.مراكزالبيع المفخخ! تزعجني كثيرا محاولات الحكومة الدائمة والمستمرة لحل مشكل الغلاء من خلال إنشاء نوافذ للبيع المخفض ، وهي في واقع الأمر تعني البيع المفخخ! وذلك لأن هذه التجربة فاشلة "بالتجارب " المستمرة وفيها زيادة الأعباء على الحكومة وهي غير قادرة على القيام بأعبائها الأساسية مثل توفير التعليم للفقراء والعلاج والمياه والكهرباء، والى غير ذلك من الخدمات الأساسية. قبل يومين شاهدت برنامجا في التلفزيون يتناول تجربة هذه المراكز، من خلال استطلاع مع المواطنين، وقد صدمتني الإجابات فمعظمها أعلن موت هذه التجربة وشيعها باللعنات الى مثواها الأخير، ومجموعة صغيرة عددت محاسن التجربة على طريقة الذم بما يشبه المدح، هذه التجربة كانت ناضجة خلال العقود السابقة من خلال "التعاونيات" المنتشرة في كل أصقاع البلاد وكانت ناجحة تقدم خدماتها المحسوسة "ولا بالضجة في الرادي ولا الخطب الحماسية"! وجاءنا زمان امتلأ فيه كل ركن بالأحياء بكشك أطلق عليه اسم "الأمن الغذائي" ومضت هذه التجربة غير مأسوف عليها الى مذبلة التاريخ ولم يستفد منها إلا أولئك الذين أسندت إليهم هذه المهمة الوطنية والشعيرة الدينية، ثم اندلقت العديد من المسميات التي يوحي ظاهرها بأنها من أجل تخفيف أعباء المعيشة او رفع المعاناة عن كاهل الجماهير، فازدهرت مسميات مثل دعم الأسر العفيفة وتخفيف حدة الفقر ومشاريع الأسر المنتجة ودعم الخريجين وكيس الصائم وكرتونة الطالب الممتحن والنفرة الخضراء، ويضاف الى ذلك صناديق البلد التي "زادت" والتي لم يجن ثمارها سوى العاملين عليها. دخلت الحكومة في السوق وأطلقت يدها وجعلت أيدي التجار مغلولة بالقوانين والضرائب والرسوم والتضييق الشديد، وأصبح السوق "فينا يسوق" وظلت الأسعار ترتفع لأضعاف القيمة الحقيقة بين عشية وضحاها. وبين الفينة والأخرى تطل علينا الحكومة ببعض الإجراءات التعسفية مثل بيع دجاج الوالي بأسعار مخفضة في أماكن خفية او هذه التجربة التي أكتب عنها اليوم وهي تجربة مفخخة بكل ماتحمل هذه الكلمة من معان ودلالات. هذه الأكشاك "بمسمياتها المختلفة" من الأمن الغذائي وحتى مراكز البيع المخفض، تمثل أكذوبة كبرى فهي قليلة العدد وتوجد في أماكن غريبة وتفتقد للكثير من العوامل التي تجعلها غير جاذبة ومنفرة وهي مجرد أفخاف كل من يقع فيها مرة سوف يفر منها فرار السليم من الأجرب وتبدو فكرتها مثالية لكن ذلك من مواصفات السراب، صحيح أن أسعارها منخفضة لكن بعدها عن أماكن تجمعات الناس الرئيسية "وأتحدث هنا عن تجربة شرق النيل تحديدا" جعل الذهاب إليها يكلف المرء الكثير من الجهد والوقت، كما أن مواصفات البيع فيها يشوبها الكثير من القصور يضاف الى ذلك قلة عددها والظروف البيئية السيئة التي تحيط بهذه الأكشاك. من الطرائف أن كشكا بشارع واحد بالحاج يوسف عليه لافتة تشير الى أنه يتبع لمشروع الأمن الغذائي القديم وعليه كتابات تدل على أنه يقدم سلعا استهلاكية بأسعار مخفضة، هذا الكشك يوجد بداخله الآن فني صيانة أجهزة كهربائية يمارس وظيفته دون أدنى حرج وتحيط به أجهزة الراديو والتلفزيون المعطوبة!.