تقرير : رجاء كامل: تمثل الديون الخارجية للسودان هاجسا كبيرا، اذ وصلت بنهاية ديسمبر 2012م الى 43 مليار دولار تمثل الفوائد حوالى 27 مليار دولار فيما بلغ الاصل منه حوالى 15,4 مليار دولار فى وقت وصلت فيه الدول الدائنة الى حلول مع غالبية الدول الافريقية وتسويات لديونها عبر برامج محددة فيما عدا دولتين لم يتم تسوية ديونهما وهما السودان والصومال، واعتبر خبراء اقتصاديون امر الاعفاء والتسوية يكمن فى التوصل الى اتفاق وتطبيع العلاقات مع اميركا، اضافة الى ان تراكم الديون يكمن وراءه عدم قدرة السودان على سداد ديونه فى الفترة المحددة رغم اعادة جدولتها وذلك ايضا يرتبط بالجدولة التي لم تتضمن أي اعفاءات فى الاصل او الفائدة الامر الذى ادى الى العجز عن السداد وقاد الى تطبيق شروط الفوائد الجزائية عليه. خبراء اخرون اكدوا ان تداخل الاجندة السياسية يلعب دورا اساسيا فى تفاقم الديون حيث استمرت حالة الفتور بين السودان ومؤسسات التمويل العالمية ما دفع الخرطوم الى التوجه والاقتراض من الدول العربية والصين، كما ان كثيرا من المنح والمساعدات المالية وجدت طريقها الى السودان من الدول العربية والآسيوية ولايكاد يوجد للغرب اثر فى تلك المنح والقروض الخارجية. فريق ثالث يرى ضرورة اعداد سياسة شاملة لمساعدة الحكومة على معالجة ديونها وتقوية القدرة النوعية فى كيفية ادارة الديون بكفاءة وفاعلية عبر وضع قاعدة للتحرك لتمكين السودان من شطب ديونه على الاقل لتقليل موقف وضع السودان خارجيا . وفى السياق يرى الخبير الاقتصادى والمدير السابق لوحدة الدين الخارجى ببنك السودان عمر ابراهيم الطاهر، ان الدولة ظلت تسعى للحصول على دعم الدائنين لاعادة الثقة على شطب المتأخرات وبالتالى تصل تدريجيا الى عملية تطبيع العلاقات الاقتصادية والتمويلية ومساعدة الحكومة على تكوين مجموعة الدعم والتفاوض للحصول على تخفيض اكبر من خلال آلية خفض وجدولة الديون بنادى باريس فى اطار مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون ،مشيرا الى حاجة السودان الى بناء قدرات وتوفير التدريب للموظفين المعنيين وتطوير اطار وهيكل كافٍ باجراءات مؤسسية لادارة الديون بكفاءة وفاعلية ، و هذا من شأنه اعادة الثقة فى حل مشكلة الديون، مشيرا الى وجود خطة واستراتيجيات عامة تم وضعها لحل الديون والتى تلزم السودان بدفع متأخراته لكل الدائنين حيث يتم سدادها فى اطار البرنامج الاقتصادى متوسط المدى الذى تم اقراره من قبل صندوق النقد الدولى ، ونبه الى اهمية تجنب السودان للمعاملات التفضيلية مع أي دولة فى الاطار الثنائى، داعيا الى ايجاد آلية سياسية لحل مشكلة الديون ، وان يلتزم السودان بعد الحصول على أي قروض اجنبية غير ميسرة الا فى حالة الضرورة القصوى ، كما من الاهمية بمكان ان يسرع السودان فى مفاوضاته مع الدائنين من المؤسسات المالية الدولية لايجاد وسيلة يتفق عليها لسداد المتأخرات الحالية، مؤكدا ان التقيد بتلك الاستراتيجية يدفع السودان الى الايفاء بخدمة الديون للمؤسسات المالية الدولية وبعض الدول الدائنة الاخرى لمحاولة تشجيع التدفقات المالية الجديدة . ويؤكد الدكتور حسن بشير محمد نور الخبير الاقتصادى استاذ الاقتصاد بجامعة النيلين، ان الديون اصبحت تشكل عبئا كبيرا على الاقتصاد السودانى مصدرها ليس واحدا، وان صندوق النقد الدولى يقوم بالرجوع الى الممولين الحقيقيين حتى يتمكن من اتخاذ الاجراء الخاص بتقسيط الديون ويمكن ان يحفز بعض الدائنين لتخفيف مديونيتهم على السودان في مقابل مزايا استثمارية، ويرى انه من الاجدى التفاوض مع الجهات الدائنة وربطها بالمنح التي يجب ان يستلمها السودان وفقا لاتفاقيات السلام ، مشيرا الي ان المانحين اذا ما اوفوا بالتزاماتهم سيخفف ذلك العبء الواقع علي السودان كثيرا مما يساعد في اعادة الاعمار واحداث التنمية وانعاش الاقتصاد، علما بان تكاليف السلام تكاليف ايجابية لا تساوى شيئا مقارنة بتكلفة الحرب التي تهدد الموارد البشرية والمادية وتعطل عمليات التنمية، فالآن ربما تتكبد الحكومة تكاليف اكبر في دارفور وليس في الجنوب حيث ان هنالك قسمة ثروة بالنسبة للاخيرة تتضح في عوائد البترول والتي يتم تحويلها الى حكومة الجنوب وهي بالتالي تخرج من تصرف الحكومة المركزية. و قطع الخبير الاقتصادي والمراجع العام الاسبق محمد علي محسي بعدم قدرة السودان على سداد ديونه البالغة أكثر من 40 مليار دولار، وقال لا يمكن حل هذه الديون إلا إذا طلب من الدول الرئيسة رفع الدين أو جزءا منه، واتخذ مواقف سياسية ترضي الدول صاحبة الدين، مشيراً إلى أن هذه الديون أسندت لمؤسسات حكومية فشلت في استثمارها لافتاً إلى أن مديونية السودان من المؤسسات المالية العالمية تجاوزت 40 مليار دولار 52% منها فوائد، بينما أصل الدين 48% موزعة على عدد من المؤسسات المالية، وقال إن السودان لجأ للاقتراض منذ الفترة من 2000 2004 من المجتمع الدولي لبناء المشروعات التنموية، في ظل ظروف اقتصادية قاسية، متمثلة في الحصار الاقتصادي غير المعلن، وأبان أن هذه القروض بشروط غير ميسرة منوهاً إلى أن السودان لم يستفد من مبادرات الدعم العالمية، لعجزه عن التواصل في عمليات السداد، نسبة للظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وأوضح أن ديون السودان موزعة 30% باريس وأمريكا- و36% لدول خارجية و17% لمؤسسات تمويلية عالمية و12% لقروض تجارية وما تبقى ديون داخلية. وقال الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الناير إن السودان نفذ الشروط المطلوبة كافة لإعفاء ديونه التي تتوافق مع أهداف الألفية الثالثة واتفاقية مكافحة الفقر، بالإضافة إلى تطبيقه كل الاتفاقيات المبرمة مع جنوب السودان. ويؤكد ان الدين الخارجى يظل ورقة يضغط بها المجتمع الدولى على الدول الدائنة على الرغم من ان كل دول العالم مديونه وبنسب مختلفة ويشير الناير إلى وجود نماذج أفريقية للاستفادة من مبادرة إعفاء الديون عن الدول المثقلة بالديون «لكن هنالك أبعاداً سياسية تحول دون استفادة السودان من حقه في إعفاء ديونه» موضحا ان العديد من الدول الافريقية استفادت من مبادرة «الهبك» لاسقاط واعفاء ديونها لكن السودان ولدوافع سياسية لم يستفد منها. ويرى الناير ضرورة ان تضامن حكومة السودان وجنوب السودان للضغط على المجتمع الدولي لإعفاء دينهما المشترك مبينا ان الخيار الثانى والاصعب ان تحدث قسمة للديون على الدولتين . لكن وزير المالية والاقتصاد الوطني السوداني علي محمود اتهم خلال كلمة أمام البرلمان دولاً غربية لم يسمها بعرقلة الجهود الرامية لإعفاء ديون السودان، معللاً تلك المواقف «بدواع سياسية». ويعتبر نادي باريس ونادي لندن ومجموعة الصناديق العربية أبرز دائني السودان منذ أن بدأ الأخير في نيل قروض خارجية في سبعينيات القرن الماضي. ورغم إعلان السودان استيفاءه المستلزمات الفنية كافة التي تؤهله لإعفاء ديونه الخارجية، فإن عقبات ما زالت تحول دون تحقيق ذلك الهدف، وقرر السودان بحسب مسؤول اقتصادي -فضل حجب صفته- البدء في تحرك دبلوماسي مكثف لإعفائه من ديونه «بعد مشاورات أجراها مع الاتحاد الأفريقي لذات الهدف».