غداً تحط طائرة الرئيس التشادي إدريس ديبي بالخرطوم حسبما هو معلن، هبوط لم يكن الأول له منذ اندلاع ازمة اقليم دارفور في العام «2003م» التي تسببت في توتر العلاقات بين البلدين، ولكنه يأتي هذه المرة بعد حالة من الهدوء الحذر الذي خيم على علاقات البلدين في الفترة الماضية من خلال جولات الحوار المتبادل التي استهلها مؤخراً وزير الخارجية التشادي موسى فكي الى الخرطوم، وتبادلها معه مستشار الرئيس مسئول ملف دارفور الدكتور غازي صلاح الدين الذي زار تشاد لأكثر من ثلاث مرات خلال الشهر الماضي، أسفرت تلك الزيارات من خلال الحوار الذي دار فيها الى الوصول لتفاهمات مشتركة حول ملف الترتيبات الأمنية بين البلدين. ادريس ديبي الذي يصل الخرطوم غداً يتوقع بناء على الأخبار التي رشحت ان يوقع خلال الزيارة مع نظيره السوداني عمر البشير على اتفاق البروتوكول الأمني، الذي استبقه في وضع الترتيبات واللمسات النهائية له وزير دفاعه الذي حط ايضاً قبله بالخرطوم قبل ثلاثة ايام، وكان وفد أمني عسكري سوداني قد زار تشاد في الاسابيع الماضية لمناقشة البروتوكول الأمني بين البلدين، وتنفيذ البنود الأولوية فيه التي تم الاتفاق عليها، والمتمثلة في تأمين الحدود بجلاء معارضة البلدين الى داخل عمق البلدين لمسافة «500» كيلو متر تمهيداً لنشر قوات مشتركة من البلدين على طول الشريط الحدودي تكون معنية بحفظ الأمن والسلام على طول الحدود المشتركة بين البلدين. كما تكتسب زيارة دبي للخرطوم هذه المرة قيمة أخرى فهي لأول مكرة تتم دون وسيط بين البلدين الأمر الذي يعكس حجم الثقة التي توصلت لها البلدان، كما تأتي في وقت تجري فيه مفاوضات السلام بشأن دارفور في الدوحة القطرية برعاية عربية افريقية أممية قطرية، وكانت قطر قد سعت خلال فترة توليها لملف دارفور لإعادة العلاقات بين البلدين الى وضعها الطبيعي كمدخل يساعد في عملية التفاوض الجارية بالدوحة، كما تأتي زيارة الرئيس التشادي ادريس ديبي والخرطوم تشهد تحركاً أمريكياً عبر المبعوث الأمريكي للسودان اسكود غرايشن لوضع حل لأزمة دارفور قبل الانتخابات في ابريل القادم، كلها مكؤشرات تذهب بإتجاه أن الزيارة ربما تحدث لأول مرة اختراقاً حقيقياً في علاقة البلدين التي أصابها داء التمرد كثيراً. ويعزي مراقبون حالة الإنفراج التي بدأت تلوح في الأفق بين الخرطوم وانجمينا، الى تغير في المواقف الدولية خاصة فرنسا التي كانت تصفها الحكومة السودانية بانها سبب تأزيم الخلافات بينها وتشاد، مشيرين الى ان التوجه التشادي على تحسين العلاقات مع الخرطوم لم يكن له أن يتم لولا ان وجدت انجمينا اشارات خضراء من باريس التي تتحكم في الشأن التشادي من خلال مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، في وقت تعد فيه العلاقات السودانية التشادية المدخل الرئيسي لتحقيق أية تسوية سلمية لقضية دارفور للإرتباط الوثيق بين الحركات المسلحة والحكومة التشادية من جهة وللتداخل القبلي بين البلدين، وكانت الحكومة السودانية التي توصلت لإتفاق أمني قد أجلت بموجبه المعارضة التشادية المتمركزة في منطقة غربي دارفور على الحدود السودانية التشادية باجلائها الى داخل العمق السوداني لمسافة تقدر ب«500» كيلو وتم توطينها بشرق دارفور، وهي خطوة يبدو انها وجدت ارتياحاً في الجانب التشادي، وعمقت الثقة بين الطرفين للمضي قدماً في بحث الملفات المشتركة الأخرى تمهيداً لتطبيع العلاقات بين البلدين، بعد حالة انقطاع شهدتها لقرابة الأربع سنوات نتيجة لنشاط المعارضة التشادية التي كانت تنطلق من دارفور ونشاط المعارضة السودانية التي كانت تنطلق من العمق التشادي وتجد التمويل والدعم العسكري من انجمينا. زيارة الغد المتوقعة اذا نجح الرئيسان خلالها من توقيع اتفاق أمني مجدداً فإنه سيكون الاتفاق الرابع الذي يوقعانه في مسيرة العلاقات بين البلدين منذ تفجر أزمة دارفور، حيث لم تحظَ معظم الاتفاقيات الماضية الموقعة بين الرئيسين بدرجة من النجاح والقبول بعد توقيعها، وكانت بمجرد توقيعها تندلع ازمة جديدة بسبب المتمردين هنا وهناك تكون سبباً في نقض ما اتفق عليه، فأزمة الثقة المتبادلة بين البلدين كانت كثيرا ما تقف في طريق تنفيذ اى اتفاق موقع بينهما، حتى غدت قيمة الاتفاقيات التى يوقعها الطرفان تذهب مع ابتساماتهم المتبادله على عدسات وفلاشات كاميرات المصورين التى ترصدها. بعد ان شكلت قضية دعم المعارضة في البلدين المحور الرئيسي في تدهور علاقاتهما، فالخرطوم تتهم تشاد بدعم حركات التمرد الدارفورية وتتهمها لأنها تحاول اسقاط النظام عبرها، خاصة ابان محاولة حركة العدل والمساواة غزو الخرطوم في مايو «2008م»، فيما تتهم انجمينا الخرطوم بدعم المعارضة التشادية وإيوائها، وبل واستخدامها من قبل الخرطوم لتغيير النظام في تشاد «بعد فشل محاولتين بهجوم للمعارضة التشادية لإنجمينا». ومنذ اندلاع أزمة دارفور صيف «2003م» تحتفظ الدولتان في ذاكرتهما بثماني اتفاقيات موقعه بينهما لإصلاح العلاقات الثنائية، فيما وقع الرئيسان عمر البشير والتشادي ادريس دبي ثلاث اتفاقيات من جملة الثمانى اتفاقيات، وكانت طرابلس الليبيه عبر جهود زعيمها معمر القذافي صاحبة السبق في جهود اصلاح العلاقات السودانية التشادية، والتى أثمرت نهاية العام «2008م» في عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بتبادل السفراء الذي انقطع بعد هجوم حركة العدل والمساواة على ام درمان في مايو «2008م» ، والذي سبقه ايضاً هجوم المتمردين التشاديين على العاصمة إنجمينا في يناير 2008م من ذات العام. ومنذ نشوء أزمة دارفور التى قادت لتوتر بين الخرطوم وإنجمينا، بادر الزعيم الليبي معمر القذافي بإستضافة عدة لقاءات ومؤتمرات وقمم مصغرة في ليبيا لتهدئة التوتر بين أنجمينا والخرطوم لضمان الإستقرار في المنطقة، كما ساهم في إتفاقيات المصالحة الموقعة بين السودان وتشاد، حيث عقدت برعاية الزعيم الليبي معمر القذافي القمة الخماسية فى فبراير 2006م بطرابلس، وقد أسفرت القمة عن توقيع إتفاق السلام بين البلدين، الذي نص على «عودة العلاقات بين البلدين، ومنع استخدام أراضيهما في أنشطة هدامة موجهة ضد سيادة أراضي الطرف الآخر ومنع إقامة عناصر متمردة على أراضي الطرفين». ولم تقف جهود ترميم علاقات البلدين عند طرابلس، فقد دخلت المملكة العربية السعودية على الخط عندما إستضافت برعاية العاهل السعودى الملك عبد الله بن عبد العزيز قمة بين البشير وديبي اللذين وقعا في الثالث من مايو 2007م على اتفاق المصالحة بين البلدين لوضع حدٍ للتوتر بينهما في العاصمة السعودية الرياض وهو ما عرف بإتفاق «الجنادرية». وبعد فشل اتفاق «الجنادرية» في تسوية الخلافات بين البلدين نتيجة لعدة عوامل كان ابرزها عدم رضا القيادة الليبية عن الاتفاق، وقع الرئيسان عمر البشير وادريس ديبي، إتفاقاً ثالثاً على مستواهما أثناء قمة المؤتمر الإسلامي بداكار في منتصف مارس 2008م، التى نجح رئيسها عبد الله واد في جمعهما مجدداً، وهو الإتفاق الذي إنبثقت منه «مجموعة اتصال» من وزراء خارجية (ليبيا الكونغو السنغال الجابون إريتريا ومسئولي منظمات إقليمية) تجتمع كل شهر لضمان تنفيذ اتفاق داكار.