أ.د. عمر شاع الدين: ذات يوم مبارك تذاكرنا معشر الأصدقاء.. صديق الجميع النادر أستاذنا (م) حفظه الله واحداً علماً من أعلام أم روابة.. لا تخطئه العين وان تعامت، كلما نقلنا نماذج من شخصيات المدينة.. ورد اسمه كالنار على العلم.. أحسب ان أمر الناس هناك بعدما اختلط النابل بالحابل لا يعرفون أمجاد أولئك الرموز.. وهذا لعمري معيب. كنت في القذاذات السابقات أشرت إليه كثيراً.. وأنت تجدك مرغماً لهذا! فالرجل قامة مع قصره! وقد ذكرته من زمر المبشرين بالفضل من الصديقين الذين وعدهم الله بالجنة يدخلونها زمراً زمراً.. وأحسب دون تردد أن معشر الكاذبين من أصدقائه الميامين! سيدخلون جهنم داخرين! أفواجاً وأمواجاً.. وأحسبني من لفيفهم!! كان صديقنا يقبل في طيب خاطر ورضاء نفس مصدقاً كل أحلامه.. العصافير!! تراه يصدق ذات حين انه أبرز المرشحين لمنصب قمندان بوليس.. وتراه يفرح حتى السكر! ويفرح بفرحه زمر الخبثاء الذين زينوا له المنصب.. وقالوا إنه الرجل المناسب له.. ويفوته قبل أن يفوتهم انه لم يندرج في سلك الشرطة يوماً في عمره الطويل يؤهله لهذه الرتبة العلية.. ولا هو ممن يعرفون الضبط والربط إلا في منطوق اللسان!! انضبط يا... قوية مدوية!! وقد رضيت ترشيحهم له وزيراً للتعليم في الولاية.. هذا مع بعده إلا انه مقبول في الزمان الترلي! وأنا أعلم ان المؤمن صديق.. وأعلم انا نقول لمثله (غشيم)! لكني أجزم ان أستاذنا في صدقه لا يتجاوز المعقول والمنقول.. وإلا أضحى الأمر برمته غشاوة كثيفة تحجب عن ناظريه ساطع اليقين! وهو على وفاض من الذكاء.. ووفاق مع طموح النفس! ومازلت أذكر صديقي (س) وكيف كان يحتال على الدنيا بأحابيل.. يصل بها لرغائبه الشهيات طبخ الأكاذيب.. التي تجاوز كذب إخوة يوسف لما جاءوا أباهم عشاءً بدم كذب!! ونرى أستاذنا يلين ثم يستكين، هذا مادام سيسعد بالعلالي لحين.. يتقلد المناصب الأحلام الجسام أو هي الأحلام المناصب.. هذا (قطع شك) يبطره ويضخمه.. ينفخه بالوناً من الزهو المستطاب! ثم يمتح أريحيّة حاتميّة.. يستدرجها أمثال صديقنا (س) مقترحاً عليه احتفالاً يليق بالمناسبة الكبرى.. أقاشي طازج من حاج محمد.. يخلده هذه المناسبة القومية.. فقد تسنم المجد صاحبه.. ثم يلتهب حماس الخطباء يدبجون الأماديح... ثم تعروهم هزة الطرب فيحملونه على الأعناق مع (ثقله).. هاتفين بحياته.. مطالبين بسماع صوته.. الجمهوري الجهوري.. ويندفع... أيها الشعب الكريم.... وبعدها.. في لمح البصر تمتدّ يد أستاذنا لجيبه (الوثير) دافعاً ما طاب لإحضار ما لذّ! ونعيش في صبر ولهف انتظاراً للمرغوب.. كحال شاعرنا المجذوب في رائعته «المولد» وهو يصف الأطفال وقد عصف بهم الشوق! وأمثال أستاذنا الصديق (م) وصديقنا الأستاذ (س) كثر في البلاد والعباد.. والمكان والزمان وأنا كلما قرأت عن الدكتور محجوب ثابت تذكرت صديقنا الأستاذ كلاهما يحلم جهرة سوى فارق الطول! وكثافة لحية الدكتور التي تزينه، وقد عرف بها، بينما صاحبنا الأستاذ منها غفل.. ولحية الدكتور صارت معلماً بارزاً مما دفع صديقه الشاعر حافظ أن يذكرها بالخير في أبيات ساخرات تنقل صورة كاريكاتيرية له، بمثلما فعل شوقي في قصائده (المحجوبيات) في ديوانه. أريد أن أنقل أبيات حافظ في صديقه محجوب: يبيت ينسج أحلاماً مذهبة تُغني تفاسيرُها عن ابن سيرين طوراً وزيراً مشاعاً في وزارته يصرِّف الأمر في كل الدواوين وتارة زوج عطبول خدلجة حسناء تملل آلاف الفدادين يعفى من المهر اكراماً للحيته وما أظلته من دنيا ومن دين سوى أن أستاذنا حرمه الزمان الغادر من لذاذات أحلامه في قسوة.. فلم يشتهر إلا عند صفوة الأصدقاء والعارفين بمفاتيح دوائره، فما فتئوا يعبثون بها في ظرف مستطاب ولهو عجاب!! تلك أيام العمر الحلو.. العمر الخصيب.. ما أظنها يوماً ستعود!! ليتها لو تعود. ٭ مخطط صهيوني الشاعر العظيم عمر أبو ريشة عندما أنشدته شاعرة حديثة: (دفنت نخاع البشرية تحت إبط الضفدع) طار عقله، وقال لها: (أنت تنفذين مخططاً صهيونياً). مجلة دبي الثقافية مركز الضاد للدراسات العربية