الخرطوم: محمد صديق أحمد : لا أحد يجرؤ على الجدل في أن ملف النفط ظل يشكل هاجسا للحكومة بل الشعب السوداني قاطبة منذ اعلان انفصال الجنوب لجهة تأثير النفط غير المنكور في رفد الخزينة العامة بموارد النقد الأجنبي بنسبة تجاوزت 90% من عائدات الميزان التجاري الخارجي حتى أنه ظل المكون الأول للموازنة العامة طيلة الفترة عقب انتاجه الى حين اعلان انفصال الجنوب في ظل تراجع مساهمة القطاعات الانتاجية لاسيما الزراعية والصناعية التي شهدت تراجعا كبيرا جراء انشغال الحكومة بحصد عائدات النفط، الأمر الذي قاد الى مد يد الاهمال لما سواه من القطاعات لتتفاجأ الحكومة والقائمون على أمر المنظومة الاقتصادية بفقدان جزء كبير من عائدات النفط عقب الانفصال حيث لم تسر الأمور وفق ما هو مخطط له على الصعيد الاقتصادي والسياسي بالبلدين، فساءت التفاهمات وتباعدت المواقف وظل ملف تصدير نفط الجنوب عبر الأراضي السودانية يتأرجح بين جزر الايقاف في أغلب الأوقات ومد التصدير في أحايين قصيرة، الأمر الذي حرم الدولة الأم والدولة الوليدة من الانتفاع من عائدات انتاج ونقل وتصدير النفط ولعل الفرحة التي عمت شعب البلدين قبل شهور باعادة ضخ نفط الجنوب لم تلبث طويلا حيث ذهبت أدراج رياح الاختلاف فظل أمر استمرار ضخ نفط الجنوب عبر الأراضي السودانية تحت رحمة استجابة حكومة الجنوب لمطالب السودان لها بالكف عن دعم متمردي الجبهة الثورية وأهملت الجنوب شهرين أضافت اليها نصف شهر لتكون خواتيم أغسطس القادم أمدا نهائيا لابداء حسن النية والقطع بالكف عن مد الحركات الثورية والمتمردين السودانيين من قبل حكومة الجنوب . وأجمع خبراء على ان خطوة اعادة ضخ نفط الجنوب عبر الأنابيب السودانية تعتبر خطوة جيدة ومطلوبة لا تقف فوائدها على الصعيد الاقتصادي فحسب بل ترمي بظلال ايجابية على الصعيد السياسي والأمني بالبلدين، وأعربوا عن الاستفادة من المناخ الحسن الذي أفضى لاستئناف ضخ نفط الجنوب غير أنهم عادوا بالقول ان عدم توفر الضمانات الكافية باستمرار تدفق نفط الجنوب عبر الأراضي السودانية قمين بألا تعتمد وتبني حساباتها الحكومة لاسيما وزارة المالية والاقتصاد الوطني على ما هو متوقع من أجر نقل وتصدير الجنوب لجهة أنه غير مأمون الاستمرار ودعوا الحكومة للبحث عن مخارج أخرى لحل المعضلات الاقتصادية بالتوسع في الانتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني والاهتمام بالقطاع الصناعي علاوة على العمل على جذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية لاسيما العربية والاسلامية . يقول البروفيسور عصام بوب ان تمديد ضخ نفط الجنوب عبر الأراضي السودانية لنصف شهر اضافي بمبادرة ثامبو أمبيكي يحمل في جوفه جملة من الدلالات والارهاصات الاقتصادية والسياسية على رأسها بحسب بوب ضرورة الاستمرار والاجتهاد في تطبيع العلاقة بين السودان ودولة الجنوب والعمل على انهاء حالة الحرب المستعرة في بؤر كثيرة بالبلدين عملت على استنزاف مواردهما الاقتصادية وتسخيرها لخدمة أجندة الحرب ودفع فاتورتها باهظة الثمن. وطالب بوب بفتح أبواب الحوار بين القوى السياسية في الشمال والجنوب التي تقوم بأعمال عدائية بأراضي البلدين نكاية في الحكومتين. وزاد يعتبر الاستمرار في ضخ نفط الجنوب عبر أراضي السودان فرصة مواتية لاحلال السلام الشامل الحقيقي بالبلدين ومدعاة لاعادة الحياة وضخ الدم في شرايين وأوردة اقتصاد الجنوب ودعم اقتصاد الشمال مع بعض التحفظات القائمة على أن عائد رسوم مرور وتصدير نفط الجنوب لا تكفي مقابلة احتياجات الاقتصاد السوداني ولن يكون على يدها التخلص من أمراضه ومعيقاته. وطالب بوب بالنأي عن تضخيم العائد من مرور وتصدير نفط الجنوب واعطائه حجما أكبر من قيمته الحقيقية وألا يتخذ استئناف ضخ نفط الجنوب أداة سياسية وأن تعمد الحكومة لكشف قيمته الحقيقية للرأي العام بكل شفافية وتوضيح حجم مساهمته في موازنة ايرادات الدولة العامة بصورة واقعية بعيدا عن التزييف والتضخيم، وختم بأن الوضع الأمني والنزاع السياسي الذي تشهده دولة جنوب السودان كفيل باضفاء كثير من الضبابية على مستقبل استمرار تدفق نفطها عبر الأراضي السودانية لأجل هذا على حكومة الشمال ألا تقف مكتوفة الأيدي وأن تحث خطاها للبحث عن بدائل اقتصادية أخرى تمكن من ردم فجوة فقدان عائدات نفط الجنوب ونقله وتصديره، وقطع بأن المخرج الأول والأمثل للحكومة والاقتصاد الوطني الاهتمام بالقطاع الزراعي الذي أنهكه الاهمال . وجدد بوب مطالبته باعادة هيكلة الادارة الاقتصادية والادارية وضبط الانفاق الحكومي وترشيده والعمل على ضبط المال العام بغية تقليل الاعتداءات عليه حتى يتسنى بناء لبنات قوية لتقويم مسار الدولة، وشدد بوب على أهمية فتح مسارات للتعاون مع دولة الجنوب قائمة على أسس تجارية واقتصادية على رأسها تقنين تجارة الحدود وضبطها بأطر قانونية وتشريعية واضحة المعالم يتفق عليها بين الجانبين لجهة ألا غنى لأي من الطرفين عن الآخر، وزاد اذا ما تم ذلك يتوقع أن يكون العائد من تجارة الحدود أكبر مما هو مرتجى من رسوم مرور وتصدير نفط الجنوب، ومع رأيه الواضح في أهمية الخطوة بيد أن بوب لم ينس أن يبعث برسالة تحذيرية للسياسيين مفادها أن دولة الجنوب تخطط لتأسيس خط بديل لنقل وتصدير نفطها عبر أرض غير السودانية، الأمر الذي اعتبره بوب مدعاة للبحث عن وسائل وسبل اقتصادية أكثر نجاعة من الاعتماد على عائدات مرور وتصدير نفط الجنوب في ظل أجواء متقلبة غير مأمولة الاستقرار على الدوام . وغير بعيد عن افادة بوب وصف أستاذ الاقتصاد بجامعة الأحفاد الدكتور السماني هنون استمرار ضخ نفط الجنوب عبر الأراضي السودانية بأنها خطوة في الاتجاه الصحيح وبادرة أمل لانفراج اقتصادي مرتجى ان كتب للضخ الاستمرار عقب المهلة التي حددتها حكومة السودان لحكومة الجنوب للكف عن دعم المتمردين السودانيين. وأضاف هنون أن ضخ نفط الجنوب عبر الأراضي السودانية يدعم عائدات النقد الأجنبي ويؤثر تأثيرا واقعيا وعمليا على سعر صرف الجنيه السوداني في مقابل العملات الأخرى التي تقوم الآن على كثير من التوجسات والتكهنات والافتراضات. ويواصل هنون أن الخطوة تصب في خانة الاقتصاد الكلي وتحريك عجلته لاسيما أن النفط مكون رئيسي من مكونات الانتاج المحلي الاجمالي مما مكنه للعب دور محوري ومركزي. وأبان هنون أن مجرد اعلان بدء ضخ نفط الجنوب ناهيك عن استمراره يعكس أثرا ايجابيا على كل مؤشرات الاقتصاد الكلي بالبلاد. وختم هنون بالرغم من الأهمية الاقتصادية المتوقعة من استمرار ضخ نفط الجنوب عبر الشمال الا أن رمزيتها تفوق حجم العائد منها لجهة امكانية اسهامها في عودة العلاقة مع دولة جنوب السودان وتطبيعها بما يحقق مصلحة البلدين وأن الخطوة بحسب هنون يمكن أن تكون نواة لحل كافة مشاكل البلاد .