مناقب الإمام أبوحنيفة النعمان "80ه - 150ه" أبوحنيفة النعمان بن ثابت أصل آبائه من بلاد الفرس وتنقل والده حتى هبط الكوفة واستقر بها فولد له ابنه- أبوحنيفة- سنة 80 من الهجرة. عمله: مارس تجارة الخُز (1) في الكوفة ونجح فيها نجاحا دل على سعة عقلة ووفرة ذكاء وكريم خلق- إقباله على العلم- رآه عامر الشعبي- ذكيا فصيحا فنصح له بدراسة العلم فترك تجارته لشركائه يشرفون عليها وأقبل على مجالس العلم في الكوفة وخاصة حلقة حماد بن سليمان، كبير الفقهاء في عصره، وواظب على هذه المجالس حتى ظفر بكثير مما عند أصحابها في العلوم وقيل إنه لقي من الصحابة- أنس بن مالك- وروى عنه، وعلى هذا فهو من التابعين ورحل إلى البصرة بعد نضجه العلمي فجادل أهل المذاهب والفرق الكلامية فبهرهم بسعة علمه وقوة حجته ثم عاد إلى الكوفة ولازم- حماد بن سليمان- مدة طويلة صار فيها من أكبر الأعلام في العلوم الشرعية وخاصة الفقه الذي أقبل عليه لأنه العلم الذي لايستقيمم أمر الدنيا والآ.خرة إلا به كما كان يقول... منزلته في الفقه: لما مات- حماد- أجمع الكوفيون على اختيار- أبي حنيفة- خلفا له فكانوا يرجعون إليه في مسائل الفقه ومشكلاته- وسار ذكره في الآفاق واعترف الخلفاء والعلماء بفضله ورسوخ قدمه في العلم فمن ذلك أنه دخل على الخليفة- المنصور- وعنده بعض العلماء فقالوا للخليفة هذا عالم الدنيا فسأله- المنصور- عمن أخذت- فقال عن أصحاب- عمر بن الخطاب- عن عمر وعن أصحاب على بن أبي طالب عن على عن أصحاب ابن مسعود عن ابن مسعود فقال له الخليفة بخ بخ لقد استوثقت لنفسك ما شئت وقال الشافعي: الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة وهو أول من دون علم الفقه ورتبه أبوابا وفصولا على نحو ما هو عليه الآن وكذلك الناس قبله يعتمدون في الفقه ومسائله على حفظهم. أصول مذهبه: يقوم مذهبه على الأصول الآتية: 1-القرآن الكريم. 2- السنة الصحيحة: وكان يحتاط فيما يروي من الأحاديث وليس صحيحا مايذكر عنه من أنه كان قليل البضاعة في الحديث فقد صح عنه أنه انفرد- بمائتين وخمسة عشر حديثا سوى ما اشترك في إخراجه مع بقية الأئمة. 3- إجماع الصحابة إذا اتفقوا على أمر. 4- فإذا اختلفوا أخذ رأي الفريق الذي يكون رأيه قريبا من الأصول والقواعد العامة في الكتاب والسنة.. 5- فإن لم يتعرض الصحابة مطلقا للحكم اجتهد برأيه كما يجتهد التابعون واستعان بالقياس فيما لادليل عليه من الأصول السابقة وهذه الأصول مأخوذة من قوله "إني آخذ أولا بما في القرآن فإن لم أجد فيه الحكم فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم أجد منهما رجعت إلى ما اتفق عليه الصحابة- فإن اختلفوا أخذت من أقوالهم ما كان قريبا من القرآن والسنة فإن لم أجد للصحابة رأيا لم آخذ بقول أحد من التابعين بل أجتهد مثلهم. خواص مذهبه: يستعمل أبوحنيفة الرأي والقياس أكثر من باقي الأئمة وقد برع في القياس والاستحسان وتوسع فيهما هو أصحابه حتى اتسعت بذلك المسائل الفقهية وكثرت كثرة عظيمة، إذ كانوا يفترضون صورا للمسائل ويلتمسون لكل صورة جوابا وكان يطرح المسألة على من حضر من طلاب العلم ويتناقشون فيها حتى يستقر الرأي على جواب فيها وبهذا كانت مسائل فقهه لا تتقرر إلا بعد المناظرة والأخذ والرد فيها غالبا. وقد نشط فقه الرأي على يد "أبي حنيفة" وأصحابه الذين ربطوا مسائل الشريعة بعضها ببعض وردوا كل طائفة منها إلى أصل تنبني عليه حتى أصبح الفقه علما ذا قواعد وأصول بعد أن كان مسائل مبعثرة. صفاته: عرف بصدق المعاملة والسخاء وشدة الورع والتقوى وعفة اللسان والحلم ودقة النظر مع قوة الحجة وحسن التخلص ورعاية حقوق الجار. 1-فمن شدة ورعه أنه كان يقضي الليل يتعبد ويقرأ القرآن ويدعو وكان كثير العبادة حتى قيل إنه صلى الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة. ومن مظاهر ورعه الذي يتصل بعمله كتاجر أنه أرسل إلى شريكه بالكوفة ثيابا يبيعها وفيها ثوب معيب عينه له وأوضح عيبه- وأمره أن يظهر العيب للمشتري قبل البيع فلما نسى الشريك ذلك وعجز عن الاهتداء إلى المشتري لم يرض أن يملك مالاً فيه شبهة، فتصدق بثمن الثياب كلها وكانت ثلاثين ألف درهم. 2- ومن عفة لسانه وحلمه أن رجلا شتمه في حلقه الدرس فلم يلتفت إليه ولم يقطع درسه ولم يسمح للحاضرين بالرد عليه حتى إذا فرغ من درسه تبعه الرجل يشتمه فلما وصل إلى الباب التفت إلى الرجل وقال له هذه داري فإن بقي معك شيء فأتمه حتى لا يبقي في نفسك أمر فاستحى الرجل واعتذر. 3- ومن قوة حجته وحسن تخلصه أنه دخل على المنصور وعنده أحد أعدائه الذي أراد أن يوقع به فقال: "يا أبا حنيفة- إن أمير المؤمنين يأمرنا بضرب عنق الرجل لا ندري ما هو فهل نقبل هذا الأمر؟"- يريد بذلك إحراج- أبي حنيفة- فقال له "أمير المؤمنين يأمر بالحق أم بالباطل؟" قال "بالحق"، قال "اتبع الحق حيث كان ولا تسأل عنه"، ثم قال أبوحنيفة لمن قرب منه "إن هذا أراد أن يوثقني فربطته".. 4- ومن زهده في مناصب الدولة: إن مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية- عرض عليه أن يكون رئيسا لبيت المال- فأبى كل الإباء معتقدا أنه بقبوله يكون شريكا للحكام في ظلم الناس فحبسه الوالي أسبوعين وضربه أياما متوالية ثم عرض عليه المنصب مرة أخرى فقال الإمام "دعني استشر غيري" فأخرجه من السجن فرحل إلى مكة وأقام بها حتى زالت دولة بني أمية وقامت الدولة العباسية، فرجع إلى الكوفة وقد دعاه المنصور لتولي القضاء فامتنع فحبسه وضيق عليه في الحبس وأهانه بالضرب المبرح وبالتشهير في الأسواق بحجة إنه لايطيع الخليفة ويرفض القضاء. 5-ومن حسن جواره قصته مع الجار المؤذي الذي حبسه الخليفة فشفع له. وقد مات أبو حنيفة في – بغداد – سنة 150ه وعمره سبعون سنة ودفن بها.. أشهر تلاميذه: الذين حذقوا مذهبه وعملوا على نشره وتوضيح مسائله والتأليف فيه تلميذاه وصاحباه أبو يوسف قاضي القضاة- في زمن المهدي- والهادي- والرشيد- ومحمد بن الحسن الشيباني- صاحب التآليف الكثيرة التي نشر بها علم أستاذه- زفر بن الهزيل. مذهب أبي حنيفة الآن: هو أشهر المذاهب الأربعة الآن التي يجري المسلمون على أحكامها واكثرها انتشارا في أرجاء المعمورة- ولاسيما- العراق- الباكستان- وتركستان- والأفغان- وتركيا- والبأنيا- والبلقان- والشام ويقل في- فارس- واليمن- والحجاز أ.ه