة في السودان ورئيسها الطاغية!!
ومن أبرز ما جاء في مذكرة المرحوم الرائد/ زين العابدين عن بلطجة نميري استقباله للمقدم الشهيد/ عثمان حاج حسين وهو معتقل ومكتوف الأيدي (بالبونية). وكان يهاجمه أثناء الضرب واللكم تقتل... وتقتل... ذاكراً بعض أسماء الذين استشهدوا في قصر (الضيافة).
ولكن هل كان نميري صادقاً؟؟ فكل الدلائل وقرائن الأحوال تقول بخلاف ما جاء على لسان نميري واتهامه الباطل.. فالنميري لم يكن ساذجاً أو غافلا عن تحقيق أجندته وأهدافه أو بالأحرى تكاليفه الاستعمارية - التي يتولاها مع حلفائه الجُدد مصر السادات وليبيا القذافي، وربما كان آخرون يخططون له لكنه كان بارعاً في التنفيذ - تشهد على ذلك شواهد كثيرة أهمها:
1- المحاكمات الصورية المتعجلة قبل أن تجف الدماء في قصر الضيافة والتلويح بها كقميص عثمان لتأجيج الفتنة وتصفية الخصوم.
2- حالة الانفلات والفوضى التي انتظمت المشهد والتي اربكت الآخرين من ذوي الرأي والعقول المستنيرة الذين لم يروا فيما حدث داعياً للتضحية بهذا الكم والنوع من القيادات العسكرية والمدنية خاصة الذين لم يشاركوا مباشرة في أحداث يوليو أو صياغتها...
3- وإذا عدنا لمناقشة المعلومة التي تؤكد كما يزعم كاتبها المرحوم الرائد/ زين العابدين محمد أحمد عبد القادر - تعليمات أصدرها المقدم ابشيبه لتصفية المعتقلين في قصر الضيافة فاننا ندفع بالنقاط التالية الاتهام المزعوم.
فلو كان المقدم/ ابشيبه آمراً أو مصدراً تعليمات بالتصفية للضباط المعتقلين بقصر الضيافة لما نجا من تلك التعليمات أو تنفيذها المرحوم العقيد/ سعد بحر.. والذي يعتبر صمته حتى وفاته عن مثل هذا الحديث أو غيره عن حركة يوليو سلباً أو ايجاباً - أكبر الادلة وأهمها عن براءة المقدم/ عثمان حاج حسين ابشيبه الذي ظهرت كفاءته العسكرية وانضباطه عندما بدأ انقلابه أو تحركه باستدراج العقيد/ سعد بحر إلى مكتبة في القصر الجمهوري وقام باعتقاله بنفسه أولاً ثم تحرك بعد ذلك لتنفيذ الانقلاب فأرسل ضابطاً صغيراً لاعتقال نميري وزمرته العسكرية التي لم يكن يضع لها حساباً كما وضعه للضابط العظيم العقيد/ سعد بحر الذي ربما كان هو قائد القوة الانقلابية الثالثة التي كانت على وشك التحرك والانقضاض على القوتين المايوية أو اليسارية الذي قاده المقدم عثمان حاج حسين والرائد/ هاشم العطا في 19 يوليو 71.
هنالك اعترافات موثقة في محكمة عطبرة للضباط والمشاركين في حركة المقدم حسن حسين في سبتمبر 75 - عن قيامهم بتصفية المعتقلين في قصر الضيافة أثناء حركتهم التي رصدها المقدم/ عثمان حاج حسين ابشيبه وقام باستباقها بالتحرك في 19 يوليو 71 - إلا أن بعض عناصر الحركة خاصة في سلاح المدرعات اغتنمت فرصة التحرك المضاد لحركة 19 يوليو لاحتواء الموقف لصالحها وتوجيه ضربة واحدة لاعدائها وخصومها من الطرفين (المايوي الذي يقوده نميري أو الفصيل اليساري الذي تحرك بقيادة ابشيبه وهاشم العطا...).
ولقد ظهرت مؤشرات وقرائن واحداث أخرى اثناء التحرك لاحباط حركة يوليو وأثناء محاكمة قادتها الأشاوس تؤكد الازدواجية التي صاحبت تحركات القوة المضادة ل19 يوليو أو قراراتها ومواقفها - كالمساومات التي كان يجريها نميري مع بعض الضباط ومنهم من حكم بالاعدام على المقدم/ بابكر النور تحقيقاً لطلب نميري وابتزازه إلى ان تم تعديل الحكم من عشرين سنة سجن إلى الاعدام وجرى تنفيذه بسرعة وعجلة شديدة..!!
الشهادة المجروحة للمرحوم العقيد/ سعد بحر التي تمت أيضاً في ظل الضغوط والابتزازات التي مارسها (نميري) أثناء المحاكمات - كانت موجهة إلى الجندي (أحمد ابراهيم) الذي تعرفت عليه المحكمة وأدانته بعد استنطاقه لعبارة (ود الكلب) التي يقصد بها لغة بعض أبناء كردفان التي ينتمي إليها الجندي المسكين (أحمد ابراهيم) الذي تمت ادانته بموجب تلك الشهادة غير الموثوقة كأحد المنفذين لجريمة تصفية المعتقلين الشهداء في قصر الضيافة يوم 22 يوليو 71..!!!
فمجزرة قصر الضيافة كانت بمثابة قميص عثمان الذي يلوح به جعفر نميري أثناء المحاكمات وقبلها وبعدها في محاولة يائسة لاضفاء الشرعية والقانونية على أحكامه ومحاكمته المهزلة. ولو كانت تلك المحاكمات واعداماتها طالت المقدم عثمان حاج ابشيبه وحده وضباطه المزعومين لصحت المعلومة الواردة بكتاب المرحوم الرائد زين العابدين محمد أحمد عبد القادر أو ساورتها بعض الشكوك ومظان الحقيقة ووثوقها... لكنها تمددت وتطاولت لتحقيق أهدافها في تصفية تلك الصفوة الوطنية الديمقراطية من المدنيين والعسكريين الذين انتموا جميعاً إلى جذورهم النيلية وقوميتهم السودانية التي تشكلت من عناصرها التاريخية الجغرافية المتنوعة بين النيل والغابة والصحراء.
فخسائر أهل النيل والسودان في صراعهم مع الأعداء واستنزاف أرضهم وسلطتها ودماء ابنائهم وارواحهم مستمر منذ آلاف السنين ولم تكن حركة 19 يوليو 71 بشخوصها وأحداثها إلا واحدة من مراحل ذلك الصراع المحتدم على السلطة والثروة وأرض النيل وبلاده السودان - دفعت ثمنه هذه المرة تلك الصفوة من (أبناء) النيل المدنيين والعسكريين حيث انضم إليهم المقدم الشهيد/ عثمان حاج حسين ابشيبه القائد الفعلي أو المنفذ لانقلاب 19 يوليو 71 وحركته الثورية... وليس دفاعاً عن المقدم ابشيبه ورفاقه الأبطال أنهم استهدفوا بتحركهم نظام الطاغية جعفر نميري... ووجهوا نحوه جسارتهم وبطولتهم التي وقف أمامها عاجزاً عن التصدي أو الرد لولا تكالب قوى الاستعمار الدولي ووكلائه في اقليم الشرق الأوسط وافريقيا والعالم العربي!!!
وليس هذا أو ذاك من قبيل هجوم الاستعمار على حركة يوليو وابطالها خافياً أو يحتاج إلى الأدلة والبراهين، إلا أن ما يجري الآن في ليبيا من صراع القذافي مع شعبه جدير بالاشارة بذكر الشيء بالشيء عما جرى من القرصنة واختطاف طائرة رئيس مجلس الثورة بابكر النور ورفيقه الرائد فاروق عثمان حمد الله... في واحدة من أكبر عمليات القرصنة أو البلطجة الدولية!!!
أي أنه ليس من باب الدفاع عن المقدم ابشيبه ورفاقه ان حركتهم كانت صراعاً بين الوطنيين والشرفاء في تنظيم الضباط الأحرار وبين بعض زملائهم الذين ساعدوهم وشاركوهم في استيلائهم على السلطة في 25 مايو، لكنهم سرعان ما غدروا بعهدهم وتنكروا لواجباتهم الوطنية قبل أن يحيدوا عنها تماماً وينحازوا إلى رئيسهم وقائدهم العقيد/ جعفر نميري وإلى سلطته الشمولية ونزعته الاستبدادية!!!
كما أنه ليس دفاعاً كذلك عن ابشيبه ورفاقه انه لم تكن هنالك ثمة محاكمات حقيقية في يوليو 71 وان ما جرى في سلاح المدرعات الشجرة كانت اجراءات شكلية أو صورية اعدت لتصفية صفوة ابناء النيل والوطن من المدنيين والعسكريين وهم يمثلون بحركتهم في يوليو مقدمة أو طلائع عناصر الوحدة والتنوع السودانية وقيادتها نحو تحقيق اهدافها الوطنية الديمقراطية... فانتماء أولئك الأبطال إلى جذورهم الحضارية وارثهم عن تاريخ النيل وممالكه العريقة جعلهم يستسلمون إلى قدرهم ومصيرهم في بسالة اسطورية تاريخية رغم ادراكهم ووعيهم عن نوايا عدوهم المبيتة تربصاً وغدراً... فجعفر نميري كان حريصاً على تنفيذ أجندته الاستعمارية ولم يكن غائباً عن جذوره الوافدة إلى أرض النيل بعد سقوط ممالكه النوبية في دنقلا وعلوة... حيث وصل نميري الأول إلى الخندق عاصمة ملوك دنقلا ليقطع طريقها أو شريانها التجاري العالمي على درب الأربعين ويثير المشاكل التي يمتلك أموالها وسلاحها لتهديد ملوك دنقلا واستقرارها السياسي والاقتصادي إلى أن سقطت دنقلا وعاصمتها الخندق قبل ان تتقدم جيوش الأتراك وجحافلهم فوراً في اتجاه الجنوب ليكتمل استعمار السودان وبلاد النيل لأول مرة 1821م.
فالضابط السوداني العقيد جعفر نميري صار بعد نجاح انقلاب 25 مايو ممثلاً للقوى الاستعمارية الدولية وراعياً لنفوذها ومصالحها في تصفية الثورة السودانية وعناصرها الوطنية الديمقراطية، وهو ما يفسر انزعاج القوى الدولية وتحركها المضاد لحركة 19 يوليو 71 - حيث لم تتوان تلك القوى فسارعت إلى انزال طائرة رئيس المجلس العسكري المقدم بابكر النور وعضوه المهم الرائد فاروق عثمان حمد الله في ليبيا بمساعدة العقيد معمر القذافي - ثم قامت آنذاك القوى نفسها بقصف الطائرة القادمة من عراق أحمد حسن البكر لدعم حركة يوليو وثوارها - وأخيراً تحركت الدبابات الروسية الاستراتيجية في حسم الصراع لصالح نميري - وحين ذلك رفض قادة الحركة قصفها بسلاح الطيران الذي كان قادراً ومستعداً لتحييد الدبابات واخراجها عن معادلة الصراع - إلا أن رأي قادة الحركة كان الانحياز إلى العقل حقناً للدماء وصوناً لأرواح المواطنين الأبرياء.
أو كما رأى الرائد هاشم العطا قائد حركة 19 يوليو الذي كان بمثابة الملك الطيب أو الصالح اوزيريس أول ملوك النيل الذي لم يقتل أخاه الكاهن الشرير (ستي) رغم اصرار جنوده والحاحهم على ملكهم العادل للانتقام من أخيه الذي قام باستدراجه إلى داخل التابوت ثم أغلقه وألقى به في النيل إلى أن أنقذته أخته الشقيقة اسي أو الأم العظيمة المقدسة، واعادت إليه الحياة مرة أخرى أو كما تقول أقدم أساطير ملوك النيل وملكاته التي تدعو إلى منهجها في العفو والتسامح بتحريم القتل وسفك الدماء، إلا ان ذلك لم يكن ديدن رفيق درب هاشم في الجيش والوطن قائد الجناح الآخر في الصراع العقيد/ جعفر نميري!!!
فلقد تغلبت نوايا جعفر نميري وروحه الشريرة التي كان يبحث عنها في الخمر الاسكتلندية الشهيرة وهو يجتهد من خلال خمرته إلى ارضاء غروره واخفاء اجندته الاستعمارية التي يسعى إلى تحقيقها... فكان ان ظهرت في ساحة المحاكمات بسلاح المدرعات بالشجرة فرقة الاعدامات التي يقودها الضابط الصفوفي المشهور - الشايقي - لينتقم من أعضاء مجلس الثورة بابكر النور وهاشم العطا ووزير الداخلية فاروق عثمان حمد الله الذين رفضوا جميعاً محاولات نميري ورفاقه الآخرين في مجلس الثورة لاعفاء النقيب الشايقي من المحاكمة بعد ان قام في واحدة من مغامراته وبلطجته بقتل موظف بديوان المراجع العام داخل منزله وأمام أطفاله الصغار!!!
أما المقدم عثمان حاج حسين ابشيبه المتهم زوراً وبهتاناً أو كما تقول المعلومة الواردة بكتاب المرحوم الرائد/ زين العابدين محمد أحمد عبد القادر، فلقد كان حريصاً على صرف تعليماته الواضحة لضباطه وهم ينطلقون لتنفيذ مهمات الاعتقال على الهدوء وضبط النفس خاصة مع الرائد أبو القاسم محمد ابراهيم الذي يعرف حدة طباعه وتهوره، وألا يقتل بدم بارد مهما كانت تصرفاته وأنه أي ابشيبه سيقوم بقتل ضابطه (عبد العظيم سرور) فوراً إذا قام بإيذاء الرائد أبو القاسم أو قتله!!!
هكذا بكل وضوح حيث لا يوجد مجال للظنون والشكوك والريبة... فالأحرى عند تناول حركة يوليو 71 وسيرة ابطالها جميعاً أن ينظر إليها من وجهها الآخر الذي يكشف جعفر نميري ونظامه المايوي وسفوره في التردي والانحطاط... فانطلاق حركة 19 يوليو بتلك الجسارة في وضح النهار أو نهايتها فيما يعرف بمحاكمات الشجرة، كانا كافيين لتعرية فساد نميري ونظامه البلطجي، فهذه الصورة التي ننتهي عندها منقولة عن محاكمات الشجرة ودور نميري ومظهره المؤسف والمخزي الذي لا يشرف رجل الدولة ولا يمثل شرف الجندية والقوات المسلحة السودانية بتاريخها وبطولاتها.
فقد قالت الصحفية المصرية التي حضرت محاكمات الشجرة أو مجازرها لصالح مجلة المصور (ان رئيس نظام مايو جعفر نميري كان مخموراً لا يتوقف عن تناول الاسكتلندي العتيق من الزجاجة مباشرة (بالبوز)، وكذلك بقية زملائه ولقد رد حكم المحكمة مراراً مطالباً بالاعدام لعبد الخالق وكنت أظنه سيطلب من رئيس المحكمة أن يحكم على نفسه بالاعدام - تلك الهستريا أو كما قالت الصحفية المصرية لم أشاهدها حتى في أفلام الغرب الامريكي التي تصور المكسيكيين سكارى أجلافا وحوشا كاسرة ومغتصبين... انتهى.
الخرطوم - اكتوبر 2011م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.