نقلت صحيفة "إثيوبيا كابيتال" الاقتصادية الإثيوبية عن مصادر مطلعة هذا الأسبوع قولها إن إثيوبيا تستعد لاختبار إنتاج الطاقة الكهربائية باثنين من وحدات سد النهضة، رغم الخلاف الدبلوماسي بشأن التداعيات المحتملة، على استهلاك المياه بالنيل الأزرق. في وقت توقعت فيه تقارير إخبارية تصاعد التوترات بين مصر وإثيوبيا على خلفية أنباء تفيد بدء الملء الثالث لبحيرة سد النهضة.
الموقف الأمريكي:
وفي ذات الوقت الذي تستعد فيه إثيوبيا لبدء الملء الثالث لخزان سد النهضة، جدد الرئيس الأمريكي جو بايدن دعمه للأمن المائي لمصر ولإبرام اتفاق بشأن استخدام مياه النيل التي ستكون في مصلحة جميع الأطراف.
وأكد بايدن في بيان مشترك مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعد لقائهما في جدة في 16 يوليو ، "حتمية إبرام اتفاق بشأن ملء وتشغيل سد النهضة دون مزيد من التأخير على النحو المنصوص عليه في بيان رئيس الولاياتالمتحدة. مجلس الأمن الدولي بتاريخ 15 سبتمبر 2021 ، وبما يتوافق مع القانون الدولي "، بحسب بيان صادر عن البيت الأبيض.
وفي يونيو من هذا العام ، اعترضت إثيوبيا على موقف مماثل اتخذه الاتحاد الأوروبي معبرًا عن دعمه ل "الأمن المائي لمصر". من جانبها قالت السفيرة دينا مفتي، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، لوسائل الإعلام المحلية في 23 يونيو أنه "يتعين على الاتحاد الأوروبي إعادة النظر في موقفه المتحيز بشأن سد النهضة".
وكان الاتحاد الأوروبي ومصر قد أصدرا بيانًا مشتركًا عقب اجتماع في 20 يونيو يسلط الضوء على أهمية "التوصل إلى اتفاق ملزم ومقبول للطرفين بشأن ملء وتشغيل سد النهضة". لكن إثيوبيا نددت بالبيان ووصفته بأنه "لا معنى له ومتحيز" ودعت الاتحاد الأوروبي إلى إعادة النظر في موقفه.
التنافس الإقليمي:
من جانبها اعتبرت صحيفة "آسيا تايمز" الصينية في تقرير سابق لها أن إدارة بايدن اتخذت موقفًا متعاطفًا مع القاهرة من السد. مستبعدة أن تتبنى واشنطن موقفًا أكثر حيادية لأن الولاياتالمتحدة حريصة على مصر لتصدير الغاز إلى أوروبا في ظل مساعي أمريكا والاتحاد الأوروبي لخفض واردات الغاز الروسي.
وأشارت الصحيفة التي تتخذ من هونغ كونغ مقرًا لها إلى أن إدارة بايدن مشتتة للغاية حاليًا، بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، عن الانتباه إلى التوترات المتزايدة بين مصر وإثيوبيا. وأنه سيكون من دواعي سرورها أن تقوم بالاعتماد في هذه المشكلة على حلفائها في منطقة الخليج، الذين يحافظون على علاقات جيدة مع الخرطوموالقاهرةوأديس أبابا.
معتبرة أن تراجع النفوذ الأمريكي على نزاع سد النيل يمهد الطريق لمشاركة صينية أكثر أهمية في القضية والمنطقة الأوسع.
ولفتت الصحيفة إلى أن الصين مولت السد ولديها استثمارات تجارية كبيرة في إثيوبيا وأصول متعلقة بالأمن في القرن الإفريقي. وإلى جانب أنها تدعم نظام عبد الفتاح البرهان في السودان. كذلك تعتبر مستثمرًا مهمًا في مشروع العاصمة الإدارية الجديدة في مصر، في ذات الوقت، استخدمت بكين، إلى جانب موسكو، مرارًا وتكرارًا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي لمنع الإدانة الشديدة لسلوك إثيوبيا في حرب تيغراي.
ورجحت الصحيفة أن تكثف الصين جهودها لجلب القاهرةوالخرطوموأديس أبابا إلى طاولة المفاوضات. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن تبرز كقوة حاسمة في منطقة القرن الإفريقي وتزيد من نفوذها في مصر ومجلس التعاون الخليجي.
وبحسب الصحيفة فإن تصاعد التوترات حول السد في سياق تضاؤل الوجود الأمريكي سيسمح لدول المنطقة بالسعي إلى تكامل أوثق في المسائل الأمنية. وبدون حل فوري لقضية السد، من المرجح أن تسعى مصر إلى تكامل أقوى مع السودان.
وترى الصحيفة أن هذه الأشياء تصب في مصلحة نظام البرهان، الذي أجرى عددًا من الزيارات الدولية خلال الأشهر السابقة في إطار التعاون والتنسيق بشأن سد إثيوبيا. كما أنه يمكن أن تستفيد حكومة البرهان من الخبرة الفنية والتعاون الذي وعدت به القاهرة.
غياب ملحوظ:
ورغم هذه التكهنات إلا أن قضية النزاع حول سد النهضة كانت غائبة عن مؤتمر السلام الأول الذي تقوده الصين لتسوية النزاعات في القرن الإفريقي، حيث تجنبت بكين الخلاف المثير للجدل حول سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا خلال مؤتمر السلام الأول الذي عقد في أديس أبابا لتسوية الخلافات التي تعصف بمنطقة القرن الإفريقي.
من جانبه حذر معهد التنمية الدولية بواشنطن من تأثير الأزمة الأوكرانية على نزاع سد النهضة، سيما وأن تقليص واردات القمح من روسيا وأوكرانيا سيجعل مصر أكثر وعيًا بالتهديد الذي يشكله سد النهضة الإثيوبي على الزراعة. لافتًا إلى أن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة، ويجب أن يكون الدبلوماسيون والجهات الفاعلة متعددة الأطراف مستعدية لممارسة الضغط لضمان نتيجة مستقرة.
صراع بالوكالة:
في ذات الاتجاه، أشار موقع امباكتر Impakter الدولي، المعني باستدامة الطاقة، ومقره لندن، في وقت سابق من العام، إلى جهات خارجية تلعب دورًا كبيرًا في أزمة سد النهضة، بما في ذلك، الصينوروسياوالولاياتالمتحدة، معتبرًا أنه لسوء الحظ، لا يقتصر نزاع سد النهضة على الدول المعنية بالمشروع فقط ، فقد تم إشراك العديد من القوى الكبرى التي تنظر إلى المشروع ضمن "مجالات النفوذ" التاريخية والصراعات بالوكالة التي ميزت الحرب الباردة.
وقالت المجلة فيما يتعلق بالصين، إن الشركات الصينية لعبت دورًا محوريًا في بناء السد. قدمت بكين أموالًا كثيرة للبنية التحتية المرتبطة بسد النهضة، بما في ذلك توفير قروض بقيمة 1.2 مليار دولار أمريكي لبناء خطوط نقل الطاقة بين السد والمدن المحلية؛ وبعد زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي لبكين في عام 2019، وعدت الصين بمبلغ إضافي قدره 1.8 مليار دولار لتوسيع قطاع الطاقة المتجددة في إثيوبيا.
من جانبها اتبعت روسيا استراتيجية تهدف لتعزيز نفوذها في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والمحيط الهندي، من خلال الحفاظ على علاقات جيدة مع مصر والسودان وإثيوبيا. منذ عام 2017، حاولت تأمين وصول طويل الأجل إلى المنشآت البحرية المصرية في البحر الأبيض المتوسط وتبحث استكمال اتفاقية القاعدة البحرية مع السودان، وإدراكًا منها لطموحات إثيوبيا في أن تصبح قوة في البحر الأحمر، رفعت روسيا من مستوى تعاونها الأمني مع أديس أبابا.
واشارت المجلة اللندنية إلى أن هذه القوى الكبرى تتعامل مع ملف سد النهضة وفقا لمصالحها الخاصة، وفي إطار المتغيرات الإقليمية.
الموقف حاليًا:
شدد الرئيس عبدالفتاح السيسي، على أن مصر تؤمن بوحدة الهدف والمصير بين دول حوض النيل، حيث سعت إلى التوصل لرؤية مشتركة بينها وبين السودان واثيوبيا إزاء قضية سد النهضة، وضرورة التوصل إلى اتفاقية قانونية وملزمة وشاملة بين الأطراف المعنية لملء وتشغيل السد الاثيوبي.
وقال الرئيس السيسي في كلمته عقب منحه درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة بلجراد، إن مصر اتخذت مجموعة من الثوابت الحاكمة بشأن سد النهضة الإثيوبي، مؤكدًا أن تؤمن بوحدة الهدف والمصير بين دول حوض النيل.
سبق ذلك إعلان إثيوبيا في يونيوالماضي على لسان وزارة الخارجية الإثيوبية عن وجود استعداد من أديس أبابا لاستئناف المفاوضات الثلاثية مع مصر والسودان التي يقودها الاتحاد الإفريقي بشأن سدّ النهضة.
جاء ذلك بعد تصريحات لسيليشي بقلي المفاوض الإثيوبي السابق بشأن السد والسفير الحالي لإثيوبيا لدى الولاياتالمتحدة، والتي قال فيها إن بلاده مهتمة باستئناف المحادثات بشأن سدّ النهضة مع مصر والسودان.
وأدلى بقلي بهذه التصريحات خلال اجتماع مع المبعوث الأمريكي الخاص الجديد إلى القرن الإفريقي مايك هامر.
من جهته، قال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي إن التعبئة الثالثة لسد النهضة ستتم في موعدها، مضيفًا أن المفاوضات الثلاثية ستستمر إلى جانب استكمال عملية بناء السد.
وتعثرت عدة جولات سابقة من المفاوضات بين إثيوبيا ومصر والسودان، على خلفية خوف مصر من أن يؤدي الملء السريع للسد إلى تقليص حصتها من مياه النيل.
وتتمسك القاهرة بضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، بينما تقول إثيوبيا إن السد سيحقق لها فوائد عديدة، ولا سيما في إنتاج الطاقة الكهربائية، ولن يضرّ بدولتي المصب: السودان ومصر.
لم يمض كثير وقت على التصريح الإثيوبي إلا وأعلنت وزارة الخارجية الإثيوبية، في ذات الشهر، رفضها البيان الذي أصدره الاتحاد الأوروبي مؤخرًا بشأن سد النهضة، ووصفت البيان بأنه "يحافظ على المصالح المصرية فقط"، وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء الإثيوبية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، السفير دينا مفتي، في إفادة صحفية، إن بيان الاتحاد الأوروبي "لا يراعي المصالح المشتركة بين الدول، وأنه يحافظ على المصالح المصرية فقط".
وأضاف أن البيان "متحيز وغير مقبول بكل المعايير، وأنه يهدف إلى ضمان الحصة التاريخية لمصر من الاتفاقيات الاستعمارية والتي لا تعطي الحق لبقية دول حوض النيل".
وتابع بالقول إن "موقف إثيوبيا ثابت في قضية مياه نهر النيل لا سيما في قضية سد النهضة"، وذكر أن بلاده "تعمل لضمان المصاح المشتركة بين الدول الثلاث"، وقال إن البيان "يدل على تحيز الاتحاد الأوروبي لمصر والذي لا يعطي الاعتبار للدول المشاطئة لنهر النيل".
وذكر أن الاتحاد الأوروبي "كان داعمًا ومراقبًا لمفاوضات سد النهضة بين الدول الثلاث برعاية من الاتحاد الإفريقي"، مضيفًا أن البيان "يدعم موقف مصر من المفاوضات الثلاثية وأن مصر متمسكة بالحق التاريخي والذي يقسم مياه نهر النيل بين مصر والسودان وهو ما تعارضه بقية الدول في حق الانتفاع من الموارد الطبيعية لنهر النيل"، بحسب البيان.
وحث المتحدث الاتحاد الأوروبي على "إعادة النظر في البيان وتقييم قضية سد النهضة، مع عدم الانحياز إلى أحد الأطراف المتفاوضة"، مشيرًا إلى أن إثيوبيا "لديها موقف ثابت في التعاون مع دول الممر والمصب في قضية سد النهضة".
وذكرت وكالة الأنباء الإثيوبية أن عملية بناء سد النهضة وصلت إلى أكثر من 80% حيث تم توليد الكهرباء من السد في 20 فبراير/ شباط.
وكانت وزارة الخارجية المصرية نشرت، عبر صفحتها على فيسبوك، في 20 يونيو ، بيانا مشتركا للاجتماع التاسع لمجلس المشاركة بين مصر والاتحاد الأوروبي حيث رحبا بالبيان الرئاسي لمجلس الأمن حول سد النهضة الإثيوبي الصادر في 15 سبتمبر 2021 حول "التوصل لاتفاق مقبول لدى كافة الأطراف وملزم حول ملء وعملية تشغيل السد".
وأكد البيان على "أهمية النيل كمصدر وحيد للموارد المائية والحياة في مصر في إطار الندرة المائية الفريدة بها"، وذكر البيان أن "التوصل لهذا الاتفاق في أسرع وقت ممكن يعد بمنزلة أولوية قصوى للاتحاد الأوروبي ومصر من أجل حماية أمن مصر المائي ودعم السلام والاستقرار في المنطقة ككل".
وأضاف البيان: "يظل الاتحاد الأوروبي مستعدًا لدعم المفاوضات التي يقودها الاتحاد الإفريقي وممارسة دور أكثر نشاطًا، في حال كون هذا الدور مفيدًا ومرغوبًا فيه من جانب كافة الأطراف، عبر إتاحة خبرة الاتحاد الأوروبي الثرية في إدارة الموارد المائية المشتركة بما يتوافق مع القانون الدولي. فمن خلال الإرادة السياسية ودعم المجتمع الدولي يمكن تحويل هذا النزاع إلى فرصة لكثير من الأشخاص".
وتابع: "ملايين الأشخاص المقيمين بحوض النيل سوف يستفيدون من اتفاق حول سد النهضة الإثيوبي، حيث سيخلق الاتفاق القدرة على التنبؤ، ويفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية في الطاقة والأمن الغذائي والأمن المائي".