يبقى المغترب أكثر أهل السودان انفعالا بما يجري في وطنه ، وهو متابع «حصيف» لمجريات الأحداث ، و يتطلع دائما إلى استقرار في وطن «يلملم» شتاته ، ويضمد جراحه ، ويوحد قوته .. ويعالج الأحزان ، ويمحو « الضغائن» ويكبر بمقدراته وإمكانياته ، وقد استبشر المغترب خيرا بانتخابات جرت في وطنه ، وهي تمثل مرحلة مهمة من التحول الديمقراطي مهما اختلف الساسة حولها ، فهي على اقل تقدير خطوة ، متقدمة في الممارسة الديمقراطية . وكانت الأحلام تراود أهل السودان جميعا في ديارهم ومهاجرهم بأن «الدوحة» ستكون المحطة التالية بعد إتمام الانتخابات ، بهدف وضع اتفاق سلام شامل مع حاملي السلاح ينهي معاناة أهل دارفور ، ويبعد عنهم شبح ماعرف بالمعسكرات التي حالت دون ممارستهم الحياة الطبيعية في مناطقهم و»حواكيرهم» ، وبينما الوسطاء والأطراف المعنية يحزمون حقائبهم تأهبا الى السفر الى الدوحة حيث طاولة المفاوضات، اذ بدكتور خليل إبراهيم يشعل نارا في جبل «مون» ويستعصم بالقاهرة ، ليخلي مقعده في طاولة المفاوضات ، بينما بقية الحركات سارعت إلى الدوحة لتفاوض الحكومة حول هموم وقضايا سكان دارفور .. ومن القاهرة « المهمومة « على غير العادة بقضية توزيع حصص مياه النيل وتوقيع سبع دول على اتفاقية جديدة ، لم تكن مصر من بين راسميها . المهم د. خليل من القاهرة أطلق تصريحاته التي تصب في مجملها انه لايريد للحكومة أن تفاوض غيره ، ويتهم الوساطة « بمجاملة « الحكومة ، وفي ذات الوقت يؤكد حرصه على الوصول إلى سلام . وبينما نيران جبل مون تحرق الأخضر واليابس ، ونساء دارفور تتحجر الدموع في عيونهن ، يصر د. خليل على انه يريد السلام ، وإذا كان هذا هو الحال بعيدا عن أي أجندة داخلية أو خارجية ، فعلى خليل أن يتوجه الى الدوحة ، ويترك القاهرة التي تعيش «دهشة» من استقوى على توقيع اتفاقية لإعادة توزيع حصص مياه النيل دونها ،وعلى الحكومة ان لاتصر على أمر تسليم خليل عبر الانتربول ، فمجرد توقيع اتفاقية سلام من شأنه ان يجب ماقبله من أحداث «مؤلمة» عاشتها أم درمان التي تعودت أن تطرب لاغاني خليل العزة ، وتشجع المريخ والهلال ، وتسترجع حكايات الأدباء والمفكرين . المهم الآن ان يعود خليل إلى طاولة المفاوضات ليطرح مايشاء من قضايا مهما بلغت حدتها ، وليكون رجوعه من اجل طفلة دارفورية حافية تبحث عن جرعة ماء في هجير حارق ، وهي تدور»تائهة» وسط حرائق جبل مون ، وان يكون الرجوع الى المفاوضات من أجل شيخ نسى « مسبحته» في الديار التي غادرها ذات ليلة وكتب عليه أن يبقى لحين في المعسكرات ، وليرجع من اجل فتى يحلم بمستقبل اخضر لايعكره صوت السلاح ، ولاتشوهه رائحة الدخان . وعلى ذات القياس ينبغي على الحكومة ان تستمع لخليل مهما أطلق من تصريحات ، وان يتسع صدرها من اجل أهل دارفور الذين أرهقتهم حياة المعسكرات التي تكاد تحولهم الى متلقي إغاثة ،بعد أن كانوا خير من يجيد العمل على اخضرار الأرض ، والسهر عليها حتى موعد حصادها الوفير.