نسعد بوصفنا مهاجرين أو مغتربين كتب علينا الترحال بالعودة للوطن، ويبدأ الاستعداد مبكراً بالذهاب للأسواق واكتراء وشراء الهدايا أو بعض الأساسيات، وفي الرياض دائما ما تجد أسواق «البطحاء» الشهيرة مكتظة بالسودانيين، وتزداد أعدادهم في متاجر الأقمشة والثياب الحريمية السودانية، ودكاكين العطور البلدية التي تشكل واحدة من خصوصياتنا التي لا يشاركنا فيها أحد على ظهر هذا الكوكب. وامتلأت الشنطة أو الحقيبة بملابس الأطفال والكبار، وهذا العام لم أشتر « توب البنغالي» للوالد الذي غيبه الموت، وكم من هدايا نقصت لنقصان أعمار من كنا نحرص على ودهم ومحبتهم، فقد غيب الموت الكثيرين، رحمهم الله. وتبدأ الرحلة من حيث السكن في الرياض إلى مطار الملك خالد، والسفر على «سودانير» ويسألك الكثيرون في استغراب بطريقة غير مباشرة: لماذا السفر على هذا الطائر المهيض الجناح؟! في المطار تطمئن قليلا عندما ترى الوجوه السمراء المميزة، وعليها نضرة الاغتراب، لكن في القلب «وجل» من أن الطائرة قد لا تجيء. الطائرة وصلت أو نزلت أو هبطت ! تسري الجملة مسرى النار في الهشيم!! ثم تتزاحم المناكب بعد أن تزف البشرى بفتح «ميزان العفش» وتجد نفسك محاطاً بمئات «الشنط والكراتين والطرود»، فالكل يحمل معه ما يراه غالياً للأهل: الوصايا والواجب والهدايا، ومن «شيلة العروس» إلى هدوم البرد إلى ملابس الأطفال، مرورا بشاشات البلازما واللاب توبات، وتتدافع أمامك المناكب السمراء، والعناوين مكتوبة بارزة على شرائط من «الشطرتون» وهذه من المفردات التي دخلت في لغة المغتربين. فهذا عنوانه الصحافة ظلط، وذاك «مدني/ شندي فوق جوار الجامع القديم» وثالث من «التميراب غرب شندي» ورابع من «الشكابة والحاج عبد الله بالجزيرة»، فقد جمعت صالة المطار كل السودان!! موظف الخطوط حازم وحاسم وتبدو على وجهه «المساخة» وهو يرفض إعفاء الركاب من ثمن الوزن الزائد.. ويدفع الناس الفلوس، بعدم اقتناع ظاهر، فهم يريدون كل شيء «هوبللي» أو بلاش، وهذا مستحيل، فلا بد أن يدفعوا أليسوا «مغتربين» وفي «السعودية» بلد المال والدولار والريال؟! وأخيرا توزن عفشك وتتجه صوب الجوازات التي يقوم بالعمل فيها شباب فيهم الكثير من الدماثة واللطف «لقد تغير العالم وأصبح الناس يقبلون الآخرين!» في الطائرة تتولد معارف، وتنبت صداقات، وتتداعى ذكريات، عندما تلتقي أشخاصا فرقتك عنهم الأيام، مثلما حدث لي عندما التقيت الأخ ميرغني وهو مهندس زراعي كان يقيم معنا في بيت واحد في حي المربع، إلا أنني «والله شاهد» لم أره منذ عام 1985م، إلا هذه في الصدفة بالطائرة.. وللحديث بقية، إن شاء الله. عوض الله محمد عوض الله