المفكر الإسلامي د.حسن مكي ل(السوداني): (...) هذه ما سيواجه النظام إذا لم تتم هيكلته +++ الجنوب في طريقه للوصاية الدولية ++ من دون منصب رئيس وزراء سينهار الوضع السياسي الحركة الإسلامية أصبحت كالعاجز +++ الأحزاب السياسية تحتاج إلى (حقنة) وعام 2013م، يلملم أوراقه على باب الرحيل، بعد أن شهدت البلاد خلال هذا العام، العديد من التغييرات السياسية الكبيرة، التي ستؤثر على مستقبله، ونحن نستعد لاستقبال العام الجديد، (السوداني) تفتح باب حوار ومراجعات ونظرة للعام القادم، مع عدد من المفكرين والسياسيين، نبدأها اليوم مع صاحب التحليلات الموضعية، البروفيسور حسن مكي، وهو صاحب الأفكار العميقة حول إشكاليات الراهن ورهانات المستقبل في وثبات رشيقة ومنتهية دوماً إلى خلاصات معرفية في محاولة لتبصر هذا العام المرتقب. حوار: عمر رملي نحن في انتظار عام جديد، كيف تنظر إلى الوضع السياسي ومتغيراته على الصعيد الداخلي؟ من الناحية الاقتصادية، لا أتوقع انفراجاً اقتصادياً للعاملين في الدولة في المرتبات، سواء بالنسبة للعاملين في خدمة الدولة أو في خدمة القطاع الخاص. وستزداد الأزمة وتزداد حالة "عليك يا الله"، أما بالنسبة للمغتربين ستكون الأمور ميسورة في انخفاض الجنيه السوداني، وهذه الطائفة غير قليلة في المجتمع (طائفة المغتربين)، مع طائفة المتكسبين بالذهب وطائفة الرعاة، وهذه الطوائف الثلاث ستكون أوضاعهم ميسورة. الجانب السياسي ما يزال ضبابياً؟ على صعيد العملية السياسية في السودان؛ أعتقد أن التطورات السياسية ستؤدي إلى إعادة هيكلة السودان وفصل الحزب، خاصة وقد ضعف في التغييرات الأخيرة، وأعتقد الآن أن الحكومة لن تستطيع أن تكون حكومة متسقة، إذا لم يتم تعيين رئيس الوزراء، لأن هذه المهمة كان يقوم بها علي عثمان ود.نافع، والسودان متسع وبه 15 إقليماً ومشكلات سياسية وضغوط، ودون رئيس وزراء لن تكون لديه قدرة وسينهار الوضع السياسي، فالسودان لا بد أن تحدث فيه إعادة هيكلة باستحداث منصب رئيس الوزراء، لأنه هو الذي يحدد ويخطط للمرحلة القادمة وإجراء الانتخابات وإقامة الدستور. ما تزال الأحزاب السياسية في حالة سيولة وعدم ترتيب ووضح برنامج، كيف تنظر إليها في العام المقبل خاصة والانتخابات تقترب؟ الأحزاب السياسية تحتاج إلى (حقنة) وهي انتهت جزئياً منذ رفع العلم، وظلت في غرفة الإنعاش مدة ال58 عاماً الماضية، ومسنودة بكيانات طائفية، مثل حزب الاتحاديين، مرة كان مسنوداً بالطرق الصوفية الصغيرة وتجار المدن، ومرة أخرى كان مسنوداً بمصر كقوى خارجية، وحزب الشعب الديمقراطي كان مسنوداً بالختمية؛ بينما حزب الأمة يسنده الأنصار، ولكن الآن حدثت فيه صحوة نتيجة لحكمة الصادق المهدي، ولكن حكمة السيد الصادق لا تُغني شيئاً في التحولات الجذرية، لأن مناطق دارفور ومناطق النيل الأزرق التي كانت فيها ولاءات، أصبحت الآن ميداناً للجهوية والعشائرية، كما أن هنالك متغيرات سياسية واقتصادية، ولذلك نجد حركات مسلحة في دارفور ظهرت كلها من الشباب في الثلاثينيات والأربعينيات، لأنهم ليس لديهم قدرة ولا حصاد ولا قيم سياسية، لكنهم ظهروا، لأن الطبيعة تكره الفقر، مثل مناوي وعبد الواحد، وهذه الأسماء سواء كانت وهمية أو حقيقية، تتفاوض معها الحكومة كأنها بيوت أشباح (مبتسماً). ما هي قراءتك لحركات التمرد، وهل يمكن أن تتطور سياسياً وتدخل في عملية سلام وتتحول لأحزاب سياسية؟ أعتقد أن شوكة التمرد ستنكسر جزئياً في دارفور وجنوب النيل الأزرق، وكذلك في جبال النوبة، نتيجة لثلاثة متغيرات، لسآمة المجتمع الدولي وشعوره بالإرهاق، وأن الحركات المسلحة لم تحقق نجاحاً، بالإضافة إلى مسألة النازحين ووجود عبء اقتصادي من قوات الأممالمتحدة وغيرها. والمسألة الثانية: استعانة الحكومة بالمجندين الأعراب. والأمر الثالث: أن الأوضاع العسكرية والقتالية قد تحسنت شيئاً ما، ولكن الحركات ستظل معتصمة في الجبال وموجودة وتنتظر الفرصة متى تحسنت الأوضاع الدولية واستقرت الأوضاع في جنوب السودان. الحركات المسلحة هل ستواصل ذات منهجها؟ أعتقد أن السودان حينما ينشئ طريق الإنقاذ الغربي، ستكون حُلت أكثر من 30% من المشكلة، وتبقى المشكلة الثانية وهي الماء (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)، وأنت لا تستطيع أن تتخيل بيتاً ولو كان عمارة دون ماء، (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ)، فالقصر لا ينفع دون ماء، ودارفور لا تنفع دون ماء، ولذلك دارفور فيها المياه الجوفية، وكذلك مع شارع الإنقاذ الغربي تم توفير المياه وحفر الآن عشرة آلاف بئر، باعتبار أن كل بئر يمكن أن تكفي مائة شخص على الأقل، بالإضافة إلى الآبار الموجودة، فعشرة آلاف معناها عشرة ملايين، وستكون قد حلت مشكلة دارفور، لأن أساسها حرب مياه حول المراعي والمسارات والصراع بين القبائل. الجنوب ما يزال عالقاً مع الشمال، حيث يتقاسم إشكالاته مع الخرطوم، فكيف تنظر لمتغيرات الأوضاع في جوبا؟ بالنسبة لجنوب السودان، في تقديري دخل مرحلة اللاعودة كدولة، وهو في طريقه للوصاية الدولية، ومن يستمع إلى خطاب هيلدا جونسون مبعوث الأممالمتحدة، سيعرف أنها لم تكن تتكلم بصفتها مبعوثة، إنما تتكلم وكأنها حاكم في جنوب السودان، تأمر وتنهى بطريقة أقوى من طريقة سلفاكير نفسه، وأنها ستستعمل قوات لحماية المدنيين وستقوم بالإيواء والإغاثة ..الخ، ولذلك ربما ينتهي الأمر بتسوية سياسية بأن يكون هنالك بما يسمى بالحساب الدائر، هذا الحساب تخصص فيه عائدات النفط الجنوبي تحت إشراف دولي مثل القوت والغذاء، الذي كان في العراق. طبعاً رياك مشار استولى على المطار في ملكال واستولى على ثكنة القوات المسلحة، واستولى على السوق كأنه سيد ملكال وسيد بانتيو، ولكن حتى لو استطاعت قوات الدولة السيطرة، فإنها لن تستطيع أن تحارب في الغابات، ومن يملك بندقية في الجنوب يوقف البترول، والجنوب سيتوصل إلى تسوية سياسية، ولكن في إطار الوصاية الدولية وسيتم فصل الحزب عن الجيش. في كل عام نحتفل بالاستقلال، والبعض يرى أننا استقللنا بشكل غير كافٍ لبناء دولة ديمقراطية ونظام سياسي؟ الاستقلال جاء نتيجة اتحاد، والمؤتمر الوطني عنده الآن فرصة لأن يتكلم، فلا بد أن يلجأ إلى حوار مؤسسي مع القوى وينشئ منبراً كبيراً، هذا المنبر يضم كل القوى التي تستطيع أن تؤلف جملاً مفيدةً، يعني مجموعة زين العابدين قد تكون مجموعة محدودة جداً وتأثيراتها قد تكون ضئيلة، ولكنها على المستوى المعرفي فهي كبيرة، وإذا كان الأمين العام الجديد للحزب استطاع أن يقيم معها حواراً فهذا سيكون مفيداً، وكذلك إذا استطاع أن يقيم حواراً مع مجموعة غازي وهذه خرجت من الحزب الحاكم نفسه، وقد تكون من أفضل نخبه، وكذلك مجموعة غازي ومجموعة الطيب يمكن أن تقيما حواراً مع حزب الأمة ممثلاً في السيد الصادق المهدي، وكذلك مع السيد حسن الترابي باعتباره مؤسساً للحركة الإسلامية ومستوعباً للتجربة السياسية، ولا بد أن تكون هنالك حركة حوارات كبيرة مع قوى داخل وخارج السودان، وكذلك مع الجبهة الثورية ومع الحركات المسلحة وأن لا يُترك شخص خارج هذا الحوار. البعض ينظر إلى أن أزمة النظام تتمثل في الأزمة الاقتصادية، هل لها حلول يمكن أن نشهدها في العام المرتقب أم أنها أزمة لا حلّ لها قريباً؟ القضية الاقتصادية لديها أبعاد، لديها بعد داخلي بالنسبة للعاملين في الدولة، وفي ضعف الأجور، وقد وضعتها في طريقة ساخرة، في عام 1965م كان مرتب الأستاذ الجامعي مائة وخمسين جنيهاً، وكان ثمن الخروف جنيهيْن، وكان شوال البصل ب70 قرشاً وكان المرتب بجيب 70 خروف و30 شوال بصل، واليوم مرتب الأستاذ الجامعي -وهو متوسط- حوالي ثلاثة آلاف جنيه، بجيب ليه خروفين وشوال بصل، يعني الراعي أفضل منه لأنو بيكون عندو 50 قطيع بتجدد سنوياً ويعطيه 50 رأس ودا معناه عندو ثلاثة أو أربعة رؤوس في الشهر، ودخله ضعف الأستاذ الجامعي، وكذلك الآن غاسل العربات، بغسل عربات العاملين في الدولة، عربات أصحاب الذهب —الأستاذ الجامعي بغسل عربته بنفسه- يصبح عائده يكاد يتماشى مع الأستاذ الجامعي؛ أما بقية العاملين في الحكومة الذين يقل راتبهم عن ال1500 جنيه أقل من 200 دولار في الشهر 7 دولارات في اليوم، والأسرة التي فيها خمسة أفراد (أب وأم وثلاثة أطفال) معناه نصيب الفرد في هذه الأسرة أقل من دولار ونصف، معدل الفقر العالي هو 2 دولار للفرد، يعني السودان كله تحت الفقر باستثناء الطوائف الثلاث: المغتربين، الرعاة، المنقبين عن الذهب، أو بعض التجار والعاملين في الوظائف الدستورية وهم أقلية الأقلية. هذا الوضع المتردي هو الذي قاد أساتذة الجامعات إلى الهجرة من الوطن؟ ليس فقط أساتذة الجامعات، فالبطون الجائعة لا تعرف المعاني العالية، ولذلك إما أن يفتش عن عمل آخر أو يهرب من الوظيفة أو لا يؤديها بصدق، ولكن لا بد أن يكون الكلام مبنياً على المعالجات، فلا بد أن تكون هناك وجوه قادرة على عمل جمل مفيدة، تشرح المشكلة وتعبئ الشعب على الإنتاج، وتتجه إلى الزراعة، ثم ثانياً العقوبات الدولية لم ترفع إلا بإعادة هيكلة النظام، ومن الأفضل أن يقوم النظام الحاكم الآن بإعادة هيكلة نفسه، بدلاً عن أن تفرض عليه من الخارج أو تحدث ثورة داخلية وتحدث فوضى، وكذلك إعفاء الديون وإلغاء الديون لا تحدث إلا بمراعاة الوصفة الدولية التي تقوم على الديمقراطية وحقوق الإنسان. والآن هنالك 40 سفارة تكتب تقارير وتشوف ده كله لم يحدث والكلام عن الإصلاح ليس تغيير وجوه هو هيكلة. إذا نظرنا إلى محيطنا الإقليمي سنجده متقلباً ومتحركاً وخاصة مصر، كيف تحلل موقف الحكومة في التعامل مع التغييرات المحيطة بنا؟ السودان ليس له القدرة على أن يفعل أي شيء للأسف الشديد، في عام 1965م، حينما أعدم سيد قطب صلى الناس في الميادين العامة على سيد قطب، وخاطب زعماء السودان مصر، حينما اعتقل مصطفى أمين وعلي أمين، وذهب المحجوب لعبد الناصر وتوسط في هذا الأمر، وفي عام 1955م حينما أعدم عبد القادر عودة صلى مجلس النواب كله عليه، ولكن الآن السودان لا يستطيع أن يفعل شيئاً رغم أن مصر في أسوأ أحوالها لأن الحركة الإسلامية الآن أصبحت ضعيفة، وكانت دائماً تتكلم عن المؤامرة الأجنبية ودائماً ما تخشاه تقع فيه. من كثرة خشيتها وخوفها من المؤامرة الأجنبية وقعت في شباك حيث أصبحت كالعاجز وأخذت تمد رجلها على قدر لحافها، ولكن مصر نفسها أنا أعتقد أنها لم تُقل فيها الكلمة النهائية، لأنها محكومة الآن بأقليات، ولا أدري هل سينجح الاستفتاء، وفي تقديري إذا نجح سيكون نجاحه محدوداً جداً لأن الجمعيات الخيرية والجماعات الإسلامية كلها محجوبة في مصر الآن، والآن لا تسمع إلا صوتاً واحداً، صوت الأقليات، وتجد قطاعاً من الجيش، وأعتقد أن إعلان الحركة الإسلامية حركة إرهابية هو الطلقة الأخيرة في فوهة مدفع الأقليات. وفي رأينا أن الأقلية المبدعة دائماً أقوى من القوى الجائرة، وغاندي استطاع أن يتغلب على الإمبراطورية، لذلك أعتقد أن الكلمة النهائية لم تُقل والاستفتاء ستكون نتيجته محدودة جداً، وتأثيراته محدودة وفي النهاية لا بد من حل وسط بما يسمى بتسوية سياسية ما بين الحركة الإسلامية والجيش في مصر. بكلمات قلائل: مستقبل المتغيرات في سوريا، اليمن، ليبيا، تونس، المغرب، إفريقيا الوسطى؟ بالنسبة إلى سوريا، وصاية دولية إلى حين، واليمن وصاية دولية، وليبيا شيء من الوصاية الدولية، وتونس إبعاد لحركة النهضة من مقامات التأثير ، ما يمكن أن يكون مستقراً هو المغرب بالنسبة للتحالف بين حكمة الملك محمد السادس وعبد الإله بن كيران في حزبه العدالة والتنمية، وبالنسبة لإفريقيا الوسطى فهي مرحلة اللاعودة. هنالك تغيرات ستكون في البنية السياسية في كل منطقة من دول الجوار، خصوصاً التي يرتبط فيها الجيش أو القوات المسلحة بالحزب. خروجاًً عن قراءات الواقع واقتراباً من قراءات الكتب، أرى كتاباً بين يديك، ماذا يقرأ البروفيسور حسن مكي في ذيل 2013م؟ أنا أقرأ الآن كتاب (رحلات عبد الرشيد إبراهيمي في العالم الإسلامي)، وهو مثل ابن بطوطة، ولكنه جاء متأخراً عن ابن بطوطة بقرابة 800 عام. وكتابه يحكي عن أوضاع العالم الإسلامي ما قبل الحرب العالمية الأولى، ويكاد ينطق بمقدمات الحرب العالمية، ومعي أيضاً كتب أنظر فيها: مجموعة سلسلة الفكر النهضوي الإسلامي التي تصدرها مكتبة الإسكندرية وهذه السلسلة لو نظرت إليها (يطلعني على قائمة المستشارين) حشدت لها نخبة استشارية قوية من أنحاء العالم الإسلامي لهذا المشروع، وأخرجوا أكثر من خمسين كتاباً بهذا الحجم، باعتباري عضواً في هذه اللجنة الاستشارية قد اقترحت عليهم في المرحلة القادمة أن نبدأ طباعة ونشر المكتبة الفودية مكتبة (عثمان دان فوديو) وهي مكتبة ثرية وغير معروفة في المشرق العربي، وأعتبره أكبر مفكر في القرن الثامن عشر، أقام دولة ونشر أكثر من 100 كتاب.