اليسارية واليسار عبارة عن مصطلح يمثل تيارا فكريا وسياسيا يسعى لتغيير المجتمع إلى حالة أكثر مساواة بين أفراده، ويرجع أصل مصطلح اليسارية حسب "ويكبيديا" إلى الثورة الفرنسية عندما أيد عموم من كان يجلس على اليسار من النواب التغيير الذي تحقق عن طريق الثورة الفرنسية، ذلك التغيير المتمثل بالتحول إلى النظام الجمهوري والعلمانية، ولا يزال ترتيب الجلوس نفسه متبعا في البرلمان الفرنسي. بمرور الوقت تغير وتشعب استعمال مصطلح اليسارية بحيث أصبح يغطي طيفا واسعا من الآراء لوصف التيارات المختلفة المتجمعة تحت مظلة اليسارية، فاليسارية في الغرب تشير إلى الاشتراكية أو الديمقراطية الاشتراكية أو الليبرالية الاجتماعية في أوروبا والولايات المتحدة، كما تدخل تحت المصطلح العام لليسارية حركة يطلق عليها اللاسلطوية والتي يمكن اعتبارها بأقصى اليسار أو اليسارية الراديكالية. ما قادني لذلك هو انتخاب الاشتراكي فرانسوا هولاند رئيسا جديدا لفرنسا، بعد أن هزم نيكولا ساركوزي بفارق ثلاث نقاط، ليكون ثاني اشتراكي يدخل قصر الإليزيه في تاريخ الجمهورية الخامسة، ورغم أن عشرات ملايين الفرنسيين رأوا أن الأمل بات في متناول اليد مع دخول اشتراكيٍ إلى الإليزيه أخيرا بعد 17 عاما من حكم اليمين، وخمس سنوات من "الحكم الساركوزي "، فإن موقع "ميديابار" يرى أن 2012 لا يشبه 1981، وأن فوز هولاند هش يحيط به كثير من اللبس. وأول أوجه اللبس فالانتصار كان "نظيفا" لكنه ليس كاسحا،وساركوزي هُزم لكنه لم يُكسر ، ويمكنه أن يعزو هزيمته إلى الأزمات الأوروبية والعقاب الجماعي الذي يلاحق الحكومات الأوروبية الآن، أما هزيمة ما تمثله الساركوزية تحديدا فأمر ما زال محل شك. وفي القارة العجوز فإن فوز هولاند يميل بأوروبا لليسار ويترك رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون معزولا؛ لأن خسارة صديقه وحليفه من يمين الوسط، ساركوزي، تعتبر أخبارا سيئة لدبلوماسيته في الاتحاد الأوروبي وأيضا لأنها تقدم لليسار البريطاني سيناريو يتبعه بشأن حكومة غير شعبية منفصلة عن الشعب بالثروة والتقشف. وساركوزي هو الزعيم الأوروبي الحادي عشر الذي يسقط منذ اندلاع أزمة الصناعة المصرفية وهذه النتيجة أكثر من مجرد إيماءة للموالين السابقين لساركوزي أمثال أنجيلا ميركل أو ديفد كاميرون، وتوجه فرنسا الجديد هو ضربة قاضية لاتفاقية التقشف التي كانت رد أوروبا على الأزمة. والاختيار الذي تواجهه فرنسا الآن صريح فاليمين فشل اقتصاديا حيث إن إجراءاته التقشفية مستمرة في التهاوي باقتصاد أوروبا نحو القاع. وعليه فإما أن يغير هولاند هذه القوة الماحقة بخلق وظائف وحث النمو في فرنسا، أو يكون لليمين المتطرف يوم مشهود بتحويل المهاجرين والحكومة المركزية إلى كبش فداء. وأول مشكلة تواجه الرئيس الجديد هولاند مسألة تبدو شخصية، فهو يعيش بلا زواج مع زميلتنا الصحفية فاليري تريروالار، المتخصصة في الموضوعات السياسية وتعمل مع مجلة "باريس ماتش"،وقد يتسبب له ذلك في تعقيدات بروتوكولية خلال الزيارات الخارجية او حفلات الاستقبال الرسمية في فرنسا . وبشأن السودان، فإن وصول الاشتراكيين الى قصر الأليزيه لا أعتقد أنه يدعو للتفاؤل،فباريس اليمينية واليسارية على حد سواء ظلت تتعامل مع السودان في ملفات أمنية لاهتمامها بنفوذها في القارة السمراء،وتبدى ذلك في نشر قوة أممية في تشاد وافريقيا الوسطى المتاخمتين لدارفور، مع ضعف التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي،فمنذ خروج الشركة الفرنسية التي كانت تعمل في قناة جونقلي وشركة توتال،لم يعد هناك استثمار فرنسي الا في نطاق محدود،وقد تأثرت باريس بالعقوبات الأميركية على السودان،ورغم تباين مواقف اليسار من واشنطن في ملفات عدة فإن باريس الاشتراكية لا يتوقع أن تتبنى موقفا مستقلا بجانب ان حجم المصالح والتنسيق الدولي يجعلان الفوارق محدودة ولا تصل الى مرحلة التقاطع، ولذا لا يمكن التعويل عليها. الاشتراكيون مهتمون بالقضايا الانسانية بشكل كبير وهم بارعون في استخدام المنظمات الانسانية في اجندتهم السياسية، فالطبيب الاشتراكي برنار كوشنير هو أول من كشف تجنيد الأطفال في جنوب السودان خلال مرحلة الحرب الاهلية ، وبعد ما اختاره ساركوزي وزيرا للخارجية تعبيرا عن انفتاحه والتقارب مع الاشتراكية، تبنى دعم تحالف منظمات إنقاذ دارفور الذي ضغط على ساركوزي لاختياره ضمن الطاقم الجديد،وساهم في تسويق ازمة دارفور عالميا وضخمها اعلاميا ،غير أن فرانسوا هولاند سبقه مطالبا بفرض ممرات إنسانية في دارفور، واستقبل الحزب الاشتراكي وفد "الحركة الشعبية - قطاع الشمال"برئاسة ياسر عرمان،ودعا الاشتراكيون غير مارة لإجراءات حاسمة لوقف العنف في دارفور،وأخيرا تحدثوا عن وقوع انتهاكات في جنوب كردفان. لا يتوقع انقلاب أو تحول كبير في الموقف الفرنسي تجاه السودان،لكن ينغي التحسب للسياسة الخارجية الفرنسية في المرحلة المقبلة التي ستتدثر بالشؤون الانسانية،وفي النظام الفرنسي فإن رجل الأليزيه هو من يمسك بملف العلاقات الخارجية.