عندما طرح والي الخرطوم على القيادات الصحفية الأسبوع الماضي المعالجات والتدابير التي تبنتها حكومته لتخفيف «خطة التقشف» على القطاعات الفقيرة والطلاب والعاملين، وتحقيق استقرار في الأسواق،ضمن حزمة اجراءات،قدم وعدا باقرار قانون تنظيم التجارة وحماية المستهلك عبر المجلس التشريعي للولاية حتى يساهم في محاربة الجشع والسمسرة بقوت الناس والاحتكار. المجلس التشريعي لولاية الخرطوم ظل يناقش القانون أياما،وكان مقررا المصادقة عليه بصورة نهائية الخميس الماضي،لكن رئيسة الجلسة ماجدة نسيم اضطرت لرفع الجلسة بسبب عدم اكتمال النصاب،نعم النصاب لم يكتمل،مما دفع رئيسة لجنة الشؤون القانونية مريم جسور الى ذرف الدموع مدرارا حزنا على عدم حرص النواب على الحضور حتى يمر القانون الذي يخدم مواطنيهم. عبد الملك البرير لم يكن اقل حزنا من مريم جسور غير أنه عبر عن غضبه بحدث ساحن،وقال انه اذا لم يشعر النواب بأوجاع المواطنين فينبغي أن لا نبحث عنهم في ممرات المجلس التشريعي وفي الكافتريا حتى يكتمل النصاب.،وأعقبت الجلسة مشادات وملاسنات وتلاوم على هذه «الفضيحة». قانون تنظيم التجارة وحماية المستهلك،يستهدف منع تفلتات الأسواق، وكبح جماح الفوضى في الأسعار، وردع الجشعين الذين يستغلون الأوضاع الحالية وزيادة الأسعار بطريقة غير مبررة،وبالتالي فان القانون يخدم سكان ولاية الخرطوم الذين يمثلهم النواب،وكان ينبغي أن يكونوا أكثر حرصا على حضور الجلسات، وخصوصا المكرسة لمناقشة القانون والمصادقة عليه. الحكومة ومؤسسات الدولة المعنية في حالة طوارىء سياسية لمجابهة التحديات وافرازات «خطة التقشف» وخاصة المرتبطة بالاقتصاد والأسواق المتمردة التي باتت مهددا للسلطة واستقرارها،غير أن كل ذلك يبدو أنه لا يهم نواب تشريعي الخرطوم،وأعتقد أنهم لا يدركون خطورة مسلكهم على حزبهم،ولا يشعرون أن مواطنيهم حملوهم الى مقاعد المجلس لذا لا يهمهم المواطن سواء ابتلعه السوق أم النيل..!!. مريم جسور تذرف الدموع ،وعبد الملك البرير غاضب،وعاتب على زملائه،الذين اختفوا من قاعة المجلس التشريعي وذهبوا لمتابعة شؤونهم الخاصة،فمواطن الولاية خارج نطاق اهتمامهم،هذا موقف كان ينبغي أن يدفع الى الاستقالة لاحراج النواب المتسيبين، فهم لا يستشعرون المسؤولية،وليس عليهم حرج، فاللوم على من اختاروهم لتمثيلهم لأنهم وضعوا ثقتهم في من لا يستحقون الثقة وأمانة المسؤولية. وليس بعيدا عن مجلس الخرطوم ،بكى وزير الثورة الحيوانية فيصل حسن ابراهيم في ورشة بالبرلمان الخميس الماضي،بكاءً ليس بالدموع وانما بالشكوى والأسى، حيث قال ان وزارته تعاني قلة الفئران من قلة الموارد بينما تصرف الدولة المليارات على قطاعات غير منتجة،وان ادارة المراعي في وزارته «جنازة بحر»، وقائمة الشكاوى طويلة، فالثروة الحيوانية - حسب الوزير- تأتي في ذيل اهتمامات الدولة وليس لديها استعداد لدعم القطاع الحيواني. وأخطر ما ذكره الوزير أن الاتحاد الأوروبي سيوقف تمويله لمشروع مكافحة الاوبئة بالبلاد اعتبارا من 18 يوليو المقبل، الأمر الذي سيلقي العبء على وزارة المالية،وفي ظل هذه الظروف التي تثقل فيه كاهل المواطن باجراءات قاسية،فلا أعتقد أنها ستكون أكثر رأفة على الماشية من الانسان،والنتيجة فان صادرات الماشية الى الأسواق العالمية ستواجه متاعب ينبغي أن تلتفت اليها قيادة الدولة. رغم أن السودان يتمتع بثروة حيوانية كبيرة لديها سمعة طيبة في الأسواق العالمية لكن مردودها للبلاد لا يزال ضعيفا ،فبجهد واهتمام أفضل يمكن أن تسد فجوة النقد الأجنبي وتحقق عائدات كبيرة، ومن أبرز التحديات تنظيم المنتجين وحل مشاكل المراعي، فلولا خبرة الرعاة لهلكت كثير من المواشي بسبب الجفاف الذي ضرب انحاء واسعة من البلاد. لقد بت في حيرة من أمري ولا أجد تفسيرا من شكوى بعض الوزراء والمسؤولين من ضعف اهتمام الدولة،وغياب الارادة في التصدي لمشكلات وعوائق الانتاج،وعدم سداد السياسات العامة المرتبطة بقطاعات الانتاج،وفي جلسة لمجلس الوزراء بمدينة الدمازين قبل أكثر من عامين خصصت لمناقشة الاستثمار،اشتكى معظم الوزراء الذين تحدثوا عن العقبات التي تواجه الاستثمار. فاذا كان الوزراء والمسؤولون يشتكون من مؤسسات الدولة،فلمن يشتكون،أفهم أن يأتي ذلك من مراقبين ومهتمين وصحفيين،وصغار موظفين،فمن بيده المسؤولية والأمر وصاحب القرار ينتظر منه أن يحل المشاكل،وينهض لمراجعة السياسات واقرار الخطط الفاعلة،وليس البكاء وسكب الدموع،فاذا صار المسؤول عاجزا وحيلته العويل فليفسح المجال لغيره،فكثيرون فقدوا حساسية المنصب الدستوري لطول بقائهم،وموت بنات أفكارهم،ولم يعد لديهم ما يقدمونه،فليحترموا أنفسهم وتاريخهم ويغادروا الى شؤونهم الخاصة،فالبلاد في ظروف بالغة التعقيد لا تحتمل المجاملات والتقاعس وضعف الهمة والتثاؤب في الوظيفة العامة.