الخرطوم: يونس عثمان: خلفت كارثة السيول والامطار التي ضربت ولاية الخرطوم في الاسابيع الماضية أوضاعاً بيئية متردية، فقد خلقت البرك والمياه الراكدة ظروفاً موائمة للناموس والذباب بعد أن اختلطت المياه بالنفايات. وتبدو الصورة كارثية في المناطق الأكثر تضرراً بالسيول والامطار كمرابيع الشريف والكرياب وقرى الفتح بكررى، اضافة للمناطق المنخفضة في بحري والخرطوم، ورغم عدم وجود احصاء رسمي ولكن كثافة الذباب في المتر المربع فاقت مشاهدات الناس للعقود الثلاثة الماضية رغم عمليات الرش التي تمت بحسب إفادات الأهالي. وبرغم مؤشر وزارة الصحة بالولاية الذي لم يسجل اية حالات اسهالات مائية او تجاوزاً لنسبة الاصابة بالملاريا كما جاء علي لسان وزير الصحة البروفيسور مأمون حميدة، فإن المواطنين يتحدثون عن كثافة انتشار الذباب وارتفاع معدلات الاصابة بالاسهالات على نطاق واسع، اضافة الى تفشي امراض الجهاز الهضمي. «الصحافة» انطلقت الى منطقة شرق النيل وتحديداً مركز ابراهيم شمس الدين بمنطقة دار السلام المغاربة، بهدف الوقوف الميداني على الاحداث. ويقول المواطن عمر أحمد عثمان انه مصاب بما وصفه بالإسهال المائي لفترة ثلاثة ايام، وتوجه صوب مركز طبي ابراهيم شمس الدين بشرق النيل وتم تحويله الي العنبر، وتم مده بالمحاليل الوريدية لتعويض ما فقد من سوائل، وذكر عثمان ان ابنه الذي تركه في المنزل بحلة كوكو مربع «7» مصاب ايضا بالاسهال والاستفراغ معاً، شاكياً من كثافة الذباب الذي لم يروه بمثل الكثافة الراهنة، مما ادى الى زيادة حالات الاصابة بالإسهالات التي لم تقف عند أسرته بل طالت جيرانه بالحي. المواطن محمد احمد الجاك من شرق النيل قال انه نقل ثلاثة من اطفال الاسرة الى مستشفى احمد قاسم ببحري بعد اصابتهم بالاسهالات الحادة لا يفرق المواطنون بين بالإسهالات المائية والعادية وتتصاعد شكاوى المواطنين في وقت أكد فيه رئيس اللجنة الشعبية بالحاج يوسف المايقوما سيف الدين محمود ارتفاع معدل الاصابة بالاسهالات وسط المواطنين، الا انه لم يقف على عدد المصابين الذين وصفهم في حديثه بأنهم كثيرون، مركزاً على كثافة الباعوض، ومشككاً في فاعلية المبيد الذي تم استخدامه أخيراً. دكتورة الباطنية التي تعمل بمركزص صحي ابراهيم شمس الدين بشرق النيل أم الحسن الطيب بابكر اكدت ارتفاع حالات الاصابة بالاسهالات قبل ان تعود للقول إن الحالات الراهنة لم تبلغ مرحلة الوباء، وأشارت ام الحسن إلى تردد اكثر من «20» حالة اصابة بالاسهال في اعقاب السيول والامطار الاخيرة، ومعظم المصابين من المناطق المنكوبة مثل مرابيع الشريف والكرياب وسوبا شرق، وانتقدت السلطات المحلية التي لم تقم باي مسح صحي ولا توعية صحية، كما لم تقم بنقل النفايات رغم جفاف الشوارع التي مر عليها شهر وسبعة ايام، وعزت انتشار المرض الى كثافة الذباب والمياه الراكدة والملوثة. ومن ذات المركز تحدثت الدكتورة محاسن فرح وقالت إنها رصدت من خلال عملها زيادة الإصابة بالاسهالات والاستفراغ هذه الايام، ومظم المصابين من شرق النيل وخاصة مرابيع الشريف والكرياب وما حولها، وعزت ذلك الى كثافة الذباب رغم عمليات الرش. اما فني المعمل بذات المركز عثمان النور فقد تحدث قائلاً انه من خلال الفحص منذ السبت وحتى الخميس الماضي مرت عليه «46» حالة اصابة بالاسهالات مناصفة بين الاطفال والكبار، ووفقا للنتيجة فإن 30% الحالات سببها القارضية و30% بسبب البكتريا الدوسنتارية و30% إسهالات عادية، ونفى حدوث حالة تسمم بين تلك الحالات، وقال الصيدلي بالمركز محمد زيدان انه لاحظ زيادة في الطلب على الأدوية المضادة للاسهالات وذكر اكثر من «20» شخصاً يطلبون تلك الادوية يومياً والنسبة الاعلى لفئة الاطفال، في وقت كشف فيه انس الزبير مسؤول التأمين الصحي بالمركز إنه وفقاً لإحصاء المركز فقد تم تسجيل «13» حالة إصابة بالإسهالات . ومن محلية كرري قال فني معمل مركز السلام الطبي إن حالات الإصابة بالاسهالات من خلال الكشف تتراوح بين «2 3» في الفترة المسائية، غير ان الحالات تزيد في الدوام الصباحي، مشيراً الى أن معظم الحالات تسببها ديدان القارضية والدوسنتارية بسبب انتشار الذباب بكثافة. ويوافق الصيدلي بمركز السلام ياسر آدم محمد فني المعمل على ذات الرأي ويؤكد زيادة الإقبال على عقار امكسيم وسيسبرين الذي يصنف بأنه من المضادات الحيوية للإسهالات، اضافة الى ملح الارواء، ويعزو ذلك لكثافة الذباب. أما مسؤولة الإحصاء بالمركز فقد قالت إنها سجلت ست حالات في الدوام الصباحي، ومن ناحيتها اكدت الدكتورة الصيدلانية بصيدلية المك نمر التي فضلت حجب اسمها، ارتفاع الطلب على الأدوية المضادة للإسهالات، وأضافت أن اكثر من سبعة اشخاص في اليوم يطلبون هذه الأدوية وذلك لأكثر من أسبوع. وصادف سؤالي دخول أحد منسوبي القوات النظامية الذي جاء يشكو من حالة إسهال حاد ويطلب دواء الدياكسيت والهيوسيت. صاحب معمل التحاليل الطبية الدكتور محمد الطيب، قال إن هناك تخوفاً وانطباعاً من حدوث اسهالات مائية حادة لجهة كمية الامطار التي هطلت وانتشار الذباب بصورة مخيفة وتلوث مياه الشرب. وأضاف انه لا يستغرب حدوث اسهالات مائية حادة غير أن ذلك لم يحدث حتى الآن، منتقداً حالة التشاؤم الراهنة والتخوف من امراض كارثية. المسؤول الطبي الأول بمستشفى الخرطوم التعليمي الدكتورة جيهان زين العادين عبد الوهاب، كشفت عن تسجيل «105» حالات إصابة بالإسهالات التي وصفتها بالعادية عدا حالة واحدة دار الشك حول حدتها، وتم تجهيز الكرنتينة، ولكن بعد «24» ساعة جاءت النتيجة سلبية وتم تخريج المصاب. وأضافت جيهان أن «15» حالة من جملة ال « 105» حجزت بالمستشفى وغادر «7» منهم خلال «24» ساعة فقط، وتراوح بقاء البقية بين «48» ساعة الى اقامة طويلة. وأشارت الدكتورة جيهان إلى أن هذه الحالات نتيجة لتلوث مياه الشرب، وأكدت استعداد وزارة الصحة لحصر اي وباء من هذا النوع، ولكن لم يحصل شيء، كما قامت وزارة الصحة الاتحادية بحملة توعية صحية ووزعت بروتكولاً على المستشفيات، ووضعت ثلاثة أطباء عمومين في مستشفى الخرطوم تحسباً لحدوث حالة وباء. الدكتورة ناندي حامد نائب اختصاصي الباطنية بمستشفى الخرطوم التعليمي قسم الطوارئ نفت تسجيل أية حالة إصابة بإسهال مائي حاد، وناشدت المواطنين الإسراع إلى المستشفى في حالة الشعور بأعراض المرض وعدم تناول الأطعمة المكشوفة في الأماكن العامة، وناشدت الدولة رش الذباب بالمبيدات ومحاربة تراكم الأوساخ والمياه الراكدة. في توجه خجول من قبل وزارة الصحة بولاية الخرطوم، فقد تم تشكيل فرق ميدانية للتقصي حول ارتفاع معدلات الإصابة بالملاريا بينما لم يرد أي ذكر عن الإسهالات، وخلاصة ما خرجنا به هو أن هنالك كثافة في الذباب بكل أنحاء العاصمة، وأن أثر هذه الكثافة بات ملموساً في ارتفاع معدلات الإصابة بالإسهالات وأمراض الجهاز الهضمي من دوسنتاريا وغيرها، وإذا كان الأمر لم يرق حتى الآن ليكون وبائياً فإنه يتطلب وضع خطة عاجلة في القضاء على جيوش الذباب الذي بات أكبر مهدد للصحة العامة.