** إشراقة سيد محمود، وزيرة التنمية والموارد البشرية، تشيد بالانتباهة وتصفها بأن تطبق المعايير الأخلاقية والمهنية في سياستها التحريرية، ثم تؤكد بالنص (أنا واثقة من أن الإعلان المثير للجدل مرّ سهواً).. حسناً،، فلنحسن الظن ونتفق مع وزيرة تنمية الموارد البشرية في أن ما أسمته بالإعلان المثير للجدل قد مرّ سهواً ولم تنتبه إليه إدارة تحرير الانتباهة.. اتفقنا، ولكن القضية الأساسية هي ليست (نشر الإعلان)، بل (فكرة الإعلان).. وبالمناسبة، يجب أن ننظر الى قضية الإعلان بزاوية نظر أخرى أعمق تحديقاً وكشفاً لجذور القضية وليست لأوراقها التي من شاكلة (الانتباهة نشرت والانتباهة اعتذرت).. فالانتباهة - غافلة كانت عند نشر الإعلان أو متعمدة - تستحق الشكر، ليس على اعتذارها ولا على تطبيقها للمعايير الأخلاقية والمهنية، بل على كشفها ملامح مؤسسات وأجهزة بالدولة لم تعد تمانع (تنظيم مهنة الدعارة)، بل - يعني كمان - تشجع على تصديرها..!! ** نعم، سهواً كان أو مع سبق الإصرار والترصد، لقد أزاح إعلان الانتباهة الغطاء عن عقول وضمائر ونفوس سادة تلك الأجهزة والمؤسسات التي شعار حكومتها يطرح ذاته على أهل الأرض (رسولاً لقيم السماء) و (نبياً لمكارم الأخلاق).. فالانتباهة أحسنت من حيث أخطأت، وربما لو أجرت كل وسائل إعلام الدنيا والعالمين تحقيقاً وتحرياً لكشف حدث كهذا في دهاليز مؤسسات وأجهزة الدولة المناط بها مراقبة وتنظيم استخدام السوداني والسودانية بالخارج، لما نجحت في كشف (محتوى إعلان الانتباهة)، وفي المحتوى يتجلى نهج تلك الأجهزة والمؤسسات.. فالإعلان يحمل ثلاثة عناوين مهمة، ومن تمثلهم تلك العناوين هم المسؤولون عن محتوى الإعلان، (وزارة تنمية الموارد البشرية، الإدارة العامة للاستخدام، إدارة استخدام السودانيين العاملين بالخارج)، أو هكذا عناوين ترويسة إعلان مكتب (أبوجمال)..!! ** وبالمناسبة، نسأل السلطات التي تنظم وتراقب عمل مكاتب الاستخدام: هل لا يزال ترخيص عمل مكتب أبو جمال سارياً؟.. إن كانت الإجابة ب(نعم)، فلماذا تحظر الحكومة عمل تلك البيوتات التي كانت تقاس فيها المرأة بالمتر وتوزن جسدها بالكيلو، قبل تشغيلها أو استخدمها، بحيث (تجذب الأنذال وتكتنز السُحت)؟.. نعم، إن كان مكتب أبو جمال يواصل تصدير نساء بلادنا بمواصفات خاصة للكوايتة وضيوفهم، فليرفع النهج الحاكم ستار شعاره عن وجه الحياة العامة ثم يعلن عن حقيقة نهج مؤسساته وأجهزته، أو كما فعلت تلك الوزارة وإداراتها، هذا لكي لا يحتكر مكتب أبوجمال (أقدم المهن)، وكذلك لا تحاسب مجالس الناس والصحف سياسات النهج الحاكم بالكتاب والسنة ومكارم الأخلاق وطبيعية الأشياء.. وهنا نذكر أحدهم بندوة أقامها اتحاد طلابي قبل سبع سنوات، وتحدث فيها متنطعاً بالنص (أولادي بيسألوني السُكر يعني شنو؟، لأنهم ما شافوا زول سكران كده)..أها، حتما صار أولاده شباباً وتعلموا وطالعوا انتباهة الخميس الفائت و(شافوا إعلان دعارة)، وليس فقط (زول سكران).. أم هم بحاجة إلى والدهم ليسألوه ببراءة الأطفال: ماذا يعني إعلان وظيفي شروطه (ثلاثة صور من الرأس إلى القدم بأوضاع مختلفة، الوزن، الطول، بشرة غير داكنة)، ثم بعد كل العرض (المعاينات بالكويت)؟؟.. ** فالحقيقة التي تتهرب منها وزارة الموارد البشرية هي أن تلك المواصفة مرت بأجهزة الدولة ومؤسساتها التي تصدق لمكاتب العمل تراخيص طرح إعلانات الوظائف، وهذا الإعلان المسيء للسودان وليس المثير للجدل - كما تصفه الوزيرة إشراقة - يحمل الرقم (11)، أي هو الترخيص رقم (11)، لهذا المكتب، وكذلك ترويسة الإعلان تحمل الرقم الحكومي المتسلسل.. وهنا، نسأل وزارة تنمية الموارد البشرية والسلطات الأخرى بتوجس: كم ترخيصاً كهذا لم يسقط سهواً على صفحات الصحف، بحيث يعلم أهل السودان أن مكاتب الاستخدام بالسودان تسوق نساء السودان لعرب الخليج تحت مسمى التوظيف؟.. أي، إن كان هذا الإعلان مرّ سهواً على إدارة تحرير الانتباهة، حسب حديث الوزيرة إشراقة، فكم إعلاناً كهذا لم يمر على الصحف (لا سهواً ولا عمداً)، ومع ذلك نجح أصحابه في الوصول إلى الفئات المستهدفة بوسائل أخرى غير الصحف؟.. أو هكذا السؤال الذي يجب أن يفتح باب التحقيق الرسمي واسعاً، بحيث لا يقف المحقق عند هذا الإعلان (المر سهواً).. ولكن، قبل التحقيق، ثلاثة وزراء بالتنمية والموارد البشرية ثم أفندية بتلك الإدارات التابعة، يجب أن يغادروا مواقعهم، إكراماً للمرأة السودانية، وتقديراً ل(سُمعة وطنها).. وهذا ما لم - ولن - يحدث، فالوطن عند الذين يصادقون لمكاتب الاستخدام مثل هذا الترخيص الرخيص محض سلطة أو قيمة.. (رسوم مغادرة)..!!