تعرّف المنظمات الدولية الفقر على "أنه الحالة الاقتصادية التي يفتقد فيها الفرد الدخل الكافي للحصول على المستويات الدنيا من الرعاية الصحية والغذاء والملبس والتعليم، وتسديد فواتير الماء والكهرباء، والصرف الصحي وتلبية الواجبات الاجتماعية، وكل ما يعدُّ من الاحتياجات الضرورية لتأمين مستوى لائق للحياة"، واتسع هذا المفهوم وأصبح بعدئذ أكثر شمولاً خصوصاً بعد قمة كوبنهاغن العام 2006 التي شدَّدت على أهمية حصول الفرد على الحد الأدنى من الحياة الكريمة، وتأمين بيئة سليمة، وفرص المشاركة الديمقراطية في اتخاذ القرارات في جوانب الحياة المدنية. وقد أثار تقرير طرحه وزير المالية أمام المجلس الوطني الأسبوع الماضي، أن نسبة الفقر في السودان 46% ، تساؤلات حائرة ،لكنه لم يحدد الأسباب والخطة العملية لتخفيف حدة الفقر لأن أي حديث عن مكافحته يبدو سياسيا أكثر من كونه عمليا. وتعكس دراسة أعدتها جهات رسمية في نهاية العام 2009،أن وراء الفقر الفوارق بين المناطق الريفية والحضرية، خاصة المتأثرة بالحرب والنزوح المستمر من الريف، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى الطريقة التى نفذت بها السياسات الاقتصادية وتراجع الخدمات الاجتماعية وتوزيعها وفشل السياسات الاقتصادية الكلية ، وتفشي الفساد في أجهزة الحكم وغياب الشفافية والمسؤولية،وتخبط السياسات الزراعية وارتفاع تكلفة الانتاج وضعف الانتاجية. وفقاً لمسح أوردته الإستراتيجية المرحلية للحد من الفقر أعدها مختصون حكوميون، فإن نسبة 46.5% من مواطني السودان يعيشون تحت خط الفقر بما يعادل نحو 14.4 مليون مواطن. وأشارت إلى أن نحو 13 مليون مواطن يعانون من الحرمان الغذائي، وأن نحو 75% من سكان الريف من الفقراء. واحتل إقليم دارفور -بحسب الدراسة- المرتبة الأولى في قائمة أفقر المناطق، بنسبة فقر بلغت 62%. واعتبرت ولاية شمال دارفور الأكثر فقرا بنسبة بلغت 69% من النسبة الكلية للإقليم. بينما جاءت الخرطوم في المرتبة الأخيرة بين المناطق السودانية بنسبة فقر بلغت نحو 26%. ورهنت انخفاض نسبة الفقر بالسودان بتطبيق الحكم الرشيد ودمج النازحين وتنمية الموارد البشرية وخلق فرص عمل وتمكين القطاع الزراعي من النمو والاستجابة لمؤشرات السوق. وكان تقرير التنمية البشرية الذي أنجزه صندوق الأممالمتحدة الإنمائي للعام الماضي قد صنف السودان في المرتبة 154 عالميا ضمن مؤشر التنمية البشرية ضمن أدنى دول العالم التي تتسم بتنمية متدنية. ويشير التقرير الأممي إلى أن دخل الفرد بالسودان لا يتجاوز 1353 دولارا سنويا، فيما يبلغ عدد المحرومين في السودان من خدمات شبكة الكهرباء 65%، ومن شبكة الماء الصالح للشرب 43%، وتعتبر استراتيجية الفقر من أهم شروط إعفاء ديون السودان الخارجية. ويرى غير قليل من الخبراء أن غياب و ضعف التنمية في معظم مناطق السودان هو العامل الاساسي في تغلغل واقع الفقر، ولايمكن مجابهة هذا الواقع من دون معالجة أسبابه الرئيسة بحل مشاكل السودان السياسية الحالية،وأن التخفيف من وطأة الفقر يبدأ بتقليل مستوى الفوارق التنموية بين أنحاء السودان المختلفة، وإحداث توازن بانتهاج سياسات منحازة للفقراء، فالغبن التنموي وراءه وجود مستوى معقول من التنمية حول شريط النيل وروافده مع غياب ذلك في المناطق الاخرى من البلاد، مما فجر صراعات في أجزاء مختلفة. نحو 85% من السودانيين لا يتعاملون مع الجهاز المصرفي ولا يتمتعون بأي ائتمان أو تمويل لممارسة أي نشاط انتاجي فهم المهمشون الحقيقيون، والمدخل الصحيح مراجعة السياسات قبل الاجراءات، واذا كانت الزراعة بشقيها النباتي والحيواني هي مصدر رزق غالبية المواطنين فانها مفتاح نحو معالجة حقيقية لمشكلة الفقر،مع اخماد بؤر التوتر ومناطق النزاعات المسلحة حتى تساهم في تحقيق اكتفاء ذاتي بتلك المناطق، وخلق فوائض انتاج تستخدم في التصنيع حتى يكون السودان "سلة غذاء السودان" ،وبغير ذلك يصبح الحديث عن محاربة الفقر شعاراً لا يقوم على ساقين.