لقد لفت انتباهي موضوع خزانات مياه الشرب المنزلية الذي كتب في باب «معايير» بصحيفة «الصحافة» على صفحة «مع المستهلك»، ولقد مست كاتبة الموضوع قضية جد خطيرة تنداح خطورتها وتطال كل شرائح المجتمع الحضري، بيد أنني اعتقد أن القضية الأكثر خطورة هي عدم الاهتمام بهذه المسألة من قبل المسؤولين والعلماء. ولهذا أود أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع، لإلقاء مزيدٍ من الضوء عليه، داعياً في نفس الوقت العلماء والمسؤولين لدراسته ومعالجة أوجه القصور التي تشوبه في الجانب العلمي، والصحي والإداري والإعلامي. وخزانات المنازل العلوية والسفلية تعد أحد مكونات المنازل الرئيسية، وقد تزايدت معدلات تركيبها واستخدامها فى الفترة الأخيرة، مع تزايد وتيرة بناء المجمعات السكانية والعمارات متعددة الطوابق، إضافة إلى تزايد كميات المياه المستخدمة نتيجة لزيادة الوعي الصحي والجمالي. ورغم أن هذه الخزانات تلعب دوراً مهماً في توفير المياه للأسر خاصة مع تكرار ظاهرة انقطاع المياه من الشبكات الأرضية، إلا أنها قد تكون مصدر تلوث وسبباً لكثير من الامراض في حالة عدم الاهتمام بها. وقد بينت دراسة أجرتها د. نورة بنت عبد العزيز آل الشيخ وكيلة كلية الآداب بجامعة الملك سعود، حول مستوى المحافظة على نظافة خزانات المياه المنزلية في مدينة الرياض بالممكلة العربية السعودية، أن نسبة السكان الذين يقومون بتنظيف خزان المياه المنزلي كل ستة اشهر - وهي المدة التي تنصح بها الجهات المختصة - تبلغ 23.9% فقط. أما باقي السكان فتزيد مدة تنظيفهم للخزانات عن 12 شهرًا. وقد أظهرت نتائج بعض الدراسات وجود تلوث في مياه بعض الخزانات المنزلية في مدينة الرياض، وأن ذلك ناتج عن عدم تنظيفها. ومن خلال تحليل كيميائي لأكثر من «300» عينة جمعت من مختلف الأحياء، تبين أن 95% من النتائج تدل على أن تغير نوعية المياه في الخزانات المنزلية ناتج عن عدم اهتمام المواطنين بنظافة خزاناتهم، وعدم الكشف الدوري، وكذلك عدم إحكام أغطية الخزانات المنزلية. وكذلك قام المختبر المركزي التابع لبرنامج تشغيل مياه الرياض وصيانتها، بمسح شامل لأحياء الرياض بغرض دراسة التغير الذي يحدث في نوعية مياه الشرب بعد دخولها إلى الخزانات المنزلية، ومقارنتها بنوعية المياه التي تغذي هذه المنازل. وبينت الدراسة أن مياه الشرب قد تعرضت للتلوث في بعض خزانات المياه. كما أظهرت دراسة د. هبة حلمي سعفان المدرّسة بطب عين شمس أن شيوع استخدام خزانات المياه في المنازل بمصر، يسبب أعراضاً مرضية للأطفال، تتمثل في آلام شديدة في البطن، وفقدان الشهية للطعام، وقيء يصل إلى حد الجفاف، وإسهال يستمر لمدة خمسة أيام، وارتفاع درجة الحرارة إلى «39» درجة. وقد شملت عينة البحث «155» طفلاً تتراوح أعمارهم بين سنة وخمس سنوات، وأرجعت الدراسة هذه الحالة التي يشخصها الأطباء عادة على أنها انفلونزا إلى الإصابة بميكروب «ايزوسبورا» الذي يعيش في المياه الملوثة، خصوصاً خزانات المياه الموجودة بالمنازل التي لا يتم تنظيفها أو الكشف الدوري عليها. وتوصلت الدراسة إلى أن أنسب وسيلة لحماية الأطفال من تلوث مياه الشرب هي تنظيف الخزانات بصفة دورية ومستمرة، مع استعمال الفلتر المنزلي. وهناك بعض النتائج والملاحظات المهمة التي يمكن استخلاصها من مثل هذه الدراسات: أولاً: إن المحافظة على نظافة خزانات مياه الشرب المنزلية تنعكس على نوعية المياه المختزنة فيها حيوياً وكيميائياً وفيزيائياً. ثأنياً: إبراز العلاقة القوية بين تلوث مياه الشرب وبين وجود بعض الامراض المعدية والخطيرة على صحة المستهلك. ثالثاً: عدم اهتمام صاحب المنزل بنظافة خزانات المياه وتركها عدة أعوام دون القيام بذلك. رابعاً: عدم معرفة أن نوعية مياه الشرب الموجودة في الخزانات المنزلية وجودتها، هي مسؤولية صاحب المسكن أولاً واخيراً. ومن اهم التوصيات التي ذكرتها الدكتورة، ضرورة توعية السكان بالاهتمام والمحافظة على نظافة الخزانات المنزلية، لتكون بيئة آمنة لخزان مياه الشرب وعدم تلوثها. وتوعية السكان بأهمية عزل الخزان بمواد عازلة مناسبة، ورفع مستوى الخزان عن الأرض حتى لا يتعرض لدخول المواد الملوثة له. وضرورة توعية السكان من قبل الجهات المختصة بالطريقة السليمة لتنظيف الخزانات والمواد اللازمة لذلك. وبناءً على هذه الدراسات وغيرها، يمكن أن نورد بعض التوصيات: أولاً: يفضل أن يتم تأمين مياه الشرب والطعام من شبكة المياه الرئيسية مباشرة وليس من الخزانات المنزلية. ثانياً: بما أن المعلومات التي وردت في هذا المقال مستقاة من مصادر غير سودانية، فهنالك حاجة ماسة لإجراء دراسات نظيرة في السودان وخاصة في المدن الكبيرة كالخرطوم، لمعرفة وضع خزانات المياه ودرجة تلوث مياهها والأمراض الناتجة عن ذلك التلوث. وآمل أن تكون بعض الجامعات ومراكز البحوث قد غطت بعضاً من جوانب هذا الموضوع الخطير. فإن كان الأمر كذلك، فأدعو هذه الجهات لنشر نتائج أبحاثها توعيةً للجماهير، وتبصيراً لمتخذي القرار لمجابهة الوضع. ثالثاً: وضع برامج حول خزانات المياه وتفعيلها لتعليم السكان وتوعيتهم بأهمية المحافظة على نوعية مياه الشرب داخل الخزانات المنزلية من خلال تكرار تنظيف الخزانات بصفة دورية لا تتعدى ستة أشهر لضمان سلامة مياه الشرب التي تحفظ فيها، وتوضيح خطورة إهمال ذلك على صحة القاطنين في المساكن، والتي قد تكون سبباً في بعض المشاكل الصحية لهم. رابعاً: تحديد الجهة الحكومية المسؤولة عن الاهتمام بخزانات مياه الشرب ومطالبتها بإجراء الكشف الدوري على الخزانات وأخذ العينات منها. خامساً: ضرورة تحديد مادة وطريقة صنع خزان المياه، إذ أن هناك عنصراً لا يمكن تجاهله بل يمثل مصدراً رئيسياً لتلوث المياه، ألا وهو المادة التي يصنع منها الخزان وطريقة التصنيع. وتوجد عدة مواد تصنع منها خزانات المياه، أشهرها وأنسبها مادة البولي اثيلين. وبالرغم من أن هذه المادة في حد ذاتها لا تتفاعل مع الماء في ظل الظروف الطبيعية «وقد أوصت الهيئة العالمية للأغذية والأدوية بضرورة تخزين المياه وجميع السوائل الغذائية في مواد Polymers والتي تندرج تحتها مادة البولي اثيلين»، إلا أنه حتى يمكن الاستفادة من مزايا هذه المادة، فلا بد من تصنيع الخزان بالاعتماد على تكنولوجيا القولبة والتي تمكن من تصنيع الخزان كقطعة واحدة لا تتجزأ بما لا يؤدي إلى وجود لحام به أو مسام، وبما يمكن تصنيعه من عدة طبقات ذوات سماكات مناسبة لتوفير مياه صحية ونقية، ويحتفظ بدرجة حرارة المياه داخل الخزان دون التأثر بدرجة الحرارة خارجه، وهذا ما لا تستطيع توفيره العديد من الشركات المصنعة لمثل هذه الخزانات، وذلك إما لعدم إدراكها لمزايا تكنولوجيا القولبة أو رغبة منها لخفض تكلفة الإنتاج لتخفيض سعر البيع للمستهلك الذي لا يمكنه ادراك فروق الجودة وتمييزها من شركة لأخرى. سادساً: ضرورة توفير الشركات المصنعة للمطبوعات والإرشادات اللازمة للمستهلكين، بما يمكنهم من التعامل مع الخزان بالشكل الصحيح، وبما يمكنهم من إدراك فروق الجودة التي توفرها تلك التكنولوجيا. كما يُرجى أن توفر الشركات الفرق اللازمة للقيام بصيانة الخزانات مجاناً أو بأسعار رمزية لا تزيد عن تكلفة عمليات الصيانة. سابعاً: ضرورة تفهم المستهلكين لهذه الإرشادات وضرورة اتباعها، مع ضرورة استعدادهم للتضحية بقدر من التكلفة المالية للحصول على مياه غير ملوثة ونقية. ثامناً: ضرورة وضع لائحة للمواصفات الصحية الواجب توافرها في خزانات مياه الشرب وطرق تنظيفها وتعقيمها. الدراسات البيئية- جامعة الخرطوم