مسؤول أمريكي في الخرطوم.. الخطوة الثالثة! ملامح وجهه تشير إلى أنه في العشرينيات، رسم ابتسامة عريضة وهو يبدي سعادته بالوصول إلى السودان للتعرف على الأوضاع عن قرب.. هذا هو ستيفين فيلدستاين نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لحقوق الإنسان والديمقراطية والعمل.. الذي أعلن أنه سيقود مباحثات سودانية أمريكية مع عدد من المسؤولين في الخرطوم.. ربما المنصب الذي يشغله ليس رفيعاً أو مهماً، باعتبار أن لوزير الخارجية مساعدين كثر، ونواب أكثر، غير أن زيارته التي جاءت بعد خطوتين عمليتين متقاربتين، تمثلتا بزيارة مساعد رئيس الجمهورية إبراهيم غندور ووزير الخارجية علي كرتي إلى واشنطن وإعلان الإدارة الأمريكية رفعاً جزئياً عن عقوباتها الاقتصادية على السودان، أعطت دلائل على حراك جديد يحدث بين العاصمتين بغض النظر عن النتائج المحتملة . تقرير: لينا يعقوب ========== *المسؤول الأمريكي يضع طلبه لزيارة أبوعيسى ومدني وعقار أمام المنضدة *الأزرق : حريصون على التطبيع مع أمريكا والعقوبات إجراء ظالم *وكيل العدل : نطلب منه أن ينقل ما رآه بصدق === طبيعة أنه مساعد الوزير لحقوق الإنسان والديمقراطية والعمل، فسر الملفات والمواضيع التي تركز حولها الزيارة، فمصادر مطلعة كشفت ل(السوداني) قبل يومين أن زيارة غندور إلى واشنطن ركزت على ملف حقوق الإنسان ودارفور والحريات السياسية والإعلامية، حيث وضعت واشنطن شروطاً واضحة بإحراز تقدم كبير من الجانب السوداني في الملفات المذكورة لبدء عملية التطبيع بين البلدين. ففي الوقت الذي ترى الخرطوم أن واشنطن غير جادة في إحداث أي نوع من التطبيع رغم نقاط إيجابية تُحسب لها، ترى واشنطن أن هناك تراجعاً كبيراً في ملفات حقوق الإنسان وأوضاع الحريات، التي تقف حاجزًا أمام الإدارة الأمريكية في التساهل مع الخرطوم بتطبيع العلاقات. كما أن الزيارات الأمريكية الرسمية إلى دارفور وبعض المناطق المتوترة أمنياً في جنوب كردفان والنيل الأزرق، قلت في الآونة الأخيرة، واعتمدت الإدارة على تقارير من منظمات المجتمع المدني أو من شخصيات أمريكية شهيرة تصف فيه أوضاع النازحين ومعسكرات اللجوء، فضلاً عن قلة التصديقات التي تسمح بزيارة المسؤولين إلى تلك المناطق لعدم إمكانية توفير الحماية الكاملة لهم أثناء الحركة لرغبتهم في الدخول إلى مناطق توجد فيها بعض حركات دارفور والحركة الشعبية شمال. اللقاء الأول في مباني الخارجية السودانية، كان وكيل الخارجية بعمامته وجلبابه الأبيض يقف نهار أمس (الأحد) مستقبلاً نائب مساعد الوزير الأمريكي في باحة الوزارة قبل الدخول إلى مكتبه.. اللقاء الذي استمر قرابة 45 دقيقة، كان المتحدث الأكبر هو الجانب السوداني الذي أطلع الوفد الأمريكي على تطورات الأوضاع الداخلية في السودان حول ثلاث قضايا رئيسية تتعلق بالموقف الرسمي من رفع العقوبات الاقتصادية بصورة جزئية، وموضوع الحوار الوطني، وأوضاع حقوق الإنسان في السودان. ويبدو أن المسؤول الأمريكي لم يحمل طلباً في حقيبته، سوى رغبته في لقاء المعتقلين الثلاثة (فاروق أبو عيسى، أمين مكي مدني، وفرح عقار)، وهو الطلب الذي وجد إجابة فورية من الوكيل، "بأن الأمر عند الجهات العدلية المختصة". ورغم أن القائم بالأعمال الأمريكي جيري لانيير، أوضح في مقال كتبه ونشر في عدد من المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي أن القصد من رفع العقوبات بعض الاقتصادية المفروضة على السودان مساعدة الشعب السوداني للحصول على مزيد من الحرية والمعلومات خاصة أنه "يعاني نقصاً في تدفق المعلومات بعد تضييق الحكومة على الصحافة"، إلا أن الخارجية على ما يبدو لم تعر مقصد الرجل الدبلوماسي الكثير من الاهتمام، وتقبلت الرفع الاقتصادي الجزئي بصدر رحب باعتبار أن الخطوة جاءت كعربون لصفحة جديدة بين البلدين بعد زيارة غندور إلى واشنطن. عبد الله الأزرق قال في تصريحات صحفية بعد انتهاء اللقاء مع ستيفن فلدستاين، إنهم بحثوا ما يشغل بال كل طرف، وأنه عبر للمسؤول الأمريكي عن سعادة الشعب السودان بالرفع الجزئي للعقوبات الاقتصادية واصفاً الخطوة بالبادرة الطيبة، مؤكداً بأن العقوبات تعد اجراءً ظالماً أضر بجموع الشعب السوداني وأثر على المستوى الاقتصادي للمواطنين. وأقر بحرصهم على الارتباط مع أمريكا وتطبيع العلاقات معها داعيا المسؤول إلى مزيد من اللقاءات بغرض التشاور وتبادل الآراء. وأوضح أن الحكومة جاده فيما يتعلق بالحوار الوطني الأمر الذي دعاه بأن يطلب من المسؤول بذل مساعٍ مع الأطراف الأخرى لإنجاح الحوار خلال الفترة القادمة. الموضوع الأساسي كان اللقاء الثاني للمسؤول الأمريكي أمس بمباني وزارة العدل، وتحديدا مع الوكيل عصام الدين عبد القادر، الذي التقى الرجل قرابة ساعة أطلعه خلالها على أوضاع حقوق الإنسان والممارسة السياسية كما قال. وأكد عقب اللقاء في تصريحات أن اللقاء اتسم بالصراحة والشفافية والوضوح خاصة فيما يتعلق بنقل القضايا بحقيقتها إليه. ويبدو جلياً أن الدبلوماسي الذي قدم طلباً مبكرًا أمام وكيل الخارجية برغبته في لقاء المعتقلين الثلاثة، (أمين مكي مدني، فاروق أبو عيسى، فرح عقار) تلقى ردًا من الوكيل أن الأشخاص الثلاثة لم يعودوا معتقلين، لكنهم متهمون في قضايا جنائية وهم الآن أمام المحكمة والإجراءات التي تمت بخصوصهم ليست فيها استثناء. الوكيل أشار أيضاً إلى أن الوفد الأمريكي جاء ليتعرف على الممارسة الديمقراطية والحريات المتاحة خاصة في مجال الممارسة السياسية والتعبير عن الرأي والصحافة مضيفاً أنه شرح لهم تشريعات القوانين التي تتضمن عدم الإفلات من العقاب، ويبدو أن عصام عبد القادر وضع اعتبارًا للتقارير الأمريكية التي تُكتب وتعرض على أعلى المستويات الدولية، وتتهم السودان بعدم احترام حقوق الإنسان وتضييق الممارسات السياسية والحريات الإعلامية وهو ما دعاه لوصف الزيارة بالمهمة "لأنها تعتمد على تقارير تُكتب من أفراد زاروا السودان على أرض الواقع"، معتبرا أن التقارير المكتوبة حول السودان لها أجندة وأغراض.! الوكيل اختتم حديثه بأنه طلب من المسؤول الأمريكي أن ينقل ما رأه بصدق من ممارسة سياسية، وأن يطلع الإدارة الأمريكية على التشريعات والآليات التي تضمن الممارسة الحرة. غير أن النظرة تختلف من زاوية البعض الآخر، خاصة المعنيين بأوضاع حقوق الإنسان والناشطين في قضايا المجتمع المدني الذين عادة ما ترتفع أصواتهم حول بعض الاعتقالات السياسية وتضييق الحريات والممارسة السياسية. ما وراء الزيارة اليوم (الإثنين) من المقرر أن يلتقي ستيفين فيلدستاين، بمجلس الصحافة والمطبوعات ممثلاً في رئيسه أو أمينه العام لمناقشة أوضاع الحريات الصحفية في السودان، وهي زيارة تعد الأولى من نوعها تعكس اهتمام الجانب الأمريكي بمسألة الحريات الصحفية، كما أن السماح للمسؤول الأمريكي بزيارة مناطق في دارفور والنيل الأزرق وترتيب برنامج حافل له يعكس قدرًا من التفاهم بين البلدين بعد زيارة مساعد الرئيس إلى واشنطن، حيث اعتادت السلطات أن تمنع الزيارات لأسباب مختلفة، غير أن السبب الأساسي بحسب مصادر مطلعة، عدم التعاون بقدر كافٍ مع الجانب الأمريكي لعدم تعاونه مع السودان في أي جانب. ويرى البعض أن زيارة الدبلوماسي الأمريكي رغم عدم أهمية منصبه إلا أنها قد تفتح الباب واسعاً لقراءة مدى التقارب والتعاون الذي يمكن أن يتحقق بين البلدين، بعد شروط وضعتها الإدارة الأمريكية لتفعيل جانب التطبيع، وأنها خطوة ثالثة بعد الزيارة ورفع بعض العقوبات الاقتصادية.