الحركة الإسلامية في السودان نتاج حركتين إحداهما برزت في المحيط الطلابي تحت مسمى «حركة التحرير الإسلامي،» والأخرى برزت في المحيط المجتمعي تحت اسم « الإخوان المسلمين « نتيجة لظروف نشأتها كامتداد لحركة الإخوان المسلمين « في مصر في منتصف الأربعينيات ، وعرفت الحركة بعد ذلك بالإخوان المسلمين ثم جبهة الميثاق الإسلامي في الفترة 1965- 1969م ، كما عرفت في الجامعات باسم « الاتجاه الإسلامي، ثم في الفترة 85/1999م اختارت اسم الجبهة الإسلامية القومية ، وفي جميع الحالات كانت الحركة الإسلامية « الإخوان المسلمون « هي النواة الأساسية لهذه التجمعات. الحركة الإسلامية حركة أنداد ونظراء على مستوى القيادة ، لذا كان التداول في السلطة من سنتها حيث ظلت ماضية مع تغير القيادات من علي طالب الله إلى الراحل بابكر كرار، إلى محمد الخير عبد القادر، ثم الرشيد الطاهر وانتهاءً بالدكتور حسن الترابي وعلي عثمان محمد طه وخلفه الزبير أحمد الحسن. ومنذ بروز الحركة الاسلامية الحاكمة من جديد وانتخاب علي عثمان محمد طه أمينا عاما في أبريل 2004 ،ثم في أغسطس 2008،ظل بعض قادة الحكم وخاصة بعض المتنفذين في حزب المؤتمر الوطني ينظرون اليها بعين الريبة والشك كأنها تنظيم ضرار باطني لم يعد له مبرر، ويسعون لتغييبها أو حلها منعا للازدواجية-كما يعتقدون-بينما ترى الحركة أو غالبية قياداتها أنها مرجع للاسلاميين. جاء المؤتمر الثامن للحركة الاسلامية وسط ململة من مجموعات وتيارات ظلت تنادي بالتغيير وتبني خطوات إصلاح، لكنها لم تجد استجابة فلجأت الى أساليب ضغط عبر مذكرات ولقاءات وحوارات مفتوحة،كما يرى الاسلاميون في الولايات أن صوتهم ظل مكبوتاً وأن التهميش بلغ حتى كيانهم الداخلي. المتابع المنصف للمؤتمر الأخير ينبغي أن يقر بالنجاح في حشد رموز اسلامية من الخارج مما يعكس تواصل الاسلاميين السودانيين مع محيطهم وعدم انعزالهم،كما كان الائتمار تظاهرة سياسية واعلامية. وفي المقابل، كان ينتظر أن يكون المؤتمر فرصة للمراجعة خصوصاً أنه أتى عقب انفصال الجنوب والمصاعب الاقتصادية ونشوب الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق، ومراوحة ازمة دارفور مكانها،وتدهور الأوضاع الاجتماعية،وهي ملفات ينبغي ان تكون في صدر اهتمام الاسلاميين،الذين طرحوا مشروعا واجه اختباراً عملياً ولا أعتقد أنه عبر الامتحان بنجاح. روح المؤتمر عكست رغبة حقيقية في التغيير والاصلاح سواء عبر الأحاديث الساخنة والمواقف الصارمة،أو عبر التصعيد الى مجلس الشورى من المحليات والولايات،حيث لم تجد رموز بارزة طريقها الى الشورى بسلاسة، وعبرت بأساليب إستثنائية. ولكن هذه الروح لم يعبر عنها المؤتمر في مخرجاته أو اختيار القيادة،كما تدخلت جهات باطنية وحدث استقطاب حاد في مجلس الشورى،وفي أقل من 24 ساعة من اختيار الامين العام تحركت المجموعات التي لم تقتنع بأن الخطوات تمت بطريقة سليمة وعبرت عن إرادة غالبية الاسلاميين. وبرز من خلال المؤتمر تياران الأول محافظ سعى الى تذويب الحركة الاسلامية في الحزب الحاكم أو المساكنة معه،وصمم تعديلات في دستور الحركة تحت ذريعة توحيد القيادة، ونقل سلطة المؤتمر الى الشورى للتحكم في ما يصدر عنها والتأثير على اتجاهاتها وعمل بجد لاختيار شخصية في قيادة الحركة تناسب هذا الدور،وتحقق له ما أراد. وبرز تيار اصلاحي يدعو الى حركة حرة ومستقلة وجد طرحه تجاوباً كبيراً وسط أعضاء المؤتمر وقطاعاته الفاعلة، وكان يمكن أن ينال ثقة المؤتمر، لو لم تتدخل الأصابع الخفية ،لكن سيتمدد هذا التيار الذي اعترف الامين الجديد بأنه تيار مهم ومؤثر،ولا يستبعد أن يذهب هذا التيار بعيدًا اذا لم يتم التعامل مع ما يطرح من مواقف وأفكاربجدية ومواصلة الحوار المتكافىء بعيدا عن روح الهيمنة والاستخفاف بالآخر.