وافق بنك السودان المركزي الخميس الماضي بصورة مفاجئة على تحرير سعر الدولار للصرافات مع منحها آلية لتحديد سعر النقد الأجنبي للجمهور والسماح لها بإعطاء العملاء تحويلاتهم من الخارج بالنقد الأجنبي إن أرادوا،ويتجه الى تعامل مماثل مع البنوك.، وذلك من أجل محاربة السوق الموازي للعملة واستقطاب موارد من خارج البلاد ، وجذب أموال المغتربين، وتشجيع المستثمرين. وهذه الخطوة عمليا تعني «تعويم» الجنيه السوداني الذي تآكل منذ بداية العام وفقد نحو 50 في المئة من قيمته،مع التصاعد المستمر في سعر العملات الأجنبية. و»التعويم» هو ترك سعر صرف عملة ما، أي معادلتها مع عملات أخرى، يتحدد وفقاً لقوى العرض والطلب في سوق النقد، وتختلف سياسات الحكومات حيال تعويم عملاتها تبعاً لمستوى تحرر اقتصادها ، وكفاية أدائه، ومرونة جهازها الإنتاجي. هناك نوعان من «التعويم « ،الأول الحر ويعني ترك سعر صرف العملة يتغير ويتحدد بحرية مع الزمن بحسب قوى السوق، ويقتصر تدخل السلطات النقدية على التأثير في سرعة تغير سعر الصرف، وليس الحد من ذلك التغير، و الآخر «التعويم المدار» ويعني ترك سعر الصرف يتحدد وفقاً للعرض والطلب مع لجوء البنك المركزي إلى التدخل كلما دعت الحاجة إلى تعديل هذا السعرمقابل بقية العملات، وذلك استجابة لمجموعة من المؤشرات مثل مقدار الفجوة بين العرض والطلب في سوق الصرف، ومستويات أسعار الصرف الفورية والآجلة، والتطورات في أسواق سعر الصرف الموازية. وكان بنك السودان ينتهج نظام تعويم محكوم، حيث يحدد سعراً تأشيرياً بناءً على معاملات اليوم السابق، ويتدخل في السوق إذا انحرفت الأسعار عن نطاق يزيد وينقص ثلاثة بالمئة حول ذلك السعر. ويؤدي «التعويم» عملياً إلى رفع قيمة الجنيه السوداني أو خفضه، وكلتا الحالتين تؤثران في الأسعار وفي التجارة الخارجية وفي النمو الاقتصادي عامةً. وعادةً ما تصدر الحكومات قراراً يقضي بتحرير عملتها الوطنية في مقابل سلة العملات الأجنبية، نتيجة ضغوط متواصلة من المؤسسات المالية والدولية وفي مقدمتها البنك وصندوق النقد الدوليين بهدف اطلاق سعر العملة، وهو قرار يمثل الدواء الأخير الذي تضطر الحكومات والدول لتجرعه للآثار المرتبة عليه،باعتباره قرارا سياسيا في المقام الأول قبل أن يكون اقتصاديا. وكان وزير المالية علي محمود قال في لقاء صالون الراحل سيد أحمد خليفة السبت 18 فبراير الماضي ،انه يمكن للحكومة ان تتخذ قرارا ب «تعويم الجنيه السوداني» لتوحيد سعر الصرف لكن ذلك سيزيد من التضخم وارتفاع الاسعار لذا لن تلجأ الحكومة إلى هذا الخيار لاعتبارات سياسية وليست اقتصادية, ولا اعتقد ان الاعتبارات السياسية قد تغيرت منذ ذلك الوقت وزير المالية أيضا قال قبل ثلاثة أيام ان هنالك مبلغاً ضخماً دخل خزينة بنك السودان من مصادر خارجية ، ورجح أن ينخفص سعر صرف الدولار بالسوق الموازي بنسبة 50 في المئة ويصل الى 3 جنيهات،ولكن السعر الذي ستبدأ به الصرافات وربما البنوك اعتبارا من غد الأحد سيكون 4,90 جنيه بدلا عن السعر الحالي الرسمي 2.70جنيه،وبالتالي فان سعر صرف الدولار في ارتفاع وليس في انخفاض كما وعد وزير المالية ومن بعد البنك المركزي. بلا شك فان تحرير سعر الصرف يتيح فرصاً وآليات لحل مشاكل قطاع كبير من شركات المقاولات والمستوردين بالإضافة إلى تشجيع المستثمرين،وجذب تحويلات المغتربين عبر القنوات الرسمية وتوفير السلع ويمكن أن يحسن من قيمة الجنيه،وفي المقابل سترتفع غالبية السلع المستوردة ،ومنها ما لا غني عنها للمواطن مثل الدواء الذي كان يستورد بالسعر الرسمي،كما سترتفع معدلات التضخم التي بلغت 28 في المئة في أبريل الماضي،وستتراجع قيمة الجنيه في مقابل العملات الأخرى في حال لم يكن للبنك المركزي احتياط كاف لمقابلة الالتزامات وضخ نقد أجنبي بطريقة مستمرة ومنتظمة،وسينشط بعد فترة وجيزة السوق الموازي تبعا لذلك،لذا فان خطوة «بنك السودان» مغامرة نأمل ألا تغرق الجنيه بدلا عن «تعويمه». * نأسف لاعادة العمود لسقوط فقرة واخطاء غيرت بعض المعاني.